حكومة الوحدة الوطنية… حقائق ثلاث: معن حمية
الأمر النافر في «حكومة الوحدة الوطنية» هو هذا الانتفاخ في أحجام بعض القوى. والأمر المنفّرُ فيها، وجود وزراء لطالما شكلوا رأس حربة في استثارة الغرائز وفي الهجوم على مؤسسة الجيش اللبناني .
ما يخفف من وطأة هذين الأمرين، أنّ هذه الحكومة لن تعمّر طويلاً، وهي حكماً لن تترك بصمة بما خصّ القضايا والملفات التي تحتاج إلى حلول ومعالجات، فوظيفتها قد تنحصر بالقانون الانتخابي. فأيّ قانون جديد للانتخابات سيبصر النور؟
صار واضحاً أنّ القانون الانتخابي الذي يضمن صحة التمثيل والممارسة الديمقراطية ويرقّي الحياة السياسية، هو الذي يقوم على أساس الدائرة الواحدة والنسبية وخارج القيد الطائفي، وأيّ قانون آخر لا يستند الى هذه المرتكزات المهمة، يبقي لبنان غارقاً في دوامة الأزمات، عاجزاً عن النهوض والارتقاء.
للقانون الانتخابي الإنقاذي، رصيد كبير في مواقف معظم الكتل النيابية والأحزاب والقوى السياسية، ورغم تفاوت هذه المواقف بين أن يكون لبنان دائرة واحدة أو أن يكون دوائر عدة، يبقى القاسم المشترك بينها هو مبدأ النسبية، وهذا مؤشر يدلّ على أنّ الطريق للوصول إلى قانون انتخابات على أساس النسبية معبّدة وسالكة، وأنّ العبرة تبقى في ترجمة المواقف إلى أفعال.
صحيح أنّ هناك قوى لا تحبّذ إطلاقاً أيّ قانون للانتخابات يحقق صحة التمثيل، خشية أن يؤثر على أحجامها النيابية، لكن مصلحة لبنان واللبنانيين تقتضي الانتهاء من «المسرحية الديمقراطية» التي تفرض على الناس تمثيلاً قسرياً تحت وطأة طغيان النظام الأكثري.
إنّ تبديد هواجس بعض الأطراف التي ترى في النسبية اقتطاعاً من تمثيلها، قد يحتاج إلى وصفة سحرية، وهذه الوصفة ليست متعذّرة، فعلى غرار التفاهمات والتوافقات التي أدّت إلى ولادة الحكومة، يمكن الوصول الى تفاهمات تشكل عامل اطمئنان للقوى المتوجّسة. وبطبيعة الحال، فإنّ مبدأ التحالفات بين القوى السياسية، هو مبدأ مشروع، وبالتالي فإنّ المصالح الانتخابية المتبادلة، ليست مناقضة للديمقراطية، ولا تتعارض مع السعي لقيام دولة المواطنة، بديلاً من دولة الطوائف والرعايا.
عود على بدء، فإنّ ولادة الحكومة في لبنان رسخت حقائق ثلاث هي:
الحقيقة الأولى: أنّ لبنان في ظلّ نظامه الحالي، لا يستطيع أن يتقدّم إلى الأمام في أيّ أمر ما لم تتوفر بيئة توافقية تؤدّي الى إنجاز الاستحقاقات، وحلحلة القضايا العالقة. فالثنائيات والثلاثيات والرباعيات لا يمكن أن تنتج تفاهمات وطنية، إذا كان أيّ من هذه الحالات يرمي إلى القبض على السلطة بذهنية المحاصصة في ما بينها وإقصاء الآخرين.
الحقيقة الثانية: انّ تحقيق الإصلاح والتغيير والعدالة والارتقاء، لا يتمّ عن طريق قانون انتخابات «ستيني» أو ما شابهه، فمثل هذه القوانين تعيد إنتاج الأزمات في لبنان بتعقيدات أكبر. وانّ وضع حدّ لهذه الأزمات المعقدة يتطلّب قانوناً انتخابياً يحقق صحة التمثيل، ويضع حداً لاستلاب إرادة الناس بالطغيان الأكثري.
الحقيقة الثالثة: أنّ أحداً في لبنان لا يستطيع إلغاء الآخر أو إقصاءه. فكلّ المحاولات التي حصلت من أجل الحؤول دون تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي في الحكومة، وبأشكال مختلفة، سقطت. وأهمية هذا التمثيل أنه ليس منّة من أحد، وليس كما يستسيغ البعض بأنه من حصة هذا الطرف أو ذاك، فنحن نرفض رفضاً قاطعاً منطق الحصص ومبدأ التحاصص. نحن حصلنا على أقلّ من حقنا في التمثيل، وطبيعة التحالفات السياسية أن يقف المتحالفون إلى جانب بعضهم البعض في وجه محاولات الإقصاء والاستئثار…
حقائق ثلاث، إدراكها يؤسّس لقناعة بضرورة وضع قانون انتخابات عصري، يؤسّس لدولة مدنية ديمقراطية قوية خالية من وباء الطائفية والمذهبية والفساد. ويؤسّس لحكومات ليس فيها تمثيل نافر، وعناصر منفّرة.
(البناء)