حول أزمة الإعلام اللبناني
غالب قنديل
تتلاحق الأخبار والمعلومات منذ اكثر من عامين عن متاعب مالية كبيرة تعيشها وسائل الإعلام اللبنانية من صحف ومؤسسات مرئية ومسموعة ومواقع إلكترونية وهو ما أدى إلى صرف جماعي للعاملين في العديد من تلك المؤسسات والمنابر الإعلامية .
في بحثه عن الأسباب يحصر البعض النقاش في تداعيات الثورة التقنية وانتشار ادوات التواصل الإجتماعي وتحولها إلى مصدر للأخبار والمعلومات يغني المتابعين عن ملاحقة وسائل الإعلام التقليدية بعدما تحول الهاتف الخلوي إلى اداة إعلامية شخصية نشطة وفعالة بفضل التطبيقات الذكية التي تتيح الحصول وبسرعة قياسية على الأخبار والمعلومات بجميع لغات الأرض.
إن العوامل الموضوعية التي تفسر ازمة الإعلام اللبناني تتخطى مفاعيل الثورة التكنولوجية وآثارها إلى خلل خطير وبنيوي في واقع المؤسسات الإعلامية وسوق الإعلان خلال ربع قرن من الزمن منذ اتفاق الطائف وأبرزها :
اولا غياب أي تنظيم لسوق الإعلان وللدراسات الإحصائية بحيث تحكمت في موارد المؤسسات الإعلامية قوى احتكارية هيمنت على السوق وحظيت بالحماية السياسية التي منعت قيام أي قواعد او ضوابط وأحبطت جميع المحاولات والمبادرات التي سعت في هذا الاتجاه وهكذا تحكمت حسابات سياسية وتجارية احتكارية في توزيع الموازنات الإعلانية في لبنان بعيدا عن معايير المنافسة النزيهة وليس أبلغ دلالة عن ذلك من النزاع المتواصل منذ عشرين عاما حول الدراسات الإحصائية ومعايير اعتمادها في السوق .
ثانيا اعتماد غالبية وسائل الإعلام على التمويل السياسي وتكريس عملها المهني ومنتجاتها لتأدية وظائفها السياسية في خدمة الممولين من الداخل والخارج وهذا ما تبينه بقوة أي دراسة واقعية لدور الإعلام اللبناني في الحرب على سورية حيث احتشدت كمية كبيرة من الصحف والمؤسسات التلفزيونية والإذاعية والمواقع الإلكترونية في إطار الحشد والتعبئة والتحريض لصالح الحرب على سورية وحظيت بتمويل سخي سعودي وقطري وغربي شرع يتراجع مع تحولات الميدان السوري وما فرضته من تبدلات وحسابات إقليمية ودولية.
ثالثا التغطية السياسية المستمرة لظواهر خارجة عن القانون تقتطع نسبة كبيرة من المداخيل التي يفترض ان تمول القطاع الإعلامي وهذا ما ينطبق على خدمة الكابل المنزلي التي تتولاها مجموعات خاصة غير مرخصة لم توضع أي صيغة قانونية لتنظيم عملها وحفظ حقوق المؤسسات التلفزيونية الوطنية التي وضعت بتصرف المشاهدين مع القنوات الخليجية الضخمة المنافسة الموزعة بالشروط ذاتها ومن غير تطبيق القواعد السيادية التي تطبقها دول عديدة تفرض رسوما على أي قناة غير محلية توضع في منصات الكابل الوطني وهذه الظاهرة في لبنان مستمرة رغم كونها خارجة على القانون وعلى قواعد الانتظام العام ورغم وجود نص في قانون المرئي والمسموع بإخضاعها لتشريع خاص لم يصدر وهي مجال لعملية تدوير كتلة مالية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات سنويا .
رابعا رغم الضجيج الكبير لم تعامل الحكومات اللبنانية المتعاقبة الإعلام على انه قطاع منتج لقيمة مضافة وصناعة تتطلب الدعم والرعاية ويمكن القول إنه كان متاحا تجنيب العديد من الوسائل خطر الإغلاق والتصفية لو سارت الأمور بصورة مختلفة على مستوى التقديمات والتسهيلات التي كان يفترض ان يحصل عليها الإنتاج الإعلامي وهو ما قدمت بشانه اقتراحات كثيرة غالبا ما اهملت ونحيت عن أي بحث جدي .
في زمن الأزمة يتخبط الأداء الإعلامي وينحدر نحو الإثارة بصورة مؤذية اخلاقيا ووطنيا ويعيش العاملون في سائر المؤسسات قلق المصير والخيار الممكن لتجاوز هذا الوضع الصعب يقتضي ثورة في المفاهيم والمعايير والممارسات .