حكومة الشراكة والرئيس الضامن
غالب قنديل
انتهى مخاض التشكيل وانطلقت حكومة العهد الأولى وهي حكومة انتخابات حملت في تكوينها أفضل الممكن في صياغة الشراكة بين الكتل السياسية الكبرى استعدادا لمباشرة العمل على وضع قانون انتخابات جديد والاستعداد لإجراء الانتخابات على أساسه خلال الأشهر المقبلة وهذا هو التحدي الرئيسي لدخول مرحلة جديدة من حياة النظام السياسي الطائفي القائم في لبنان .
ليست الحكومة في مستوى طموحات التغيير الجذري وهذا طبيعي لأن البلد محكوم بالتركيبة الطائفية للسلطة وبالشراكة الجبرية بين مجموعة من الأطراف المتناقضة في مواقعها ومصالحها وخياراتها الاجتماعية الاقتصادية والسياسية استطرادا ومن المجحف بحق الرئيس ميشال عون التعامل مع الأمور بتحميله تبعات التركيبة القائمة التي رفضها دائما وسعى إلى تغييرها وتلمس جميع السبل إلى ذلك فهو من موقع رئاسة الدولة مضطر دستوريا وسياسيا لرعاية خيار التسويات الممكنة على قاعدة تحسين الشروط والتوازنات التي ترجح كفة الإصلاح والتغيير بعمل تراكمي ينطلق من قانون انتخابات يعتمد النسبية وعبر تسمية الرئيس وحلفائه لوزراء يعكسون الطموحات ويجسدون الثوابت .
في قراءة سريعة للتشكيلة الحكومية يمكن ملاحظة ان قوى الثامن من آذار حصدت تمثيلا سياسيا هو الأفضل في حكومات ما بعد العام 2005 في حين أثبت الرئيس ميشال عون انه الضامن الفعلي للثوابت الوطنية من خلال الوزارات السيادية الثلاث الخارجية والدفاع والعدل التي تولاها وزراء يحملون خيارات واضحة وصلبة ومجربة هم الوزراء جبران باسيل ويعقوب الصراف وسليم جريصاتي .
كذلك نجحت قوى الثامن من آذار التي فاوض باسمها مجتمعة الرئيس نبيه بري بانتزاع تمثيل كل من تيار المردة بالوزير يوسف فنيانوس والحزب القومي برئيسه الوزير علي قانصوه والحزب الديمقراطي برئيسه الوزير طلال إرسلان وقد سقطت الفيتوات التي اعترضت ذلك التمثيل في حين نجح الرئيس الحريري في الحؤول دون تمثيل أي من منافسيه الذين اضطر للتحالف معهم في الانتخابات البلدية وصمم على استبعادهم عشية الانتخابات النيابية كالوزيرين عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي وهذا تغييب لتيار سياسي رئيسي من مكونات تحالف الثامن آذار .
هذه الحكومة هي توليفة للمساكنة بين المعسكرين الأكبر في الواقع السياسي اللبناني ( الثامن والرابع عشر من آذار) مع كتلة وازنة للرئيس عون والتيار الوطني الحر وهي تجسيد تقريبي للتوازن العام في الواقع السياسي ضمت اوسع طيف ممكن من القوى والأطراف المعنية بالمشاركة في صياغة قانون الانتخاب وتأمين إدارة متوازنة للعملية الانتخابية المقبلة أما القول إنها حكومة الثامن آذار ففيه مبالغة كبيرة وغير واقعية فالحكم على الحكومة وعلى ادائها يجب ان ينطلق من كونها حكومة شراكة يمسك فيها كل من تيار المستقبل والقوات اللبنانية بعدد من الحقائب المهمة والحساسة كالاتصالات مثلا.
حكومة انتقالية لمرحلة انتقالية حتى الانتخابات النيابية ولذلك فهي لن تكون قادرة على تحقيق إنجازات تتخطى الإدارة العادية للدولة والتعامل مع القضايا التي تهم الناس بفتح الملفات لا إغلاقها فالوقت المتاح بالكاد يسمح للوزراء الإلمام بما يواجهونه من تحديات وقضايا شائكة.
دون شك هي حكومة تحمل بصمة المعادلات الكبرى المتحولة لصالح محور المقاومة كما استنتج كثيرون فهي امتداد للواقع الإقليمي المستجد الذي فرض انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية ولا تنغص تلك الحقيقة مخالفة رئيس الحكومة للدستور بإعلان موقفه الشخصي مما يجري في حلب بينما هو بات ملزما مع توقيع الرئيس ميشال عون لمرسوم التشكيل بأن يكون ناطقا بلسان مجلس الوزراء الذي يفترض ان يجتمع ويناقش ويتخذ الموقف او على الرئيس الحريري التصريح بأنه يعلن موقفه الشخصي وليس موقف رئاسة الحكومة اللبنانية ومن المفهوم ان تحضر حلب في خلفية المشهد بقوة ما مثلت في التوازنات المتغيرة من ثقل في دفع عملية التأليف بالصورة التي حسمت بها.