مقالات مختارة

«أحرار الشام» تدخل النفق المظلم: «جيش الأحرار» يخرج عن بيت الطاعة عبد الله سليمان علي

 

              

دخلت «حركة أحرار الشام الإسلامية» في نفقٍ مظلم، مع تصاعد الخلافات بين قيادات الصف الأول، وانعكاسها مباشرةً على الجناح العسكري الذي بات عملياً منقسماً إلى قسمين بعد الإعلان عن تشكيل «جيش الأحرار». لكن الأمور قد لا تقف هنا، وقد تتخذ منحىً جديداً من التصعيد، خصوصاً بعد حملة الاعتقالات المضادة التي طالت كبار القادة العسكريين ممن أعلنوا مبايعتهم للتشكيل الجديد.

وتعتبر هذه الأزمة امتداداً لأزمة «مجلس الشورى» التي علّق فيها ثمانية أعضاء أعمالهم في المجلس احتجاجاً على الخلافات المتراكمة منذ عام، والتي توّجت بتعيين أبي عمار العمر (عزرائيل) قائداً عاماً للحركة، الأمر الذي رفضه الأعضاء الثمانية، وعلى رأسهم أبو جابر الشيخ، القائد العام السابق للحركة، والذي عين قائداً لـ «جيش الأحرار»، وأبو محمد الصادق المفتي العام السابق، وابو صالح الطحان القائد العام السابق للجناح العسكري ونائب قائد الحركة للشؤون العسكرية.

وبعد فشل جميع المحاولات لحلّ أزمة مجلس الشورى، وفي رسالة واضحة بأن الأعضاء الذين علقوا أعمالهم لن يقبلوا بالواقع القيادي الجديد، أُعلن عن تشكيل «جيش الأحرار» بقيادة ابي جابر الشيخ، لكن مع حرص البيان على التنويه بأن التشكيل الجديد يبقى تابعاً لحركة «أحرار الشام». ويبدو أن الغاية من وراء التمسك باسم «أحرار الشام» هو التمسك بالشرعية «الجهادية» التي يمنحها الاسم أولاً، ومحاولة استفزاز الطرف الآخر ودفعه إلى القيام بردة فعل متهورة ثانياً.

وبالرغم من أن البعض حاول التقليل من خطورة تشكيل «جيش الأحرار» على بنية «أحرار الشام» وتماسكها، مستنداً إلى أن أعداد عناصره لا تتجاوز 1500 مسلح من أصل 22 ألفاً هم العدد الإجمالي لمسلحي الحركة، إلا أن نوعية الكتائب والألوية المشاركة في تشكيل «جيش الأحرار» وأهمية القيادات العسكرية التي بايعته، يدل على أن الأمر أشبه بانقسام الحركة إلى نصفين، وقد يكون مماثلاً للانشقاق الذي حصل بين «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» في ربيع عام 2013، والذي انتهى إلى ظهور تنظيمين مختلفين ومتناقضين، بل ومتعاديين في ما بينهما.

وارتفعت مؤشرات هذه الخطورة مع إعلان عددٍ من الكتائب مبايعتها للتشكيل الجديد، ليصل عدد كتائبه إلى أكثر من 20 كتيبة ولواء. وقد تشكل الجيش بدايةً من 16 كتيبة ولواء، من بينها كتائب وألوية تعتبر النواة الصلبة لـ «الجناح العسكري» الذي هو بمثابة قوة مستقلة تخضع لقيادة الحركة العامة مباشرةً، ولا علاقة لقادة الألوية فيها. ومن هذه، يبرُز كلٌّ من «لواء المدرعات» و «لواء المدفعية» اللذين يعتبران القوة الضاربة للحركة، ويتحكمان بنسبة كبيرة من عتادها الثقيل. ثم توالت المبايعات من ألوية أخرى، مثل «كتيبة أبو بكر الصديق» العاملة في ريف حماه بقيادة صفوان عبدو، و «لواء سهام الليل» بقيادة أبي النور العاملة في منطقة أبو الظهور في ريف إدلب، و «كتيبة الطواقم» بقيادة أبي هريرة الساحلي، و«لواء أهل الشام» بقيادة حسام أبو حميد العاملتين في الساحل.

وعلى وقع هذه التطورات، حصل يوم أمس الأول اجتماع أخير بين قيادة الحركة وقيادة «جيش الأحرار» بحضور كبار قادة الحركة، لمحاولة حلّ الخلاف، لكن الاجتماع فشل، وبدا في نهايته أن الفجوة بين الطرفين أصبحت أوسع ولا يمكن ترميمُها. وهذا ما دفع بعدد من صقور الحركة ممن كانوا حتى اللحظة يقفون على الحياد إلى الانخراط في الخلاف والوقوف إلى جانب قيادة الحركة ممثلةً بأبي عمار العمر. ومن أبرز هؤلاء الصقور، خالد أبو أنس سراقب الذي للمفارقة يعتبر من مؤسسي «لواء التمكين» المنضم إلى «جيش الأحرار».

وقررت قيادة الحركة مواجهة ما أصبحت تطلق عليه اسم «المحاولة الانقلابية»، ولو أدى ذلك إلى صراع مسلح. كذلك كان أبو جابر الشيخ قد أرسل في تغريدات على حسابه على «تويتر» تهديدات مبطنة بذهابه نحو التصعيد ولو أدى ذلك إلى شقّ الحركة والاقتتال.

وفي تمهيد واضح للإجراءات التي تنوي اتخاذها، طلبت قيادة الحركة من بعض «الشرعيين» المقربين منها إصدار فتوى من شأنها إضفاء الشرعية على ملاحقة الانقلابيين ومعاقبتهم. وبالفعل صدرت من مجموعة من الشرعيين فتوى تقضي بحرمة الانضمام إلى «جيش الأحرار» معتبرين أنه تكتل داخلها، وتجاوزٌ لأميرها ونظامها، كما أن «إثم شق جماعة من أكبر الجماعات الجهادية في الشام وأقربها إلى قلوب الناس».

وبعد الفتوى بساعات قليلة، صدر قرارٌ باعتقال ثلاثة من كبار قادة الحركة العسكريين ممن بايعوا «جيش الأحرار»، وهم أبو إسلام قائد لواء المدرعات، وأبو عبدو عواصف قائد لواء المدفعية والصواريخ، وأبو طه هاون قائد لواء المدفعية الرديف. وتزامن هذا القرار مع أنباء عن نية قيادة الحركة اعتقال أبي جابر الشيخ لكن من دون إعلان القرار بذلك.

ويبدو أن تسريب هذه المعلومات وتداولها في وسائل الإعلام، دفع قيادة الحركة إلى التراجع عنها من خلال إعلان المتحدث العسكري باسمها عن «إلغاء مذكرات الاعتقال بحق القياديين الثلاثة، وأن الإشكال داخلي وقد تم حله» من دون توضيح ماهية هذا الحل.

لكن على الأرجح أن قيادة الحركة أدركت أنها وقعت في فخّ الاستدراج للقيام بردة فعل قاسية قد تدفع أنصار الحركة والكثير من مسلحيها للوقوف مع الطرف الآخر وربما الانضمام إليه، لا سيما أن هذه القيادات لها ثقلها داخل الحركة ولا يمكن تجاوزها ببساطة، فما كان منها إلا التخفيف من التصعيد وإلغاء مذكرات الاعتقال في محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها.

ومهما يكن الأمر، فمن الواضح أن «أحرار الشام» دخلت في نفق مظلم وقد لا تخرج منه إلا منقسمةً إلى قسمين، أو ببنية داخلية متزعزعة وغير منسجمة، وفي كلتا الحالتين ستفقد الكثير من تأثيرها وفعاليتها، هذا إذا لم تضطرها التطورات إلى الدخول في صراعات جانبية كما حصل في فترة القتال ضد «داعش».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى