أوباما لم يكن الحاكم الفعلي وترامب لن يكون استثناء: محمد ح. الحاج
في مثل هذه الأيام، منذ سنوات ثمان، كان شارعنا الفلسطيني وبعض العربي مصاب بنوع من حمى أشبه بالهذيان، اجتاحته موجة من فرح كاذب لم تكن مبرّرة أبدأ لكلّ ذي عقل أو بصيرة إلا ما رحم ربي من المتابعين المطلعين على خفايا الأمور ودهاليز السياسة الدولية، شارعنا كان يهتف: يا حياالله أبو حسين… أهلا وسهلا ومرحبتين، والمقصود كان السيد باراك حسين أوباما الرئيس الذي انتخبه الأميركيون وكان على وشك أداء القسم لتسلّم سلطاته .
السياسيون في العالم يعرفون أنّ الرئيس في الولايات المتحدة ليس صاحب سلطة وإنْ كان يتمتع ببعض الصلاحيات، من يحكم الولايات المتحدة هو المؤسسات بشقيها، المكشوفة المعروفة ومنها البنتاغون وزارة الدفاع والخارجية التي يمتلك سكرتيرها – أيّ الوزير – قبول استقالة الرئيس، والمؤسسات السرية وما أكثرها وهي التي تمثل كارتلات الصناعات العسكرية والنفطية، وسلطة المال التي ليست سلطة اتحادية حكومية، وهذه الحقيقة يعرفها أيضاً من يختص بمتابعة الشؤون الأميركية، ومعها الصهيونية لأنّ السياسة الخارجية الأميركية تعتمد على رؤية اللوبي الصهيوني الذي تعبّر عنه منظمة «ايباك» وهي المعنية بشؤون العلاقات الأميركية الصهيونية والسيطرة على أغلبية الكونغرس الأميركي بفرعيه الشيوخ والنواب، وقد كنت مشدوداً بكليتي وما زلت لمتابعة ودراسة الداخل الأميركي والنفوذ الصهيوني، ومسيرة العلاقات الأميركية العربية التي لم تتجاوز نظرة الاستثمار والربح في هذه السوق الواسعة من الجانب الأميركي، ونظرة التبعية وطلب الحماية من أغلب الجانب العربي.
اهتمّت المحطات التلفزيونية وأجهزة الإعلام على مساحة واسعة من العالم كعادتها بتحليل شخصية القادم الجديد، وعلاقاته، وتصريحاته، ووعوده، والتزاماته العلنية إلخ… ومنها العربية التي ركزت على وعد بأنه سيعمل لحلّ القضية الفلسطينية بإقامة دولتين على أن تعقد مفاوضات مباشرة لهذه الغاية بين الطرفين، الفلسطيني والصهيوني، وبسبب من سطحية الإعلام، والسياسيين العرب على حدّ سواء مع وجود بعض استثناء بنى الطرفان الآمال على قاعدة لا يعتدّ بها أحد في عالم الغرب وهي أنّ القادم من أصول إسلامية أفريقية، وتجاهل هؤلاء بمن فيهم أعرق الإعلاميين في عالمنا أنّ باراك لم يتربّ في كنف أبيه، ولا يعرف عن الإسلام سوى محافظة أسرة والدته على الاسم، وأنه تربّى في كنف جده لوالدته بعد أن تزوجت والدته ثانية إلى آخر القصة التي عرفها الجميع في ما بعد، والأهمّ أنّ عمّ زوجته معروف بالحاخام الأسود في نيويورك وهذا يكفي… وكنت أعلم دقائق هذه التفاصيل عن طريق إعلامي أميركي من ولاية كاليفورنيا، وهو لأسبابه الخاصة يعادي اليهود، مع أنه لا يحب العرب كما أعلن، لكنه وصف عائلة والدة الرئيس بأنها يهودية مغرقة في تعصبها وأنّ الشاب أوباما نشأ على ذلك وهو ينتمي إلى المنظمة الماسونية العالمية ويرتبط مباشرة بمحفل الجمجمة والعظام كما سلفه بوش الصغير وقبله والده بوش الأب، وكلينتون وزوجته، وجون كيري وكثيرون من رجال الإدارة الأميركية، وهكذا طلبت مني السيدة مديرة القناة الثانية في التلفزيون السوري المشاركة في برنامج حول الرئيس الأميركي القادم الجديد إلى البيت الأبيض، ولبّيت الدعوة، وصادف افتتاح المركز التلفزيوني والإذاعي في إدلب وبناء على توجيهات الوزير تمّت استضافة أحد الأساتذة الجامعيين وما عدت أذكر الاسم بالكامل، أذكر فقط أنه الدكتور حسن، البرنامج كان للمخرج علي بلال وللقناة الفضائية السورية، وأدارت الحوار السيدة عزة مديرة القناة الثانية.
جوابي الأول بعد مقدمة للسيدة عزة وسؤالها كان: لا أرى اختلافاً في السلوك الأميركي ولا المظاهر التي تتكرّر كلّ أربع سنوات، الغريب فقط هو ما أراه في شارعنا العربي والفلسطيني على وجه الخصوص من مظاهر احتفالية وكأنّ القادم سيجلب معه هيكل دولتهم وحدودها وما يتمنونه أو ما يحلمون به من حرية، انّ مجرد اشتراطه المفاوضات المباشرة هي نفي ومسح لكلّ الآمال، فالصهيوني سيعمل على أن تطول المفاوضات عشرات السنين دون تحقيق شيء، مسموح للرئيس القادم أن يطلق الوعود على أن تتكفل المؤسسة بالالتفاف عليها فلا يكون تنفيذ.
المشارك من الطرف الآخر الدكتور حسن وبعد أن سألته رأيه قال: أرى أنّ ضيفك على خطأ بالمطلق، علينا أن نرفع القبعة احتراماً لهذه الديمقراطية العريقة التي أوصلت رجلاً أسود إلى سدة الرئاسة في أقوى وأعظم دولة في العالم، وأشارك شعبنا في الترحيب به وأعتقد أنّ في عهده ستتحقق العدالة ويسود السلام.
ردّي كان: يبدو أنّ الدكتور حسن مثله مثل باقي الشعب المحتفل لا يدرك الخفايا لأنه لا يعرف عن النظام الأميركي، الرئيس قادم من صلب المؤسسة التي تحكم أميركا والتي تخطط لسنين طويلة ولأنّ لأميركا أهدافاً جديدة في أفريقيا قد يكون سبباً، الأهمّ أنّ وجه أميركا الأسود في العالم يحتاج لتبييض، وهذه بروباغندا إعلامية أميركية… همروجة وربما لنفي عنصرية أميركا.
وفي حين توقع الدكتور حسن أنّ الفلسطينيين ستتحقق آمالهم وستكون لهم دولة، قلت على العكس لن يحصدوا أفضل مما كان زمن بوش، وحتى لو حصل أوباما على فترة ثانية وتحرّر من الضغوط الصهيونية فإنه أعجز من غيره على فرض أمر ترفضه قيادة العدو، وستكون مسيرته في الفترة الثانية نفسها إنْ لم تكن أسوأ، وسيفقد شعبنا الكثير خلال مسيرة المفاوضات إنْ حصلت!
بعد محرقة غزة وبعد وقف النار واجتماع شرم الشيخ، شاركت أيضاً في برنامج الفضائية السورية من استديو حماة، وكانت غزة هي الموضوع، على الطرف الآخر كان الدكتور مصطفى البرغوتي من الأرض المحتلة، ولدى سؤال السيدة عزة عن توقعاتي لاجتماع شرم الشيخ بالنسبة للفلسطينيين قلت بالحرف: يلتئم هذا المحفل للبحث عن مخرج للعدو الصهيوني من ورطته في غزة، وحسب الأقدمية والعرف الماسوني يرأس المحفل ايهود اولمرت وهو رئيس وزراء الكيان العدو، لا علاقة للمحفل بما لحق بالفلسطينيين، ولا بالبحث في حقوقهم ولا تعويضات ولا غيره، وكنت في مقابلتي الأولى التي لم يمض عليها زمن تناولت تأثير المحافل في الغرب وحتى في عالمنا، ويبدو أنّ المخرج أشار بتغيير مسار الحوار… ولقد أكد رأيي الدكتور البرغوتي.
بعد انتخاب أوباما لفترة ثانية اتصل بي أحدهم من التلفزيون طالباً إجراء لقاء باعتباري مختصاً في الشأن الصهيو أميركي واشترطت الاستعانة بما جاء في لقائي الأول والمقارنة مع مسيرة الرئيس خلال أعوامه الأربعة الأولى، وجاءني الجواب، لا نملك التسجيل وتذرّع بصعوبة الحصول عليه من الأرشيف، وقلت عندي التسجيل، وتالياً قدّمته لهم بانتظار تحديد موعد لأفاجأ بالإلغاء، وضاع تسجيلي السابق وعلمت أنّ أحدهم… قد أعرفه… وجه بمنع أيّ لقاء مباشر معي على الهواء وإنما تسجيل وعرضه على الرقابة، وحذف ما لا يناسب… ما بدنا نتورّط بصراع مع المحافل! واعتذرتُ بعدها عن التسجيل…
لماذا لا يعتبر من يعتبرون أنفسهم قادة لمسيرة المنطقة المشرقية من التجارب المريرة والخيبات، ولماذا لم يفهموا أنّ الرهان على الأشخاص في عالم الغرب رهان خطأ، هل تنقصكم مراكز الدراسات والتخطيط؟ الجواب: نعم، وبعضهم ما زال يحبو في هذا الاتجاه وربما يتدخل في توصيات المركز أو المراكز إنْ وجدت، الحياة السياسية المشرقية في العالم المتخلف محكومة بالعاطفة، بالميتافيزيق كإيمان مطلق، بالعلاقات الشخصية المزاجية، وقلة من القادة خرجوا عليها، وكان منهم المرحوم حافظ الأسد الذي حافظ على مسيرة متوازنة وثابتة رغم العواصف، كان حكيماً، وكان حازماً، فرض احترامه على العدو قبل الصديق، لكنه لم يتخلّ في كثير من الأحيان عن البراغماتية السياسية، في سبيل الحفاظ على مسيرة الدولة نحو الأمام والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي قبل التورّط في صراع يعلم أنه سيكون فيه وحيداً، بل ربما تلقى طعنات من الخلف، كان يعلم تماماً من يصنع السياسات في الغرب، وأعتقد كان يرمي لهم بكسرة فيعتقدون أنه سيقترب أكثر، ومرة صادف وجودي في مكان كان فيه مسؤول رفيع، وعضو مجلس شعب يستضيف عدداً من المدراء العامين، وزائر أميركي، ولفت انتباهي قول المسؤول الرفيع إننا نتجه نحو الليبرالية الغربية، وإننا في النهاية سنكون أصدقاء وربما حلفاء أميركا في المنطقة، واستند في قوله إلى بادرة من الرئيس المرحوم تجاه شركة أميركية كبيرة… أعتقد أنّ هذا المسؤول غادر منذ زمن بعد وفاة الرئيس وتأكد لي أنّ قراءته كانت خاطئة في حينها، ولأنّ المسيرة استمرت كما خطط لها، لكنها فقدت عنصر مسايرة الرئيس لمن حوله اتقاء شرورهم حيث فضحهم الرئيس الشاب، ولأنّ البلد وصلت إلى مرحلة متقدّمة من الاكتفاء الذاتي ولا مديونية مع القدرة على التصدير، وإغلاق السوق بوجه الكثير من سلع ومنتجات الغرب، وهذا أمر مرفوض إضافة إلى عناصر أخرى كان أهمّها الخلاف على مسارات أنابيب الغاز وتضارب المشاريع وتضرّر مصالح البعض ومنهم قطر والسعودية وتركيا، وفشل الرئيس الفرنسي في ممارسة الضغط على الرئيس السوري، وحقد ملوك وأمراء العربان الشخصي على الرئيس الذي تناولهم في أكثر من قمة عربية لأجل فلسطين والتعامل مع العدو من تحت الطاولة كان «الربيع» الذي بشرت به كوندوليزا رايس وهي منفذة السياسة الخارجية التي تشارك في وضعها حكومة الظلّ، زمن بوش وتأخر التنفيذ، ليبدأ بعد منتصف فترة أوباما الأولى في أكثر من كيان عربي تمهيداً للوصول إلى المنطقة ولتتضافر كلّ قوى الشرّ المدعومة من كلّ أعداء سورية والرئيس الأسد، مستخدمة أقذر الوسائل إثارة وتحريضاً، وإنْ كانت مرفوضة في كلّ العالم إلا أنها لاقت صداها هنا كما توقع خبراء العم سام وعلى رأسهم كيسنجر ومن بعده تلامذته من اولبرايت إلى رايس إلى كلينتون إلى كيري… ومعهم أسماء كثيرة لا يلقي قادة الأعراب لهم بالاً من زمن تشيني وولفوفيتز وصولاً إلى الفرنسي برنارد هنري ليفي الأب الروحي لربيعي ليبيا وسورية، وهو الخادم الأمين لعقيدته الصهيونية بعد أن ركب ظهر المجموعات الليبية يقودها غباء فاحش دفع به إلى القول: لقد كان الثوار يهتفون بسقوط «إسرائيل» ويلعنون القذافي واليهود وكنت اليهودي الوحيد بينهم، وهو ذاته من تبنى مجلس قيادة «العورة» السورية وأمّن لهم ما يحتاجون لتنفيذ توجيهاته وتخريب الوطن لقاء بضع ملايين من الدولارات دخلت في حساباتهم وربما حصلوا على جنسيات تناسبهم بعد وصولهم إلى قناعة باستحالة عودتهم للعيش بين صفوف شعب يحتقرهم ولا يأمنون على أنفسهم بين جنبيه.
بعد أيام يؤدّي الرئيس المنتخب ترامب اليمين القانونية ليتسلّم مهامه التنفيذية، وليتذكر قادة العرب والعربان أنه مجرد رئيس تنفيذي فلا يراهنون عليه لا سلباً ولا إيجاباً، وأعود بذاكرتهم إلى حفل تكريم بوش الأب في الكويت حين تقدّمت منه المطربة اللبنانية ماجدة الرومي مستنجدة به، تشكو ما يتعرّض له بلدها لبنان وقد أجابها: أنا مجرد مواطن ولا أملك شيئاً تجاه بلدك يمنع عنه الألم… أوباما يعود قريباً مواطناً عادياً، وبعد ذلك كما غيره لن يكون ترامب صاحب الكلمة، قد تتغيّر النبرة، وأداء اللحن بتغيّر الكومبارس أو الأدوات الموسيقية، لكن المخطط – الأهزوجة تبقى هي هي، حقوقكم أيها السوريون، والعراقيون بيد بواسلكم وأبنائكم المخلصين، أما بالنسبة للفلسطينيين فالمخرج الوحيد هو العودة إلى نقطة البداية والانطلاق من الصفر… احذروا المحافل، الغربية والعربية، أعلنوا حلّ السلطة وليخرج من يخشى على نفسه، ويبقى المؤمن بحقه يقود مسيرة أبناء شعبه واتركوا القول الفصل للمقاومة الحقيقية… لا تجعلوا منها مطيتكم للوصول إلى الثروات والمناصب، ولا تتاجروا بالقضية إلى ما لا نهاية…
(البناء)