انتصارات الجيش السوري تُفقد دي مستورا عقله! : د. محمد أشرف البيومي
تعرّفت على ستيفان دي ميستورا في بغداد عام 1997 حيث كان المنسق العام لبرنامج «النفط مقابل الغذاء» التابع لهيئة الأمم المتحدة. كنت وقتئذ رئيس فريق الملاحظين الدوليين المكلف بتقييم كفاءة توزيع الغذاء وكفايته، ولا علاقة لذلك بملاحظي السلاح. منذ البداية أخذت انطباعاً عن دي ميستورا بأنه غير مهتمّ بما يدور من مآس ومعاناة يومية لحوالي اثنين وعشرين مليوناً من شعب العراق. كان كلّ همّه هو إثبات أنّ الحكومة العراقية ورئيسها يتحايلون على البرنامج. على عكس ذلك تماماً أثبت فريقنا بالوثائق أنّ لجنة العقوبات the Sanctions Committee المكوّنة من أعضاء في مجلس الأمن وتحديداً أحد الموظفين آلان فيلوز Allen Fellows هي التي تعطل الشحنات الغذائية التي تشتريها الحكومة العراقية من أموال النفط التي سُمح ببيعها. كان المبلغ المسموح به 2 مليار دولار كلّ ستة أشهر وكان الثلث يذهب تعويضات أغلبه للكويت وجزء صغير لـ»إسرائيل» ويبقى 1.3 مليار دولار لكلّ حاجات شعب بأكمله منها 1.1 مليار دولار للغذاء، علماً بأنّ ملايين العراقيين كانوا يعانون من تلوّث المياة المتعمّد بسبب منع استيراد المواد المطهّرة، ومن نقص الأدوية والمعدات الطبية، ومن انتشار السرطان والتشوّه الخلقي، خصوصاً في الجنوب بسبب استخدام قذائف اليورانيوم المنضّب أثناء حرب الخليج عام 1991.
وذات مرة استدعاني دي ميستورا ليحذرني من معاقبتي الإدارية لموظفة سويدية تعمل معنا وذلك لمعاملتها السيئة للعراقيين مما يتناقض تماماً مع تعليمات الأمم المتحدة الرسمية. وذكر لي كيف أنها تنتمي لعائلة أمراء سويديين وأنّ قراري سيؤدّي إلى مشاكل لم يصفها. وبكلّ هدوء أكدت على قراري المتناسق مع التعليمات الورقية على الأقلّ، مع العلم بأنّ دي ميستورا سويدي ويحمل أيضاً الجنسية الإيطالية.
رجال عظام وسيدات أبطال
ترك دي ميستورا بغداد وحلّ محله منسق عام جديد وهو الإيرلاندي دينيس هاليداي. ظننت في البداية أنه سيكون على شاكلة دي ميستورا. كنت مخطئاً تماماً وكنت سعيداً بذلك، فدينيس كان على النقيض من دي ميستورا. كان نصب عينيه الوضع الإنساني للعراقيين وكان مقتنعاً بما هو واضح تماماً بأنّ المبالغ المسموح بها غير كافية وحاول رفعها من ملياري دولار إلى خمسة مليارات. تعاونت معه في هذا الصدد رغم معارضة المسؤولين في نيويورك الذين يعملون على معاقبة العراق وشعبه حتى لو كانت النتيجة موت مئات الآلاف من العراقيين خصوصاً من الأطفال.
وتبع دينيس بعد ذلك الالماني هانز فون سبونيك الذي كان أيضاً انحيازه هو الشعب العراقي. استمرّ كلّ من هاليداي وفون سبونيك بعد ترك منصبيهما في نشاطهم المكثف لفضح جريمة الحصار على العراق في الجامعات والبرلمانات الأوروبية وفي الكونغرس الأميركي.
كما كانت هناك سيدات عظام مثل المصرية د. منى همام التي كانت تحتلّ منصباً هاماً ببرنامج الغذاء العالمي، والتي لعبت دوراً هاماً لضمان وصول الغذاء للمواطنين العراقيين. كما ساهمت في زيادة كمية البترول العراقي المسموح ببيعها لتخفيف العناء على الشعب العراقي. وبعد ذلك عملت الدكتورة همام ببرنامج الإنماء في بيروت حيث قامت بدور رائع في جهود إعادة إعمار جنوب لبنان بعد العدوان الصهيوني عام 2006.
هذا الفعل الإنساني أثار غضب مسؤولين في الأمم المتحدة مثل الأميركي جيفري فيلتمان وغير بيدرسون وغيرهم من الذين عملوا على إزاحة د. همام من لبنان حسب ما جاء في خطابات رسمية سرّبتها ويكيليكس. علماً بأنّ فيلتمان كان وقتئذ السفير الأميركي في لبنان، وكان يعمل وكأنه الحاكم الفعلي للبنان، وبعدها عمل سكرتيراً مساعداً في وزارة الخارجية الأميركية، وبعدها عمل ولا يزال يعمل سكرتيراً مساعداً في الأمم المتحدة كرئيس لقسم الشؤون السياسية.
نلاحظ التشابك الكبير بين مصالح السياسة الأميركية وهيئة الأمم المتحدة!
دي ميستورا يُبعث من جديد في سورية
يظهر دي ميستورا مجدّداً في سورية كمبعوث أممي وهو في الواقع مبعوث قوى الهيمنة الغربية. يبدو في الحقيقة وكأنه ممثل يتقن دور الديبلوماسي الخطير بإيماءته المتكلفة ليوحي بأهمية منصبه وكأنه يقوم بمبادرات شخصية.
في الواقع دي ميستورا شخصية هزلية وكأنه دُمية تابعة تحرّكها قوى الهيمنة.
تزداد هزلية الشخصية في المرحلة الحالية للأزمة السورية، فكلما تصاعدت انتصارات الدولة السورية اشتدّت هزلية تصريحاته. فلنستعرض بعض تصريحات دي ميستورا الأخيرة:
في 6 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حذر سورية وروسيا وحلفاءهما من أن يدمّروا حلب، وأنّ التاريخ سيحكم عليهم إذا استغلوا وجود «الجهاديين» في حلب كمبرّر لتدمير المدينة». وأعلن «استعداده لمصاحبة مقاتلي النصرة إلى خارج حلب مع الحفاظ على كرامتهم وأسلحتهم»!
نلاحظ استخدامه صفة “الجهاديين” لإرهابيّي جبهة النصرة المنتمية للقاعدة والتي صنّفت دولياً منظمة إرهابية، وضمانه بالحفاظ علي “كرامتهم“«dignity».
في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر حذر من “أنّ انتصاراً كاملاً للأسد عسكرياً بدلاً من اتفاق سلام يجيء نتيجة مفاوضات سيترك سورية وأوروبا معرّضين لتجدّد الإرهاب السني“.
لهذه الدرجة ينزعج دي ميستورا والجهات التي يتبع لها من انتصار الجيش السوري وحلفائه!
وفي مقابلة مع صحيفة الغارديان في 30 تشرين الأول/ اكتوبر قال انه “مرعوب ويشعر بالصدمة بسبب القصف العشوائي الموجه نحو المدنيين في حلب… وأنّ ذلك قد يعتبر جريمة حرب. وحذر ترامب من أنّ سياسة نحو سورية تركز فقط على تدمير داعش عسكرياً يحتمل أن تؤدّي إلى تحالف مع الأسد وسورية وروسيا وستفشل في تحقيق تسوية دائمة“.
يتحدث دي مستورا عن «التراجيديا في حلب» ويقول إنه كاد يفقد عقله كإنسان» I am more or less at my wit s end as a human being» «جراء المعاناة في حلب وأجزاء أخرى محاصرة في سورية.
لم نسمع دي ميستورا يعلن فقدان عقله عندما استخدم الإرهابيون غاز الخردل والكلور! وعندما ذبح مجرمو داعش المئات وصوّروا جرائمهم بالفيديو! أو عندما قصف الأميركيون وقوات التحالف الجنود السوريين في دير الزور وغيرها وقتلت العشرات منهم!
وجاءت المفاجأة الكبرى باقتراح دي ميستورا العجيب «بالسماح للإرهابيين في أحياء شرق حلب بحكم ذاتي في مقابل رحيل المقاتلين المتطرفين»، والذي رفضته الدولة السورية رفضاً قاطعاً بلسان وزير خارجيتها وليد المعلم لسبب منطقي كون هذا الطرح يشكل «نيلاً من سيادتنا الوطنية».
لا يصحّ عتاب دي ميستورا فهو كأيّ شخصية تابعة يكون بمثابة «صوت سيده» في المنظومة الإمبريالية.
لا يأبه المقاتلون السوريون وحلفاؤهم الذين يدافعون عن الوطن السوري بهذه المقترحات الغريبة، بل يواصلون انتصاراتهم…
أستاذ الكيمياء الفيزيائية في جامعة الاسكندرية وجامعة ولاية ميشغان سابقاً
(البناء)