مقالات مختارة

ما بعد حلب… وآفاق حلّ الأزمة: إبراهيم ياسين

 

أجمع المحللون والمراقبون على أنّ نجاح الجيش السوري وحلفائه في تطهير الأحياء الشرقية من حلب من جميع المنظمات المسلحة الإرهابية شكل ضربة قوية للمشروع الأميركي ـ التركي الذي راهن على سلخ حلب عن الدولة السورية لإقامة منطقة عازلة متصلة بتركيا وإدامة حرب الاستنزاف وتوفير الغطاء الدولي للجماعات المسلحة الإرهابية، وصولاً إما إلى تقسيم سورية في ظلّ العجز عن إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، واستخدام السيطرة الكاملة على حلب وإدلب لابتزاز الدولة السورية وفرض شروط الحلّ السياسي بحسب الأهداف والمصالح الأجنبية للأزمة عليها .

من الواضح أنّ هذا المشروع قد سقط إلى غير رجعة وأصبح الحديث عن الحلّ السياسي ينطلق اليوم من موازين القوى الجديدة التي باتت مختلة لمصلحة سورية وحلفائها، وقد عزّز هذا الواقع الجديد على المستوى الميداني السوري من موقف سورية وتمسكها بثوابتها لحلّ الأزمة على قواعد تحفظ سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها وتحترم حقّ الشعب العربي السوري في تقرير مصيره عبر صناديق الاقتراع بعيداً عن أيّ تدخلات أو إملاءات خارجية سعت إليها أميركا وتركيا ومن يدور في فلكهما، لهذا فإنّ الدول التي تآمرت على سورية، وفي المقدّمة النظام التركي، باتت تشعر بأنها فقدت أوراق القوة التي تجعلها قادرة على مواصلة الضغط على سورية وحلفائها، وبالتالي لم تعد في موقع القادر على فرض الشروط أو حتى مجرد المماطلة والتسويف التي كانت تعتمدها في السابق للتهرّب من أيّ حلّ للأزمة لا يلبّي مطالبها.

فتركيا الآن بعد هزيمة المسلحين الإرهابيين في حلب أصبحت أمام مأزق حقيقي، فإنْ واصلت هذه السياسة فإنها ستخسر ما تبقى من فرصة للمشاركة في حلّ سياسي للأزمة يحفظ ماء وجهها، وبالتالي تفادي هزيمة كبرى ترتدّ على الداخل التركي بالمزيد من التداعيات السلبية في اتجاهين:

الاتجاه الأول، انتقال كرة الإرهاب إلى الداخل التركي وتدحرجها بشكل أكبر مع انتقال وهروب الإرهابيين المهزومين والمحبطين، من سورية إلى الداخل التركي الذي جاؤوا منه سابقاً بدعم وتسهيل من الحكومة التركية.

الاتجاه الثاني، مفاقمة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على خلفية تدهور الوضع الأمني وانعدام الاستقرار، إما بفعل التفجيرات الإرهابية التي بدأت منذ الآن وإما بفعل اشتداد الحرب بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني الذي صعّد في الآونة الأخيرة من هجماته ضدّ دوريات الجيش التركي وقوافله.

ولا شك أنّ هذا التأزم في الوضع الاقتصادي والاجتماعي سوف تضاعف منه أيضاً عودة التوتر إلى العلاقات التركية الروسية، والتركية الإيرانية على خلفية استمرار الحكومة التركية في سياسة دعم الإرهاب وعدم التخلي عن مواصلة التدخل في شؤون سورية الداخلية. فروسيا وإيران لن تقبلا بمثل هذه السياسة التركية وسوف تعتبران ذلك خروجاً عما اتفق عليه سابقاً من تطبيع العلاقات الاقتصادية، ومساعدة تركيا على مواجهة الطموحات الكردية في شمال سورية مقابل وقف دعمها للإرهابيين والمساعدة على الحلّ السياسي.

لذلك، فإنّ الحكومة التركية اليوم باتت أمام خيار واحد من اثنين، إما المحافظة على علاقاتها السياسية والاقتصادية مع كلّ من روسيا وإيران للحدّ من أزماتها الاقتصادية الداخلية والاستفادة من الفرصة المتاحة أمامها للاشتراك في الحلّ السياسي لتسريع حلّ الأزمة في سورية، أو خسارة هذه الفرصة وبالتالي تعميق مآزقها وأزماتها في ظلّ إنسداد أفق انضمامها للاتحاد الأوروبي والخسارة المحتومة لها في سورية.

من هنا، فإنّ المؤشرات تدلل على أنّ الحكومة التركية انفتحت على التعاون مع كلّ من روسيا وإيران بعد هزيمة مسلحيها في حلب وضيق هامش المناورة لديها، وفي هذا السياق يندرج الحديث عن اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث في موسكو في 27 من الشهر الحالي، ولا شك أنّ سلوك أنقرة طريق التخلي عن مواصلة سياسات العدوان ضدّ سورية ولجوءها إلى اعتماد السياسة البراغماتية التي تنطلق من العمل في الحدّ من خسائرها نتيجة فشل مشروع حربها في سورية هو الذي يجنّبها المزيد من التداعيات السلبية على الداخل التركي، لا سيما أنّ موازين القوى في سورية باتت في غير مصلحتها، وتفرض عليها التراجع مُكرهة لأنه لا يوجد خيار آخر أمامها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى