الضغوط على سورية سياسة فاشلة السيادة والاستقلال ووحدة الأرض والشعب قيم مقدسة لا يمكن التخلي عنها د. فيصل المقداد
نائب وزير الخارجية والمغتربين
عاث الإرهاب والإرهابيون دماراً وقتلاً وذبحاً في سورية من دون أي رادع ديني أو أخلاقي أو أي مبرر سياسي. آلاف الأبرياء فقدوا حياتهم أو ممتلكاتهم، لكن آخرين فقدوا حياتهم وحاضرهم ومستقبلهم. وبعد انتهاء أربعة أعوام منذ بدء الأزمة تقريباً يجد الذين وقفوا خلف هذه الكارثة وأججوا نيرانها ووضعوا العصي في دواليب حلها، أن كل ما قاموا به ذهب هباء منثوراً. فلا مليارات الدولارات التي قدموها لمرتزقتهم في سورية أدت إلى تضليل شعبها، ولا الأسلحة، كل أنواع الأسلحة، التي قدموها إلى القتلة والمجرمين والمتطرفين والتكفيريين والمتشددين هزمت إرادة شعب سورية وتصميمه وصمود جيش سورية وقيادتها. لم تنحن الهامات ولم يتراجع إصرار السوريين، معظم السوريين إن لم نقل جميع السوريين، عن تقديم الغالي والنفيس دفاعاً عن استقلال سورية وسيادتها وعزة شعبها.
تفنن الغرب المتوحش وأدواته في المنطقة سواء كانت تركية أو سعودية أو أردنية أو محلية في ابتداع كل الأساليب الخبيثة لإركاع هذا البلد وفشلوا. وأرسلوا كل أنواع السلاح والمخدرات والأموال التي لن تتمكن محيطات العالم وأنهاره من غسلها وتنظيفها لكنهم فشلوا. أنشأوا غرف العمليات العسكرية لقتل السوريين في «إسرائيل» والأردن وتركيا لقيادة وتوجيه القتلة لكنهم وغرف عملياتهم الغبية فشلوا. ذهبوا إلى الجامعة العربية ففشلت أو أفشلوها، وكذلك ذهبوا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن ففشلوا. وابتدعوا مؤتمرات «أصدقاء سورية» لكنهم أيضاً فشلوا. أنشأوا هياكل ادعوا أنها تمثل شعب سورية، فتبين أنها هياكل وتنظيمات فنادق ولا تمثل أياً من السوريين وها هي تتفكك وتنهار وتتشرذم في كل يوم وساعة ودقيقة… أنشأوا ما أسموه «الجيوش الحرة» و»الإسلامية» وعندما فشلوا دعموا من دون حياء أو خجل تنظيمات «القاعدة» بمختلف تسمياتها من «دولة إسلامية» أو «جبهة نصرة»، فاعترفوا أخيراً أنها تنظيمات قتل وإرهاب وفشلوا… سلطوا كل أصحاب الألسنة الوسخة وقدموا لهم محطات تلفزة سخروا لها المليارات من الدولارات والإمكانيات المالية والفنية ودفعوا الكثير لكلِ قليلي الأدب الذين قبلوا أن يشتموا سورية وشعبها لكنهم في نهاية المطاف فشلوا، وها هو بعضهم يلغي برامجه الموجهة ضد سورية أو أنه يعرف في أعماق ذاته أنه فشل. فعلوا كل ذلك، وكثير غيره، إلا أن شعب سورية وجيشها وقيادتها لم يبدلوا تبديلاً.
كانت الجمهورية العربية السورية التي عبرت عن ثقتها بقائدها السيد الرئيس بشار الأسد في انتخابات ديمقراطية قد تصدت، نيابةً عن كل شعوب العالم، للإرهاب، وكان الرئيس بشار الأسد قد أوضح بكل صدقية القائد أهداف الهجمة الإرهابية على سورية وعلى كل العالم وحذر من خطورة تفاعلاتها في المجالين الفكري والعملي. إلا أنه كان واضحاً أن القرار الخارجي كان قد اتخذ لإنهاء النهج السوري المدافع عن السيادة والاستقلال والتطور والتنمية التي تخدم مستقبل الشعب السوري مهما كان الثمن. وبالإضافة إلى الأساليب الدموية التي أشرنا إليها أعلاه، استخدم أعداء سورية وما زالوا يستخدمون اليوم أسلوباً آخر يتمثل في ممارسة مختلف أشكال الضغوط على سورية بهدف فرض التغيير الذي يريدون على هذا البلد بما في ذلك تغيير ما أسموه بالنظام لكن من خلال عملية سياسية انتقالية لأنهم فشلوا بذلك من خلال الإرهاب.
وفي إطار تنفيذ سياسة الضغوط التي مارسوها وما زالوا للوصول إلى غاياتهم السياسية، فقد قاموا وما زالوا مستمرين بفرض عقوبات اقتصادية على شعب سورية. وتقوم الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها في قارات أخرى بفرض منظومة من العقوبات الظالمة وغير المشروعة بموجب اتفاقيات التجارة الدولية تتجاوز في حقدها ما هو مسموح به في إطار القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. فهؤلاء يحرمون المواطن السوري حتى من استخدام ما لديه من مبالغ مالية صغيرة لشراء حاجات أطفاله الأساسية. فكل بنوك العالم المرتبطة بنظام الولايات المتحدة المالي لا تسمح بتحويل دولار واحد لشراء الحاجيات الإنسانية الأساسية بما في ذلك الأدوية والحليب والمواد الغذائية الأخرى. ووصلت هذه العقوبات المصرفية إلى إغلاق حسابات الوفد الدائم لسورية لدى الأمم المتحدة والسفارات السورية التي تقدم خدماتها للمواطنين السوريين، خصوصاً في العواصم الغربية وغيرها. وعلى رغم مخالفة ذلك لأدنى القواعد الدبلوماسية، وتدخل الأمم المتحدة لفتح حسابات الوفد الدائم في نيويورك بموجب اتفاقية البلد المضيف مع الأمم المتحدة، إلا أن الولايات المتحدة لم تتراجع عن عجرفتها ومخالفتها لاتفاقية المقر التي التزمت الولايات المتحدة بموجبها بعدم عرقلة البعثات الوطنية العاملة في الأمم المتحدة.
ومن الضغوط التي تمارسها الدول الغربية وأدواتها على سورية هو إمطار الأمم المتحدة ومنظماتها بمعلومات كاذبة ضد الدولة السورية والحكومة السورية وتحميل القيادة في سورية والجيش السوري مسؤولية ما يجري من دماء ودمار. ولا بد هنا من الإشارة من دون تردد وبكل وضوح إلى أن موظفي الأمانة العامة في نيويورك وفي أماكن أخرى قد تم استنفارهم لخوض هذه المعركة ضد سورية في مخالفة لميثاق المنظمة الدولية ودور الأمانة العامة وصدقيتها. ولسنا بحاجة للبرهنة على ذلك، فبيانات الأمين العام وكبار موظفيه أمام مجلس الأمن والجمعية العامة واللجان الفرعية وبعض المنظمات المختصة مليئة بالكثير من المعلومات المضللة وغير الصحيحة وكل ذلك يشير إلى ارتباطها بسياسات الدول المعادية لسورية وعدم استقلاليتها وابتعادها عن الموضوعية. وحتى وقت ليس بالبعيد، لم ترد كلمة إرهاب واحدة في بيانات هؤلاء المسؤولين الدوليين مما قدم غطاء لكل الذبح والدمار وأكل القلوب الذي مارسه القتلة والإرهابيون. بل إن بعض موظفي الأمانة العامة كانوا يبررون علناً ما يقوم به الإرهابيون. والأكثر من ذلك هو أن الأمانة العامة تجاهلت عمداً التقارير التي تصلها من موظفيها في سورية والمنطقة عن ممارسات الإرهابيين الذين قصفوا المدارس ودمروا المستشفيات واغتصبوا النساء وقطعوا رؤوس رجال الدين لتتهم الأمانة العامة زوراً وبهتاناً الحكومة بذلك. ومما لا بد من الإشارة إليه هو أن بعض الدول المعروفة بتخلف أنظمتها وديكتاتورية أنظمتها بما في ذلك في السعودية وتركيا بدأت بتقديم مشاريع قرارات إلى الجمعية العامة ولجانها وإلى مجلس حقوق الإنسان حول حقوق الإنسان في سورية مما أثار الضحك والاستهزاء بمثل هذه المؤسسات ومشاريع القرارات التي تعتمدها وكأن السعودية أصبحت واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم. وعلى رغم إدانة مجلس الأمن مؤخراً لتنظيمات الإرهاب ودعوة الدول لاتخاذ إجراءات ضد تنظيمات «القاعدة» والإرهاب الأخرى في سورية والعراق، فإن القرارات التي قدمتها السعودية خلت من أية إشارات إلى الإرهابيين والقتلة لأن هؤلاء هم حلفاء للسعودية وتركيا وآخرين في الدول الغربية ما زالوا يتحدون قراري مجلس الأمن رقم 2170 المتعلق بمكافحة تنظيمي «القاعدة» و»جبهة النصرة»، والقرار رقم 2178 المتعلق بمكافحة الإرهابيين الأجانب.
واستخدم الغرب ملف أسلحة الدمار الشامل للضغط على سورية، فقاموا بتزويد التنظيمات الإرهابية المسلحة بمواد كيماوية استعملها الإرهابيون في غوطة دمشق في عام 2013، وبعد ذلك في حلب وفي كفرزيتا. فرحبت سورية بلجان تحقيق دولية وتعاونت معها وقدمت لها كل التسهيلات كي تقوم بتحرياتها على أكمل وجه. إلا أن الدول الغربية لم تعترف بنتائج التحقيقات التي صدرت عن اللجان الدولية وتابعت ضغوطها اللاأخلاقية واللامهنية باتهام سورية في استخدام السموم الكيماوية ضد جيشها وشعبها وهذا دليل على الغباء والمهزلة. وكما يعرف الجميع فإن سورية كانت قد تقدمت في نهاية عام 2003 بمشروع قرار لتصفية كافة أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيماوية وبيولوجية، إلا أن تهديد الولايات المتحدة باستخدام الفيتو ضد مشروع القرار السوري المدعوم عربياً وإقليمياً آنذاك حال دون تحقيق ذلك في عام 2003. إذاً المسؤول عن عدم تحقيق هدف إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل منذ عام 2003 هو الولايات المتحدة وحلفاؤها الذين لا يحق لهم الآن بالبعدين الأدبي والعملي توجيه النقد إلى سورية أو تحميل الجانب العربي مسؤولية عدم تطبيق قرارات مؤتمرات مراجعة اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، علماً أن جميع الدول العربية قد صادقت على اتفاقية منع الانتشار ولم تبق سوى «إسرائيل» خارج إطار نظام منع الانتشار تتحدى العالم كله من خلال إصرارها وإصرار حلفائها الغربيين على أن تكون المالك الوحيد لأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وإيماناً من سورية بتنفيذ التزاماتها بإنهاء برنامجها الكيماوي والذي كان قد توقف عملياً في منتصف التسعينات من القرن الماضي، فقد قامت بالتعاون التام مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ونقل المواد الكيماوية الخاضعة لأحكام الاتفاقية إلى خارج سورية فإنه لم يعد من المبرر استخدام هذا الملف للضغط على سورية. إلا أن صبيان الغرب ما زالوا، للأسف بتواطؤ أيضاً مع دولة عربية، وصلت صدفة إلى عضوية مجلس الأمن، يطالبون سورية بتنفيذ تعهداتها وهم يعرفون أن سورية تخلت عن المواد الكيماوية في شكل موثق وتام.
ومن دون أي شعور بالمسؤولية والحرص على دماء السوريين، تمارس الولايات المتحدة وحلفاؤها أساليب أخرى لا أخلاقية من الضغوط على سورية تمثلت بنيتها التوقيع مع تركيا والسعودية على اتفاق ينص على تدريب مزيد من القتلة والإرهابيين في هذين البلدين لهدف وحيد وهو التأثير على قدرات الجيش العربي السوري البطل وإضعافه كما يعتقدون. وبعيداً عن سياسات النفاق الغربية التي تدعي مكافحة «داعش» و»النصرة» وفصائل «القاعدة» الأخرى، فإن توقيع مثل هذه الاتفاقيات وتقديم تعهدات أميركية بتمويل تدريب هؤلاء القتلة في السعودية وتركيا وتقديم السلاح لهم لا يخالف فقط ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي اللذين يمنعان القيام بمثل هذه الأعمال العدائية التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من سفك الدماء، فإن مثل هذه الضغوط في حال تم تنفيذها تعني تمديد الحرب التي تقوم بها آلة القتل الغربية والسعودية والتركية ضد السوريين إلى عدة سنوات مقبلة، وهو ما يتناقض مع بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى وضع حد للإرهاب في سورية والعالم. كما يكشف ذلك النفاق الذي تمارسه الولايات المتحدة والمتحدثون باسمها عن حرصهم على أرواح السوريين ومكافحة الإرهاب ووقف تمويله والدعاية لمصلحته.
لن تكفينا صفحات كثيرة للحديث عن مختلف الضغوط التي تمارسها القوى التي لا تريد الخير لسورية، لكن المهم أن تعي هذه الدول أن كل الضغوط قد سقطت على صخرة الصمود السوري المدعوم من حلفاء سورية وشركائها في المنطقة والعالم. أن تصمد سورية لمدة أربع سنوات فإن ذلك يعني أن شعبها وجيشها وأصدقاءها سينتصرون على الإرهاب والتكفيريين والمتشددين ومن يدعمهم. وقد دانت سورية الإرهاب الذي يضرب في كل أنحاء العالم ونبهت إلى أن الإرهاب سيطاول داعميه، فالذي يضع السم في الطعام عليه أن يتذوقه. إلا أن سورية لم تقف متفرجة على جرائم الإرهاب ودانت بكل قوة ما حدث مؤخراً في بلد أوروبي من جريمة إرهابية على رغم مواقف قياديي هذا البلد الأغبياء الذين روجوا للإرهاب وبرروا ممارساته وقدمت له الدعم المالي والعسكري والغطاء السياسي.
سورية لن تخضع للضغوط، وعلى من يعتقد أن تعريض حياة الشعب السوري لمزيد من المعاناة والضغوط للحصول على تنازلات سياسية من شعب سورية وقيادته وجيشه وأصدقائه فهو مخطئ، ألم تكفهم أربع سنوات؟ ألم يتعلم أعداء سورية داخلياً وإقليمياً ودولياً أن أبطال سورية وأصدقاءها على استعداد لمواصلة النضال دفاعاً عن الشرف والكرامة والسيادة والاستقلال مهما بلغت التضحيات؟
وختاماً نقول لأولئك الذين يحلمون ويتوهمون أن سورية ستغير من نهجها وقناعاتها الوطنية نتيجة للضغوط التي يمارسونها، بأن هذه الضغوط ستفشل كما فشلت كل الأساليب الأخرى، وأن سورية لن تخضع للضغوط والابتزاز، وأن الآخرين لن يحصلوا من سورية على تنازلات لم تقبل بها سورية قيادةً وشعباً سابقاً مهما بلغت التضحيات ومهما طالت المعاناة لاحقاً. فالاستقلال والسيادة والكرامة وحرية القرار ووحدة شعب سورية وأرضها قيم لا يمكن التنازل عنها، وهي تستحق بامتياز مواصلة الصمود من أجلها وتقديم التضحيات والشهداء من أجل الحفاظ عليها.
(البناء)