حلب: خطوة التحرير الأخيرة علاء حلبي
بينما كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يعلن من مدينة هامبورغ الألمانية توقف عمليات الجيش السوري الهجومية نحو ما تبقى من أحياء حلب الشرقية الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، أنهى الجيش قضم معظم حي الشيخ سعيد الذي يمثل البوابة الجنوبية على الأحياء التي يسيطر عليها المسلحون، ما يعني أن معظم تلك الأحياء باتت بحكم الساقطة عسكريا، خصوصاً بعدما نجحت القوات الحكومية في قضم مزيد من المناطق في حيي صلاح الدين وسيف الدولة، وإحكام السيطرة على حي الميري المحاذي لحي الصالحين.
حديث الوزير الروسي عن وقف العمليات الهجومية تناغم تناغما كبيرا مع مجريات ميدان القتال، المسلحون حوصروا في بقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها العشرة كيلومترات مربعة، بعدما كانوا يسرحون ويمرحون في نحو 90 كيلومتراً. لم يعد هناك مهرب، ومصير واحد يواجههم الموت أو التسليم.
مصدر عسكري سوري شرح خلال حديثه إلى «السفير» أن الأحياء التي يسيطر عليها المسلحون في الوقت الحالي، برغم أنها ساقطة عسكرياً، إلا أن إخراجهم منها أمر سيحافظ على أرواح المدنيين الموجودين في تلك الأحياء، كما أنه سيعجّل من عودتها إلى الدولة السورية.
وتابع «في المراحل السابقة اعتمد الجيش السوري على إطباق حصار جزئي وفتح جبهات معينة مع ترك خطوط يمكن للمسلحين أن يهربوا من خلالها لتسهيل عمليات توغل قوات المشاة، وهو تكتيك ساهم في دفع المسلحين إلى الانزواء تدريجيا في الزاوية الجنوبية للأحياء الشرقية، وسرَّع من وتيرة التقدم والسيطرة على تلك الأحياء».
وشدد المصدر العسكري على انه برغم أن قرار السيطرة على كامل حلب متخذٌ ولا رجعة عنه، إلا أنه لا مانع من الحصول على المكاسب بالسياسة، خصوصاً أن المسلحين، نتيجة الحصار المطبق وأمام إصرار بعضهم على الاستمرار في القتال، يعرّضون حياة آلاف المدنيين لمزيد من الخطر.
بدوره، أكد مصدر معارض متابع للملف التفاوضي بشأن مغادرة المسلحين، أن العقدة الأبرز في الوقت الحالي تتمثل في الوجهة التي سيتم نقل المسلحين إليها، فالحكومة السورية تصر على أن الوجهة هي إدلب فقط، فيما يطالب المسلحون بأن يتم نقلهم إلى ريف حلب، وهو الاتجاه ذاته الذي تضغط نحوه تركيا، ويبدو أن الولايات المتحدة قد تبنته أيضاً تبنّياً غير مباشر.
ويعلل المصدر سبب إصرار المسلحين على التوجه إلى ريف حلب بأمرين، الأول يتعلق بفتوى هدر الدماء التي أصدرها «شرعيون» محسوبون على «جبهة النصرة»، بالإضافة إلى حاجة تركيا إلى المزيد من المقاتلين للزج بهم في «درع الفرات»، مع وجود رواتب مغرية وضمانات بعدم تعرض مواقع وجودهم للقصف السوري أو الروسي، على خلاف إدلب.
ويبدو أن إصرار الحكومة السورية على إرسالهم إلى إدلب تحديدا، يتوافق مع السياسة التي اتبعها الجيش السوري منذ بدء عمليات ترحيل المسلحين في حمص، وصولاً إلى ريف دمشق، والآن حلب، حيث يسعى الجيش السوري إلى حشر المسلحين في منطقة واحدة يسهل في مرحلة لاحقة التعامل معها واسترجاعها.
في هذا السياق، يبرز إعلان لافروف عقب لقائه نظيره الأميركي جون كيري عن عقد لقاء بين الخبراء العسكريين الروس والأميركيين يوم السبت في جنيف لمناقشة تفاصيل خروج المسلحين من حلب.
وللضغط في الاتجاه ذاته، أصدر ما يسمى «مجلس محافظة إدلب» المعارض بياناً أعلن من خلاله رفض المدينة استقبال المزيد من المسلحين، معللاً السبب بعدم قدرة المحافظة على استيعاب مزيد من الوافدين.
نهوض من تحت الركام
أمام حتمية عودة حلب بالكامل، خلال الأيام القليلة المقبلة، بدأت المدينة تنفض غبار الحرب عن أحيائها بعدما سيطر عليها الجيش، استنفار لجميع ورش العمل في بلدية المدينة، وعمل على مدار الساعة لوحدات الهندسة العسكرية التي تجهد في تمشيط الأحياء وتفكيك العبوات التي خلّفها المسلحون، بالإضافة إلى عمليات نقل للأسلحة التي تركوها خلفهم، تمهيدا لعودة الأهالي النهائية إلى هذه الأحياء.
رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، وعضو مجلس الشعب السوري فارس شهابي، رأى خلال حديثه إلى «السفير»، أنه بعد انتهاء تحقيق النصر العسكري في حلب، يأتي دور «النصر الاقتصادي» الذي تحتاجه المدينة لتعود عاصمة اقتصادية.
يشرح شهابي، الذي يزور مدينته حلب في الوقت الحالي، أن «حجم الدمار لا يمثل مشكلة لنا كحلبيين، سنعيد بناء ما تهدم في وقت قياسي، خلال عشر سنوات تنقلب حلب رأساً على عقب، وستعود أفضل مما كانت عليه، ولكن ذلك يتطلب دعماً حكومياً، واحتضاناً كاملاً عن طريق تشريع خاص للمناطق المتضررة، وإقرار مشروع الاستثمار العصري الذي جرى طرحه في مجلس الشعب، والإسراع بهذا الموضوع، وتحفيز رؤوس الأموال التي غادرت للعودة»، مشيراً إلى أن «أهم كتلة لرؤوس الأموال المهاجرة من حلب موجودة حاليا في مصر، ونتواصل مع المستثمرين والصناعيين يوميا، وهم يدرسون جدياً العودة إلى حلب، إلا أن ذلك يتطلب احتضانا حكوميا حقيقيا».
وأمام ما تسوّقه وسائل الإعلام المعارضة عن عمليات تغيير ديموغرافي وتهجير في حلب، نفى شهابي وقوع هذا الأمر جملة وتفصيلاً، وشرح أن «ما جرى في حلب هو هجوم من خارج المدينة لمعاقبة سكانها على موقفهم منذ بداية الأحداث حتى صيف عام 2012 حيث تم اجتياحها، بالتالي فإن الجيش قام فعليا بطرد الغرباء، وأهالي المدينة سيعودون لإعادة إحيائها من جديد».
كيري «متفائل» باتفاق حول حلب
وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قال بُعيد اجتماعه مع لافروف إنه ليس واثقا لكنه «متفائل» بالتوصل لاتفاق، لافتاً إلى أنه ما زال ينتظر «إفادة معينة ومعلومات» من روسيا.
وفي هذا الاطار، قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إن كيري غادر اجتماعا لـ «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا» ليتجه إلى باريس بهدف عقد اجتماعات جديدة بشأن سوريا غداً.
ونقلت وكالة «انترفاكس» عن نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف قوله: «في الأيام القليلة الماضية حدث تبادل مكثف للوثائق بشأن الوضع في حلب، نقترب من الوصول إلى تفاهم لكن أريد أن أحذر من رفع سقف التوقعات».
بدوره، قال مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا يان إيغلاند إن الولايات المتحدة وروسيا أبعد ما تكونان عن الاتفاق على شروط عمليات الإجلاء من شرق حلب. وذكَّر بأن مفاوضات استمرت خمسة أشهر بشأن خطط الإغاثة فشلت ولم تسفر عن شيء.
من جهة ثانية، ذكرت وكالة «الأناضول» التركية أن أنقرة سترسل 300 جندي إضافي إلى شمال سوريا لتعزيز عملية «درع الفرات» ضد «داعش»، من دون أن تذكر المنطقة التي ستنتشر فيها تلك القوات. ويأتي ذلك فيما أعلن مسؤول عسكري أميركي أن «التحالف الدولي» قضى على خمسين ألف مقاتل من «داعش» في سوريا والعراق خلال عامين!
(السفير)