الصيد رئيساً للحكومة التونسية: احتواء التحديات حميدي العبدالله
جوبه اختيار حركة «نداء تونس» للسيد حبيب الصيد لتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، بردود فعل متفاوتة، ففي حين رحبت «حركة النهضة» بهذا الاختيار، انتقدته «الجبهة الشعبية».
لكن من الواضح أنّ اختيار الصيد أملته ظروف وحسابات لها علاقة مباشرة بالتحديات التي تواجهها تونس الآن، وأبرزها تحدّي مكافحة الإرهاب، وتحدّي مواجهة التدهور الاقتصادي. والتحدّيان متلازمان ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، فالقضاء على الإرهاب وتحقيق الاستقرار شرط ضروري لتحسين أداء الاقتصاد، وتحسّن أداء الاقتصاد والتوجه إلى المناطق الفقيرة والمهملة شرط لتجفيف منابع الإرهاب وحرمانه من البيئة الحاضنة، ومن الصعب على أيّ حكومة في العالم، كسر مثل هذه الحلقة المفرغة التي تواجه الحكومة التونسية الجديدة.
لكن لا بدّ من تعيين نقطة للانطلاق في مسار يفضي إلى تحقيق هذه الغاية، ولهذا تمّ اختيار رئيس حكومة له خلفية علمية اقتصادية ماجستير في العلوم الاقتصادية وله خبرة في الزراعة والمجال الأمني، حيث شغل مناصب رفيعة في وزارتي الداخلية والفلاحة، ويتمتع باختصاص بالتنمية الجهوية المناطقية .
حسابات حركة «نداء تونس» تميل أولاً إلى خلق شروط الاستقرار للبدء في معالجة الوضع الاقتصادي، أولاً لجهة وقف التدهور، وثانياً لإعادة عجلة النمو إلى ما كانت عليه قبل سنوات الاضطرابات الأربع الماضية، وثالثاً للاهتمام بالمناطق الفقيرة المهملة الواقعة في جنوب البلاد والتي تشكل الحاضنة الرئيسية للجماعات المتشدّدة للإرهابيّين.
وفي حسابات حركة «نداء تونس» أنّ الاستقرار سيكون صعب المنال، والحرب على الإرهاب لن تحقق نجاحات كثيرة وكبيرة، إذا تمّ تغليب المصلحة الحزبية الفئوية على المصلحة الوطنية العامة، لهذا فإنّ جبه التحدّيات يحتاج إلى تكاتف وطني واسع، ولا بدّ من أن تعبّر الحكومة الجديدة عن هذا التكاتف، وتنال رضا غالبية القوى السياسية الفاعلة.
اختيار الصيد الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومة السبسي الانتقالية التي أعقبت خلع الرئيس زين العابدين بن علي عام 2011، يأتي في هذا السياق باعتبار أنّ حكومة السبسي وأداء وزارة الداخلية قد حاز على رضا غالبية القوى السياسية الفاعلة في تونس.
لكن خطوة اختيار رئيس الحكومة تشير إلى اجتياز نصف الطريق، ولا بدّ من اجتياز النصف الثاني المتمثل بتشكيل حكومة تضمّ كلّ ألوان الطيف السياسي الفاعل في تونس. وإذا كان من الصعب، بل من المستحيل إرضاء جميع الأطراف، إلا أنه من المفيد الحرص على مشاركة الجهات المؤثرة والفاعلة على نحو يؤمّن دعمها للحكومة وللخطط التي ستضعها للقضاء على الإرهاب وتحقيق الاستقرار ولمعالجة التدهور الاقتصادي.
بديهي القول إنّ إنجاز هذه المهمة التي تواجه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة وحركة «نداء تونس» لن يكون بالأمر الهين، لأنّ مطالب القوى الفاعلة، وتحديداً «حركة النهضة» الإخوانية، و«الجبهة الشعبية» العلمانية اليسارية، متناقضة إلى درجة قد يكون من الصعب التوفيق في ما بينها، وقد تفرض على الرئيس المكلف، ومعه حركة «نداء تونس»، خيارات لا يريدها.
(البناء)