السعودية أول المتّهمين بقتل السفير الروسي
ناصر قنديل
– دوّت الرصاصات التي مزّقت رئتي السفير الروسي في أنقرة على مساحة العالم كحدث دولي من العيار الكبير لن تستوعبه التحليلات أو التحقيقات التي تخرج لتقول بأنه حادث فردي ناتج عن فاقد للأهلية العقلية، أو عن انفعال حماسي تضامني لصاحبه مع الذين تقاتلهم روسيا في سورية، كما أراد القاتل أن يقول قبل أن تُرديه رصاصات لرفاقه من سلك الشرطة التركية قتيلاً ويموت سره معه، ولن تروي عطش الباحثين عن حقيقة ما جرى تفسيرات من نوع وقوف جماعة سورية إسلامية من ضمن تشكيلات القتال السابق في أحياء حلب أو من ضمن تشكيلات تابعة لجبهة النصرة أو تنظيم داعش. والسبب عائد لكون اللحظة السياسية الدقيقة التي وقع فيها حدث الاغتيال يشبه فتيل إشعال حرب، فالعلاقات التركية الروسية لم تكد تتعافى من أزمة إسقاط الطائرة الروسية، وثقافة العداء لروسيا هي ثقافة تحمل حكومة الرئيس رجب أردوغان التوقيع عليها، والمنفذ عنصر شرطة دخل مسرح الجريمة عبر تسهيلات يصعب وصفها بالتزوير وقتله تمّ بسرعة من قبل رفاقه في السلك المولجين حماية المكان بصورة يصعب تبريرها بالظروف الميدانية للمواجهة معه بعد إطلاقه النار، وقد كاد يستنفد رصاصاته بعد إردائه السفير، ومناوشته كانت تكفي للقبض عليه حياً، ما يجعل عملية الاغتيال عملية مبرمجة من ضمن جهاز الشرطة التركي .
– التعامل الروسي مع العملية واضح أنه أبعد من السير وفق الروزنامة التي رسمها الذين وقفوا وراء العملية، بتوجيه أصابع الشك أو التهاون للسلطات التركية، فقد أعلنت موسكو أن العلاقة التركية الروسية هي المستهدَفة، لكن أحداً لا يستطيع إقناع موسكو ولا سواها بأن مَن نظّم العملية ووفر تسهيلاتها وختامها المغلق هو فرد أو جماعة محلية أو إرهابية من عيار النصرة أو داعش، فما جرى عمل احترافي لجهاز يملك استثماراً تراكمياً لبنية داخل سلك الشرطة التركي وربما أجهزة الأمن والتحقيق لاحقاً، وظفها لافتعال أزمة ثقة تركية روسية تفخخ العملية السياسية العسكرية الدقيقة التي يشتغل عليها الروس والأتراك بعد سقوط المشروع الذي راهنت عليه تركيا في سورية بعنوان تعاون وتكامل جماعتها ومَن ترعاهم مع جبهة النصرة لإسقاط حلب والسيطرة على الشمال السوري، لتستدير وتتموضع بالتفاهم مع موسكو عند خط التسليم بخسارة المشروع وعنوانه حلب، والسير بفك التشابك بين جماعاته وضمهم إلى درع الفرات بعنوان قتال داعش، وإبعادهم عن جبهة النصرة كهدف للحرب على الإرهاب، وما يرتبط بهذا الفك من تأهيل للجماعات التابعة لتركيا للدخول في عملية سياسية سقفها مرسوم في التفاهم الروسي الأميركي وانتظرت تركيا لقبوله نهاية حرب حلب الكبرى. والعملية السياسية الجديدة، كما وصفها وزير الخارجية الأميركية جون كيري مراراً تبدأ بوقف النار بين الجيش السوري وحلفائه من جهة والجماعات المسلحة التي ترعاها تركيا من جهة مقابلة، وحصر القتال المشترك بجبهة النصرة وداعش، والاشتراك في حكومة موحدة في ظل الرئيس السوري بشار الأسد، تمهيدا لانتخابات برلمانية ورئاسية.
– الرد الروسي الأول هو التمسّك بالتعاون الروسي التركي الذي سيبدأه لقاء وزراء الخارجية والدفاع لروسيا وتركيا وإيران في موسكو اليوم، وتفعيل اللقاء بقوة وزخم عملية الاغتيال لوضع روزنامة تنفيذية للمسارين السياسي والعسكري، ما يجعل هذا الاجتماع المستهدف الأول من العملية، والسؤال عن المتهم الأول بهذا الاستهداف يقود حكماً للجهة التي تشعر بالاستهداف من جراء هذا المستوى من التنسيق الثلاثي وأهدافه، والتي تملك بيئة فاعلة في العنوان الإسلامي وتشاركت مع تركيا العمل على الجماعات الإسلامية المتطرفة وتنظيمها وزجها في الحرب في سورية، ولتسهيل مهمتها وضعت بتصرفها مفارز خاصة من الشرطة والأمن في تركيا تتفاعل من موقع ثقافتها التي صاغها الرئيس التركي في زمن التصادم مع روسيا والترويج للحرب مع ما عبرت عنه عملية الاغتيال. الأمر هنا يتعلق بدولة تملك جهازاً استخبارياً قام باختراق الشرطة التركية بسلاسة التسهيلات بإحدى مفارزها ورتب العملية بشقيها، الاغتيال والتخلص من المنفذ، ولم يراهن على تفجير العلاقة التركية الروسية، بل قال إن الاجتماع التركي الروسي الإيراني ناقص، يحتاج لترميم والمهمة تحتاج لتعديل، وهو نفس الشيء الذي قالته حادثة حرق الحافلة التي جاءت تقل الخارجين من حصار كفريا والفوعة بالتزامن مع إخلاء المسلحين من أحياء حلب الشرقية. لكن موسكو وأنقرة تجاهلتا الرسالة وقررتا الالتفاف عليها بتغيير وجهة المغادرين والطريق الذي يسلكونه لتفادي تعقيدات الذين قطعوا الطريق وأحرقوا الحافلة ومن وراءهم، وقالت لهم إننا ماضون بدونكم.
– مَن يتابع قناة العربية الحدث في مواكبة عملية الاغتيال يستطيع ان يسجل على مدى ساعات استحضاراً لشخصيات تركية وروسية والسؤال واحد عن مدى مسؤولية تركيا عن عملية الاغتيال، والتساؤل عن الاستهتار مرة وعن المسؤولية السياسية مرات والتهاون الأمني وربما التواطؤ وتسهيل التعبئة العدائية لروسيا مرات أخرى، وسؤال الروس والأتراك بالطريقة التي تدق الأسافين بينهم، والتي تكمل ما بدأه القاتل وتنفذ الشق السياسي من مهمته التي أراد تنفيذها، بإطلاق النار على اجتماع موسكو الروسي التركي الإيراني، بما لا يدع مجالاً للشك بالتوقيع السعودي على عملية الاغتيال طلباً لبطاقة دعوة للاجتماع بمثل ما كانت عملية إحراق الحافلة على مداخل الفوعة وكفريا، والتشكيلات التي بناها بندر بن سلطان في تركيا وتولت رعاية جبهة النصرة لا زالت عاملة، كما التنسيق قائم بينها وبين الأجهزة الفرنسية الغاضبة من الاجتماع الثلاثي، أو الإسرائيلية الأشد غضباً، أو أصحاب التقارير في المخابرات الأميركية عن مسؤولية روسيا عن فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب وصاحبة المصلحة بتعقيد مسار التفاهم الروسي الأميركي من البوابة التركية.