ما بعد حلب… تحوّل في الاستراتيجية الأميركية؟ د. ليلى نقولا
لم تتضح بشكل مفصّل السياسة الخارجية التي سينتهجها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وما زال من المبكّر الحكم على مدى التزامه بالوعود التي قطعها في حملته الانتخابية فيما خصّ سياسته الخارجية، خصوصاً الشرق أوسطية .
من خلال اختياره للشخصيات في إدارته، ومن خلال دراسة سيرة المرشحين لتبوء مناصب رفيعة في الإدارة الأميركية، ومن خلال دراسة تصريحات ترامب ومستشاريه، يمكن القول إن الرئيس الأميركي سينتقل من استراتيجية “الاستنزاف” التي اتبعها الرئيس السابق باراك أوباما، إلى استراتيجية “تفكيك الأحلاف“.
خلال عهد الرئيس باراك أوباما، كان واضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد الانخراط العسكري المباشر في الحرب السورية الدائرة، لكنهاالتزمت بتقديم الدعم السياسي واللوجستي والتقني والإعلامي لما تسميه “المعارضة المعتدلة”، بهدف إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وفيما بعد، وبعد تعذّر تحقيق الهدف المنشود خلال “أشهر معدودة”، كما وعد الرئيس أوباما ومعاونوه مراراً، وبعد تيقّن الإدارة عدم إمكانية تحقيق هذا الهدف بعد التدخُّل العسكري لكل من إيران وروسيا وحزب الله، وعدم وجود بديل “مقبول” للحكم في سورية تستطيع تسويقه في سورية والعالم، انتقل الأميركيون إلى استراتيجية “الاستنزاف”، من خلال تحقيق توازن القوى، بحيث يقوم الأميركيون بإمداد المجموعات المسلّحة بالأسلحة والعتادوالتدريب، وتأمين مصادر تمويل، ليس بهدف إسقاط الأسد، بل بهدف الاستمرار بالقتال إلى ما لا نهاية، حيث يُنهك الجميع (الارهابيون، والروس، والإيرانيون، والجيش السوري، وحزب الله)، فيستفيد الأميركيون و”الإسرائيليون” من استنزاف الكل في حرب الكل ضد الكل.
لكن وصول ترامب الى السلطة، واختيار فريق إدارته، وإعلانه المستمر عن نيته التعاون مع الروس، يشير إلى أن الهدف سيكون “تفكيك الأحلاف”، خصوصاً تلك التي ساهمت إدارة أوباما بتمتينها وتقويتها انطلاقاً من وحدة المصالح والمخاطر، فما هي الأحلاف التي قد يحاول ترامب تفكيكها؟
أولاً: الحلف الروسي – الصيني
يشير اختيار الثلاثي؛ وزيري الخارجية “تيلرسون” والدفاع “ماتيس” ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي “فلين”، والمعروفين بتعاطفهم وتأييدهم للتقارب مع الروس،إلى أن الرئيس الأميركي المقبل سيكون جدياً في سياسة التعاون مع روسيا، وفي فتح صفحة جديدة في العلاقات الروسية الأميركية، لطالما نادى بها الروس خلال عهد أوباما، لكن إدارة الأخير والبنتاغون كانا ضدها.
أما بالنسبة للصين، فلترامب نظرة مختلفة، وتسيطر على فكر مرشحي إدارته؛ هاجس “احتواء” الصين كونها مرشحة لتنافس الولايات المتحدة على الساحة العالمية، وقد أعلن ترامب مسبقاً عزمه على إعادة التفاوض مع الصين حول قضايا التجارة المتبادلة.
من هنا، فإن ترامب قد يستخدم التقارب مع الروس للضغط على الصين، وكما استفادت الصين – في وقت سابق – من قيام الروس بإشغال الأميركيين في الشرق الأوسط، لتأخيرهم عن تنفيذ استراتيجية “الاستدارة نحو آسيا”، قد يستفيد ترامب من التقارب مع الروس وتوفير الجهد العسكري المبذول في كل من العراق وسورية، وتحويله إلى بحر الصين الجنوبي، للقيام باحتواء الصين عسكرياً، للضغط عليها في مجلات أخرى كالاقتصاد والتجارة وغيرها.
ثانياً: الحلف الروسي – الإيراني
شخصيات ثلاث في إدارة ترامب مهيّأة لتنفيذ سياسة ترامب العدائية تجاه إيران: مستشار الأمن القومي “فلين”، ووزير الدفاع”ماتيس”، ومدير سي أي أي “بومبيو“.
بشكل عام، لم تكن العلاقات التاريخية بين كل من إيران وروسيا موسومة بالثقة، لكن المصالح المشتركة في تحدي المشروع الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الحرب في سورية، جعلت هذه العلاقة تختلف عما سبق، ما يعني أن الاميركيين (خلال عهد أوباما) ساهموا بشكل أو بآخر بتمتين العلاقة الروسية – الإيرانية ونقلها إلى إطار استراتيجي مختلف عما قبله.
قد يفكّر الأميركيون بأن التعاون مع الروس في القضية السورية، وأولوية محاربة “داعش” على إسقاط النظام السوري، وإعطاء روسيا ما تريد من نفوذ في أوروبا الشرقية، سيجعلون روسيا تعيد النظر في تحالفها الاستراتيجي مع إيران، باعتبار أن ما يريد الروس تحقيقه من مصالح من خلال هذا الحلف قد أعطتها إياه الولايات المتحدة مباشرة، فلماذا تُبقي على حلفها مع إيران، خصوصاً أن للدولتين مصالح اقتصادية متباينة ستظهر تباعاً بعد حل الأزمة في سورية؟
قد يكون هذا ما يفكّر به ترامب، ولا شكّ أنها استراتيجية ذكية، لكن ليس بالضرورة أن تنجح في تنفيذ الأهداف الأميركية المرسومة، فمنذ الحرب الأميركية على العراق ولغاية اليوم، تعاني الاستراتيجيات الأميركية في الشرق الأوسط من مشاكل في التنفيذ، لكن هذا لا يعني أن الأميركيون لا يمتكلون أدوات القوة الكافية لفرض نفوذهم في الشرق الأوسط، والانتقال من خطة إلى أخرى لتحقيق الأهداف المرجوّة.