ما بعد انتصار حلب
غالب قنديل
بقدر ما كان غزو حلب واحتلالها حدثا كبيرا فإن تحريرها يبدو أهم وأبلغ أثرا لأنه يمثل مفصلا استراتيجيا في سياق التحولات الذاهبة إلى تأكيد انتصار مسيرة سورية الوطنية التي يقودها الرئيس بشار الأسد ويبذل السوريون في سبيلها تضحيات كبيرة إلى جانب حلفاء سورية وشركائها في التصدي للإرهاب والتوحش الذي لايجب كما بينت الأحداث تناسي كونه اداة لعدوان استعماري غربي تقوده الولايات المتحدة وتشارك فيه إسرائيل وحكومات السعودية وقطر وتركيا.
بعيدا عن اللغة الاحتفالية والخطاب الانتصاري وطغيانهما على التفاعلات العاطفية المفهومة للإنجاز الكبير الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه وشركاؤه ثمة نتائج سياسية وعملية لانتصار حلب ستكون هي قاعدة التحولات المرتقبة في الميدان السوري ومعركة الدفاع عن سورية والشرق وأبرزها :
اولا توسيع نطاق سيطرة الدولة السورية ومؤسساتها وتواصل حلب ومحيطها مباشرة بسائر الأنحاء السورية المحررة يقدم للدولة الوطنية عمقا شعبيا وسياسيا وجغرافيا ودورة اقتصادية واسعة بالنظر لما تمثله حلب في الجغرافية والديموغرافيا والاقتصاد على الصعيد الوطني فهي مركز ثقل صناعي وزراعي وتجاري على مستوى الانتاج والتبادل وما بعد تحرير حلب يطلق تحولات مهمة اقتصادية ومالية تعزز دعائم الصمود السوري وتطلق فرصا لمباشرة النهوض بخطط الإعمار على امتداد مناطق سيطرة الدولة من الرأس البسيط إلى أطراف الريف الحلبي الممتد شرقا وشمالا .
ثانيا بعد انتصار حلب باتت ظاهرة للعيان فرص انتقال القوة القتالية الضخمة التي حشدت لمعركة تحرير حلب إلى جبهات جديدة لمواصلة تحرير التراب السوري من عصابات العدوان وفقا لخطة القيادة العسكرية السورية وشركائها من الحلفاء الذين ساهموا في تحرير حلب وهذا يطال سائر الجبهات القتالية مع عصابات داعش والنصرة وهو ما سيتقرر على الأرجح خلال الأيام المقبلة على الرغم من خلط الأوراق الكبير الذي يسعى حلف العدوان لفرضه من خلال تحريك داعش والقوات التركية على مسارح العمليات .
ثالثا أسقط تحرير حلب جميع فرضيات الابتزاز الأميركي والتركي التي دعمها حلف العدوان بجناحيه الأطلسي والخليجي لجهة لي ذراع الدولة الوطنية السورية بإرغامها على مساكنة جبرية في مستقبل البلاد مع جماعات القاعدة وفصائل الأخوان وسواها من الكتل التي احكم ربطها بتركيا في الشمال وبالكيان الصهيوني في الجنوب وهذه الأطراف المدانة بالإرهاب وضعت نفسها نتيجة لنهجها وتكوينها خارج التسويات والمصالحات التي تجريها الدولة الوطنية وهي باتت خارج المستقبل السوري ومعها كذلك ما تمثله من ولاءات خارجية معادية للوطنية السورية وهذه قاعدة ستحكم مستقبل التطورات.
رابعا يجب الانتباه بعد انتصار حلب إلى أن التحديات مستمرة . إن تحرير حلب يقرب لحظة الانتصار لكن تعقيدات كثيرة لا تزال ماثلة بسبب التصميم الاستعماري الصهيوني على متابعة استنزاف الدولة السورية وحيث يشعر معسكر العدوان بفشله المتراكم فهو يحرك جميع قواه الاحتياطية لمنع نهوض الدولة السورية او عرقلته على الأقل انطلاقا مما تمثله سورية في توازنات المنطقة وهذا ما يفسر المسارعة إلى تحريك داعش والميليشيات التابعة لتركيا نحو تدمر والباب بينما الجيش العربي السوري منهمك بهضم إنجازه وتثبيت مواقعه في مدينة حلب ومحيطها وكان الهدف تشتيت قواه لإعطاء العصابات المندحرة في العاصمة الثانية فرصة اخيرة.
خامسا إن تحقيق النصر قبل بضعة أسابيع من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب يفرض واقعا جديدا في التعامل مع سورية فالمعادلة المستجدة دوليا وإقليميا والمتحولة لصالح سورية سوف تترسخ وتفرض منطقها وكما نادينا قبل سنة كاملة فإن إنشاء واقع ميداني وتوازن عسكري يصعب الارتداد عليه قبل ظهور الإدارة الأميركية الجديدة هو إنجاز استراتيجي كبير سيغير كثيرا في السياسة والحرب.
هذا النصر الذي كلف الكثير من الشهداء والتضحيات هو إنجاز تاريخي للجيش العربي السوري ولجميع القوى الرديفة والحليفة وسوف يفرض ويبلور معادلة قوة فاعلة في مستقبل التطورات والأحداث ولم يكن ذلك ممكنا لولا الثبات الشعبي والتضحيات العزيزة والصلابة القيادية ووفاء الحلفاء ووعيهم لمحورية ما تمثله سورية في مستقبل المنطقة والعالم وما يعنيه انتصارها لهم مباشرة.