حلب: الربع الأخير للمسلحين: علاء حلبي
ثلاثة أرباع المساحة التي كان يسيطر عليها المسلحون في حلب باتت في قبضة الجيش السوري. عشرة محاور مشتعلة في وقت واحد، انهيارات بالجملة في صفوف المسلحين ، خمسة أحياء سيطر عليها الجيش دفعة واحدة، ردت عليها الفصائل المسلحة بمحاولة هجوم على المحور الشمالي الغربي لمدينة حلب مُنيت بالفشل، في حين تساقطت عشرات القذائف على قرى نبل والزهراء شمال حلب، وكفريا والفوعة في ريف إدلب مخلفة عشرة شهداء والعديد من الإصابات في صفوف المدنيين.
ومساء شهدت صفوف المسلحين انهياراً واسعاً في المدينة القديمة شمال القلعة.
وبعد يومين فقط من توسيع الجيش السوري نطاق عملياته العسكرية للسيطرة على ما تبقى من أحياء حلب الخاضعة لسيطرة المسلحين، وبعد يوم واحد فقط من محاولة مقاتلي «المعارضة» التصدي لعمليات الجيش عبر شن هجمات على مستشفى العيون وحي قاضي عسكر شمال شرق حلب، تابعت القوات الحكومية تقدمها في حي الشعار، آخر معاقل المسلحين القريب من طريق المطار، كما تقدمت وحدات أخرى من أقصى جنوب المدينة في محور جديد للعمليات تكلل بالسيطرة على تلة الشرطة الإستراتيجية، تبع ذلك سقوط سريع لقرية الشيخ لطفي، وحي المرجة الذي يمثل بوابة جديدة للضغط على المسلحين الذين باتوا محاصَرين في الزاوية الجنوبية لأحياء حلب الشرقية.
مصدر عسكري سوري ذكر لـ «السفير» أن عمليات الجيش السوري للسيطرة على حي الشعار بدأت من محورَين: محور انطلق من مواقع السيطرة الأخيرة وبالتحديد منطقة المواصلات القديمة، ومحور آخر من حي الصاخور، لتلتقي القوات في حي الشعار بعد ساعات قليلة من بدء عمليات التوغل البري.
وتساهم السيطرة على حي الشعار، إضافة إلى تأمين طريق المطار بشكل كامل، بتضييق الخناق على المسلحين عند محور المدينة القديمة، حيث استفاد الجيش من التراجع الكبير لمقاتلي «المعارَضة» على هذا المحور وحقق تقدما مهما نحو حي قرلق، الذي يمثل المدخل نحو حي باب الحديد وصولاً إلى قلعة حلب. وبهذا التقدم أيضاً باتت قوات الجيش على بعد نحو 700 متر فقط من قلعة حلب التي يحاصرها المسلحون من ثلاث جهات.
ونسبة للسقوط السريع في خطوط دفاع المسلحين، توقع مصدر عسكري تحدث إلى «السفير» أن تكلل عمليات الجيش السوري بالوصول إلى قلعة حلب خلال الساعات المقبلة، موضحاً أن التقدم الذي حققه الجيش خلال 24 ساعة يمثل قفزة مهمة في العمليات الميدانية، خصوصا أن سقوط خطوط دفاع المسلحين جرى بصورة أسرع بكثير مما هو متوقع.
كذلك، تفتح السيطرة على حي المرجة الباب أمام التقدم نحو حي الصالحين، الذي يمثل بالإضافة إلى حيي السكري والكلاسة وبعض الأحياء المحيطة المعقل الرئيسي للفصائل المسلحة في ما تبقى من مناطق سيطرتهم في مدينة حلب.
على المحور الشمالي الغربي، حاولت الفصائل المسلحة شن هجمات على مواقع الجيش السوري «لتخفيف الضغط عن الأحياء المحاصرة»، حيث أرسل المسلحون عربتَين مفخختَين تمكن عناصر الجيش من استهدافهما قبل وصولهما إلى نقاط تمركزهم، فيما رد الجنود على الهجوم بقصف عنيف طال خطوط إمداد المسلحين وغرفة عمليات، وفق مصدر ميداني، ما تسبب بتوقف الهجوم، وفشله.
وأمام المعطيات الجديدة لميدان القتال في حلب والانهيار الكبير في صفوف المسلحين، يبدو أن مسألة إحكام السيطرة على ما تبقى من أحياء تسيطر عليها فصائل «المعارضة» باتت «قريبة جداً»، حيث أكد مصدر عسكري سوري تحدث إلى «السفير» أنه تم رصد عشرات المكالمات بين المسلحين المحاصَرين بحثوا في ما بينهم سبل الخروج من هذا الحصار، في وقت تابعت فيه «جبهة النصرة» التضييق على الفصائل المسلحة، واعتقلت مجموعة كاملة كانت تستعد لتسليم نفسها.
ولم يُخفِ مصدر معارض استغرابه من تمسك «النصرة» بالقتال في ما تبقى من أحياء حلب، برغم انهيار البنية الداخلية للمسلحين الموجودين في تلك الأحياء، ورأى أن «الخروج بات أمراً لا مفر منه… التأخر في الخروج يعني مزيداً من الدمار والقتل بحق المدنيين المحاصَرين».
على الصعيد الإنساني، تابعت قوات الجيش السوري عمليات تأمين عشرات العائلات التي كانت موجودة في الأحياء التي سيطرت عليها مؤخراً، حيث تم نقل العائلات إلى مراكز الإيواء الموقت في كل من قرية جبرين والمدينة الصناعية في الشيخ نجار. كما جرى نقل بعض الحالات لتلقي العلاج في المستشفيات.
بموازاة ذلك، كثفت «جبهة النصرة» قصف بلدتَي كفريا والفوعة المحاصرتَين في ريف إدلب، حيث أطلق المسلحون عشرات القذائف على القريتَين ما تسبب بمقتل عشرة مدنيين وإصابة آخرين. وذكرت مصادر «جهادية» أن عملية قصف القريتَين تجري بإدارة مباشرة من «الجهادي» السعودي عبد الله المحيسني الذي يقود الهجوم «انتقاماً لحلب»، في حين سُجِّل دخول مركبات عسكرية عدة من تركيا إلى سوريا، ذكرت مصادر معارضة أنها تحمل أسلحة وقذائف.
بدورها، كثفت الطائرات السورية والروسية قصف مواقع الفصائل المسلحة على طول الخط الواصل بين ريف حلب الجنوبي الغربي وصولاً إلى إدلب، بالإضافة إلى محيط قريتَي الفوعة وكفريا، في حين تمكنت القوات المدافعة عن القريتَين المحاصرتَين من تدمير مرابض إطلاق صواريخ وقذائف تابعة للمسلحين بعد استهدافها بصواريخ حرارية.
موسكو تعلن فشل مبادرة كيري في حلب
أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فشل مبادرة نظيره الأميركي جون كيري حول تسوية الأزمة في حلب، وذلك على اثر سحب الجانب الأميركي اقتراحاته بهذا الشأن.
وقال لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لمجلس أوروبا ثوربيورن ياغلاند في موسكو، إن واشنطن أبلغت الجانب الروسي عدم قدرتها على عقد اجتماع اليوم الاربعاء للتشاور بشأن حلب، «لأنهم غيروا موقفهم. إنهم يسحبون وثيقتهم ويطرحون وثيقة جديدة. والوثيقة الجديدة هذه، بحسب انطباعاتنا الأولى، تعيد الوضع إلى ما كان عليه، وتبدو وكأنها محاولة لكسب الوقت لكي يرتاح المسلحون ويتزودون بالإمدادات».
ولفت إلى أن على المسلحين مغادرة حلب أو الموت، قائلاً: «في كل الأحوال، إذا رفض أي كان المغادرة طوعا، سيتم القضاء عليه. لا توجد خيارات أخرى».
من جهته، نفى وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن تكون واشنطن رفضت عقد لقاء مع روسيا لبحث خطة خروج مقاتلي «المعارضة». وقال على هامش اجتماع وزاري لـ «الحلف الأطلسي» في بروكسل: «لست على علم بأي رفض محدد أو ما هي هذه الخطة الجديدة»، مضيفاً: «سنرى ما سنفعل».
وزارة الخارجية السورية أكدت في بيان رفض الحكومة أي محاولة لوقف إطلاق النار في الأحياء الشرقية لحلب ما لم تتضمن خروج جميع «الإرهابيين» منها، مضيفة أن دمشق «لن تترك مواطنيها في شرق حلب رهينة لدى الإرهابيين وستبذل كل جهد ممكن لتحريرهم».
بدوره، أكد عضو «الائتلاف الوطني السوري» المعارِض سمير نشار أن الفصائل المسلحة في حلب أبلغت واشنطن رفضها الانسحاب من المدينة.
وفي حديث لوكالة «سبوتنيك» الروسية، علَّق نشار على إمكانيات صمود الفصائل المسلحة في حلب في ظل الظروف الراهنة، قائلاً: «على ما يبدو لديهم مستودعات ومتحسبين لهذا الموضوع، بالإضافة على ما يبدو، إلى أنه سوف تجري في القريب العاجل محاولات جديدة لكسر الحصار من خارج مدينة حلب».
وأعرب عن اعتقاده بأن النقاش حول شروط انسحاب الفصائل المسلحة من حلب سيعود إلى الواجهة بجهود أميركية تركية.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اعتبرت أن عجز المجتمع الدولي عن مساعدة حلب «عار»، مشيرة إلى مسؤولية النظام السوري وداعميه الروسي والإيراني. أما وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت فقد اعتبر أن احتمال تقسيم سوريا يلوح في الأفق. وتحدث عن جزء «سوريا المفيدة» الذي يشمل غرب البلاد والمنطقة الممتدة من حلب إلى دمشق ومنطقة اللاذقية الساحلية ومدينة حمص، موضحاً أن هذا الجزء سيكون تحت سيطرة النظام وحلفائه، فيما سيكون الآخر «داعشستان» تحت سيطرة تنظيم «داعش».
(السفير)