مقالات مختارة

انتصار حلب يعيد المسألة الكردية للتداول زياد حيدر

 

فجر يوم الاربعاء، وفيما توجهت عربة تقل فنيين من قرية خويتلة الجوالة إلى أحد حقول الحسكة النفطية (الرميلان)، في تمام الساعة الخامسة والنصف فجراً، انفجر لغم أرضي بها قرب قرية تل الطحين في القامشلي، ما أدى لاستشهاد خمسة من العمال وجرح ثلاثة، وفقا لما أعلنته وزارة النفط والثروة المعدنية في سوريا، والتي اعتبرت في بيان رسمي أذاع أسماء الضحايا والجرحى واختصاصاتهم، أن الخمسة بمقام الشهداء «إلى جانب رفاقهم المئة وثمانين الذين سبقوهم أثناء كفاحهم لتأمين ثروة السوريين النفطية، جنباً إلى جنب مع بواسل الجيش العربي السوري».

ويعتبر حقل الرميلان من اكبر الحقول النفطية في الشمال السوري (1322 بئرا)، لكنه يخضع لسيطرة القوى الكردية التامة، كما هو حال معظم مناطق الحسكة، التي تتحكم «وحدات الحماية الشعبية» بمعظم مواردها، وأبرزها النفطية والغذائية، وتنتج هذه الآبار حوالي 12 الف برميل يوميا، بعدما كانت تنتج 90 ألفاً قبل الأزمة. لكن العلاقة المعقدة والمصالح المترتبة على هذه العلاقة بين الدولة من جهة، وقوات حزب «الاتحاد الديموقراطي» الذي تتبع له القوات الكردية من جهة، فرضتا التشاركية في ادارة هذه الثروة، على الرغم من كون الدولة في موقع الخاسر، باعتبارها تشتري ثروتها من طرف ثالث فعليا، وإن بأسعار «تفضيلية»، بحيث يبقى جزء من المشهد بعكس حال ادلب والرقة.

وتستثمر القوى الكردية الآبار الموجودة في الحسكة، لا سيما حقول الرميلان، فتصدر للعراق كما لمناطق الداخل السوري، علماً أن الدولة ما زالت هي المسؤولة عن الخدمات في تلك المنطقة من البلاد، كما أنها الجهة المخولة بمنح الأجور، والصيانة العامة واللوجستية للحقول، ومنح التعويضات للشهداء كما نص بيان وزارة النفط السابق.

وتشكل مفارقة كهذه جزءا معتادا من المشهد السوري، لا سيما في الشمال، والذي لم يتردد الرئيس السوري بشار الأسد باعتباره «مشهداً معقدا جداً» يستوجب التعامل معه «حسب الحالة».

وتشكل الحالة الكردية إحدى هذه الحالات، بما تمتلكه من تعقيدات خاصة هي الاخرى. وشكل نصر الجيش في حلب، فرصة للعودة لهذا النقاش، لا سيما أنه فيما تحصر «الوحدات الكردية» سيطرة الدولة ضمن مربع من كيلومترات عدة فقط، ضمن مدينة الحسكة، تحيط قوات الدولة تقريبا بنقطة الوجود اليتيمة للاكراد في مدينة حلب وهي حي الشيخ مقصود.

وكان لافتاً تطرق الاسد، في حواره الاخير مع صحيفة «الوطن»، لطموح بعض الاكراد نحو «الفدرلة»، معتبراً أن موضوع «الفدرالية موضوع آخر، يرتبط اولاً بالدستور، وثانياً بالحالة الشعبية الموجودة في تلك المنطقة، لا الدستور يسمح بهذا الأمر، وتبديل الدستور بحاجة الى استفتاء، ولا الحالة الشعبية تذهب بهذا الاتجاه، حتى بين الأكراد أنفسهم».

وتابع الاسد أن «القسم الأكبر من الأكراد ليس مع هذا الطرح، هم يستغلون غياب الدولة في عدد من المناطق في الشمال كي يوجِدوا بنى محددة، اجتماعية ذات شكل سياسي لإدارة شؤون الناس، ويتحدثون عن فدرالية، هذه البنى مؤقتة، ولكن التعامل مع الفدرالية بالنسبة لنا لا يمكن أن يتم إلا بعد الانتهاء من موضوع الإرهاب، عندها ستعود المسألة للشعب، بالنسبة لنا كدولة كل ما يقبل به الشعب السوري نقبل به، ولا أعتقد أن الشعب السوري يقبل بالفدرالية في أي مكان في سوريا، لذلك أنا لست قلقاً من هذا الطرح».

ووفقاً لمسؤول بارز زار الشمال السوري منذ أيام، ومر موكبه تحت أعلام حزب «الاتحاد الديموقراطي» الصفراء، وعلى حواجزه بين الحسكة والقامشلي وفي ريف المدينتين، فإن «نسمات التغيير بدأت تهب» في المزاج العام المرتبط بهذه القضية، والذي يرتبط ارتباطا رئيسيا بتطورات حلب الميدانية، وحالة «العجز الدولي والاقليمي عن مساعدة المسلحين أمام تقدم عجلة الجيش السوري»، وهو ما يثير استنتاجات عدة في ما يتعلق بمجمل القضايا الوطنية السورية.

وفي لقاءات جرت مع أوساط شعبية، ينقل المسؤول وجود تراجع ملحوظ عن السنة التي سبقت، والعام الذي سبقها ايضا، في «المزاج الاستقلالي» والتركيز في الحديث على «إعادة الاندماج الكامل» مع الدولة.

وبرغم أن هذه الأصوات لا تعبر بالضرورة عن الجميع، برغم انها تصدر عن ممثلين من المكونين الكردي والعربي، إلا انها بنظر المراقبين المحليين تشكل تقدما عن السنوات التي سبقت، لا سيما بعد «ملاحظة الاستياء العام» من محاولة فرض «عوامل الاستقلال عن الدولة بقوة السلاح» وآخرها قرار الادارة الذاتية «تكريد لوحات السيارات في الحسكة» وتسجيلها «لدى الادارة الذاتية» على الرغم من استمرار الدولة في تقديم الخدمات لقطاع النقل في المدينة.

وتبدو المقاومة الشعبية لهذا الواقع صامتة، ولكن يمكن الاستدلال عليها، ففي ما يتعلق بالمشهد التعليمي، مثلا، منعت القوات الكردية الحكومة من توزيع مناهجها التدريسية العربية في 1200 مدرسة تسيطر عليها في انحاء الحسكة، إلا أن اللافت أن تلك المدارس تضم فقط تسعة آلاف طالب مقابل 90 ألفاً يؤمّون 600 مدرسة حكومية متبقية فقط، وبينهم «اولاد قياديين اكراد ايضا»، وذلك وفقا لمصادر محلية في الحسكة، لأسباب عديدة بينها الشعور بـ «الانتماء السوري والعربي» العام، ولكون الشهادات التي تقدمها المدارس الحكومية معترفا بها، على عكس الاولى، ولكن ايضا بسبب «القناعة التي تتعزز يوما بعد يوم أن الدولة ستعود بكامل قوتها يوما ما».

لكن المواجهة في الحسكة مؤجلة، كما هي مؤجلة في الشيخ مقصود في حلب، كما هي مستبعدة في الشمال، حيث يبرز «التوغل التركي والارهاب» كأولويتين في المواجهة الميدانية. إلا أن احدا لا يستبعد حصول هذه المواجهة يوما ما. ووفقا للمسؤول السابق، فإن الامر أشبه بـ «اتباع حمية معينة حتى تتخلص من المرض الرئيسي» وأنه بعدها حين «يستعيد الجسد فعاليته، يبدأ بممارسة مهامه الطبيعية والمنتظرة منه».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى