لن يحجب ظلام داعش في تدمر نور النصر في حلب
ناصر قنديل
– أولت وجهها لحلب ولم تستدر لتغيير وجهتها، فرغم مرارة الجراح في تدمر أدركت سورية وروسيا والحلفاء الرسالة التي حملها الاجتياح الذي تعرّضت له مدينة تدمر على يد جماعات من تنظيم داعش جُلبت من الموصل والرقة تحت رعاية التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، في ظلّ تحريك مسرحي لجبهتي الباب والرقة على داعش لمفاوضتها ومقايضتها شنّ هجومها على تدمر بوقف الهجمات عليها، بما في ذلك وقف هجوم الموصل الذي استدعى حضور وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر إلى العراق لضمان التحكم بالتطبيق الدقيق للتفاهم مع داعش، وإعطاء الأوامر بوقف الغارات على مواقع داعش وشلّ الهجوم الذي ينفذه الجيش العراقي على مواقع التنظيم.
– يعلم الأميركيون والأتراك ما يعلمه تنظيم داعش أنّ المسألة مسألة وقت وتعود تدمر إلى حضن الجيش العربي السوري، وأنّ الهدف من الهجوم ليس تغيير وجهة ما يجري في حلب، فلا شيء يمنح الجماعات التي تنهار هناك فرصة استرداد أنفاسها والسيطرة على الموقف، ويعلمون أنّ سقف ما يسعون إليه هو مقايضة عروض تركية وأميركية بتحويل الهجوم النظري في الباب والرقة إلى هجوم فعلي، تحت عنوان تخفيف ضغط داعش على تدمر، مقابل قبول سوري بالتفاوض على صيغة تربط انسحاب المسلحين من البقية الباقية من أحياء حلب الشرقية، بعدم دخول الجيش السوري إليها وإخضاعها لما سبق وبشّر به المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا قبل أن يطرده وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبل أسبوعين، والصيغة تسمّى بإدارة ذاتية، تنسب إلى مجلس حلب المحلي التابع للجماعات المسلّحة بقيادة جبهة النصرة، والتابع بمرجعياته المالية والخدمية لتركيا.
– صيغة استبدال الوجود المسلح بالتبعية المدنية لمجالس محلية هي الصيغة التي تعثرت عندها المفاوضات الأميركية الروسية حول حلب والتي بشرت بها الجماعات المسلحة لإدلب، ما يكشف مكانتها في مشروع ظلّ للتقسيم السلبي، أيّ بانتزاع أجزاء من الجغرافيا السورية من عهدة الدولة السورية لمرجعية خارج نطاق الدولة بدلاً من الحل السياسي الذي قامت منطلقاته على دمج المعارضة في حكومة موحّدة تدير كلّ الأراضي السورية بمنطق سيادة الدولة. والواضح أنّ العرض الأميركي التركي لم يلق آذاناً صاغية لا في موسكو ولا في دمشق، وأن قرار حسم حلب يمضي قدماً مهما كانت الكلفة عالية، وأنّ تدمر الغالية سيأتي وقت تحريرها بعدما يُكتب النصر لحلب.
– يعرف أعداء سورية وأصدقاؤها بالنسبة ذاتها أنّ حلب ليست نهاية الحرب في سورية، لكنهم يعرفون أنّ ما تمنحه حلب للمشروع المعادي لسورية إذا تمت السيطرة عليها كلياً أو جزئياً، لا تمنحه جغرافيا سورية أخرى، ولذلك رصدت للفوز بها كلّ أسباب ومصادر القوة، ففيها عنوان المعارضة الافتراضية التي يمكن الاشتغال على وهم تمييزها عن الإرهاب، وفيها الطابع المديني المعقد لحروب الجيوش النظامية والكثافة السكانية وفرص الإثارة للملفات الإنسانية. وهي عاصمة تاريخية وقيمة رمزية بمكانتها كعاصمة ثانية، ولذلك كله رصد الغرب وبعض العرب وتركيا للحرب في حلب ما لم يرصدوه لغيرها، ولذلك عندما تقابلت القوى المتحاربة وجهاً لوجه في حلب خلال السنة الماضية، وما عرفته الحرب من تناوب على الإمساك بزمام المبادرة، كان تعاقد ضمني بين المتحاربين أنها الجولة التي تحسم ما مضى من جولات الحرب وتقرّر مصير ما سيلي من الجولات، فمَن ينتصر في حلب سينتصر في سواها ومَن يُهزم في حلب سيُهزم في سواها.
– نصر حلب نور يضيء صفحات الحرب القاسية والمؤلمة في سورية ويبشّر بقرب ساعة الخلاص، ورغم مرارة وآلام خسارة تدمر، فمن تمكّن خلال شهر من استرداد حلب التي غابت عن حضنها السوري لخمس سنوات، فسيتمكن خلال أيام وربما ساعات من إعادة تدمر لو غابت شهراً، لكن الأهمّ هو أنّ سورية المتمسكة بسيادتها تستعيد حلب كاملة وكاملة السيادة، وتستحق تبريك النصر ويستحقّ جيشها بجدارة إكليل غار.
(البناء)