ماذا يجري في واشنطن؟
ناصر قنديل
– شهدت واشنطن في الفترة التي أعقبت انتخاب دونالد ترامب قدراً من الذهول في الفريق الذي يشكل رافعة خيار التصعيد في الشرق الأوسط، وهو الفريق المموّل سعودياً والمدعوم «إسرائيلياً»، رغم كون ترامب من أصدقاء «إسرائيل»، إلا أنه لا يعبر عن سياساتها التي ترى في حرب سورية اولوية أمنها بالمفهوم العملي، وليس بمفهوم مدها بالمال والسلاح. وهو ما يشترك به كل رؤساء أميركا، وبمفهوم أولوية حرب سورية وتقدمها على ما سواها يصير الموقف السلبي لترامب من التفاهم النووي مع إيران تفضيلاً ثانوياً، يرضي حملته الانتخابية، لكنه لا يصيب مقتلاً في العلاقات الدولية الجديدة التي يرسم إطارها الموقف من الحرب في سورية. وترامب يتبنى التخلي عن هدف وضعته إدارة أوباما وتوحد حوله كثير من نخب الحزبين الجمهوري والديمقراطي وهو إضعاف الدولة والجيش والرئيس إذا تعذّر إسقاطهم، والرهان والاستثمار على تنظيم القاعدة بعد تبييض فرعه السوري المعروف باسم جبهة النصرة وجبهة فتح الشام لاحقاً، ويدعو ترامب للتعاون مع روسيا ضمن الحرب على الإرهاب ولا يرى سبباً لدعم فصائل تسمّى بالمعارضة وتلتقي مع تنظيم القاعدة ولا يعتبر أنّ العداء للدولة والجيش والرئيس في سورية له ما يبرّره أميركياً، طالما أنه لا يرى سبباً للحرب على العراق لإطاحة الرئيس السابق صدام حسين، ولا على ليبيا وقتل الرئيس السابق معمر القذافي، ولا يشارك الرئيسين جورج بوش وباراك أوباما في قوليهما إنّ العراق وليبيا صار أفضل بزوال حكم الرئيسين السابقين.
– بدأت علامات زوال الذهول وظهور تبلور خطط تحرك من فريق يتكون من أركان المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري ومن أنصار المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي هزمها ترامب، وخطة التحرك تنطلق من التركيز على الشق الإنساني في سورية لجعله مدخلاً لتحرك ضاغط هادف لفرض عقوبات في الكونغرس على سورية قبل أن تسير التطورات السورية نحو حسم عسكري يفرض مساراً سياسياً تشترك فيه واجهات من المعارضة ويصير لا معنى للعقوبات إلا زرع العراقيل بوجه الحل السياسي، لكن الوجهة الرئيسية للخطة الجديدة هي إثارة الملف النووي الإيراني وفقاً للخطاب المتطرف الذي تبناه ترامب في حملته الانتخابية والنفخ بهذا الخطاب لتحويله خطاباً شعبوياً ملزماً لترامب، يضع أمامه استحقاقات تسبق ما يجري في سورية وترتب مواجهة مبكرة مع إيران ومع روسيا ضمناً وتنعكس نصائح بتبديل الموقف مما يجري في سورية طالما أن ما يهم إيران أكثر يجري هناك، وما يزعجها هو تصعيد في الموقف يلاقي تسليح فصائل ترعاها المخابرات الأميركية ومعلومة علاقاتها بجبهة النصرة، تحت شعار الضغط التكتيكي، والرهان على تحويله مساراً نهائياً لاحقاً.
– يندرج مشروع القانون الذي أقره الكونغرس بأغلبية مشتركة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بتمديد العقوبات ضد إيران لعشر سنوات ضمن هذا الإطار، ولا يبدو أن الرئيس باراك أوباما مستعجل لاستخدام حق النقض ضد المشروع، وإن فعل ذلك فضمن مهل تتيح بقاء القانون حاضراً لحين وصول ترامب إلى البيت الأبيض ليتعامل مع القانون كقضية أولى في السياسة الخارجية تجبره على الاختيار بين ما قاله انتخابياً وما هو واقعي سياسياً، والمخاطرة بالسقوط المبكر، أو الدخول في المواجهة المفخخة، ولذلك ثمة من ينصح ترامب بالظهور وبقوة ضد مشروع القانون، من منطلق أنه دعا لإعادة التفاوض حول الملف النووي، وفي سياق التفاوض تشكل العودة للعقوبات إحدى الأوراق، وليس الذهاب مجاناً لفرض عقوبات أو لإنهاء التفاهم، وأنه كرئيس منتخب حديثاً يملك وحده التفويض الشعبي لرسم السياسة الخارجية، ولن يسمح بفرض روزنامة للسياسة الخارجية عليه من خارج رؤيته وتوقيته. ويبدو أن سرعة تحرك ترامب ستقرر الكثير. فالموقف الإيراني يبدو ثابتاً وحاسماً في عدم التساهل مع إقرار القانون باعتباره خرقاً فاضحاً للتفاهم حول الملف النووي، وستكون إيران أمام ردود بسقوف عالية تعيد طرح التفاهم حول الملف النووي على الطاولة، وفقاً لما علّق به قادة إيران على المشروع الذي أقرّه الكونغرس.
– في واشنطن محاولة لركب موجة شعبوية ترامب بما هو شعبوي فيها، لتحويلها من خطة خروج من الحروب إلى خطة تورّط فيها. ومتى تورّط بداعي الانسحاب من الحرب في ورطتها سيخرج دعاتها للقول، روما من فوق غير روما من تحت، والتورط في المواجهات قدر أميركا طالما أن دعاة التهدئة والخروج من المواجهات وجدوا أنفسهم في قلبها، وسيمنى بفشل ذريع شعبياً وسياسياً، خيار أمركة أميركا ودفعها للاهتمام بمشاكلها والتخلي عن سياسات التدخل لتخديم مصالح سعودية و»إسرائيلية»، بعدما فقدت الحروب أسبابها الأميركية.
(البناء)