القوميون إلى الانتخابات دُرّ
ناصر قنديل
– يشكل تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي في الحكومة واحدة من عقدتين عالقتين أمام تشكيل الحكومة الجديدة، ولكون العقدة الثانية تتصل بنوعية الحقيبة المسندة لممثل تيار المردة، تصير العقدة السياسية متصلة بتمثيل القوميين، وبها يتصل إلى حدّ كبير حجم الحكومة مع حرص القوميين على التمثل بوزير لا يضيّق الخناق على تمثيل الحليفين الأبرز في قوى الثامن من آذار أيّ الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله، فيصير وزير القوميين المفترض من النصف المسيحي للوزراء، ويصير الحجم المناسب لحكومة يتمثلون فيها ثلاثين وزيراً، ما لم يجبر الثنائي الشيعي على التنازل عن أحد وزرائه للقوميين في حكومة الأربعة وعشرين وزيراً، مع فارق أنّ تمثيلهم في حكومة الثلاثين يمنح الحكومة فرصة توليد قانون انتخابي جديد بزوال الثلث المعطل من ثنائي القوات والمستقبل وظهور نيات منفتحة لديهما على خيار الخروج من قانون الستين، بينما تمثيل القوميين في حكومة الأربعة والعشرين وزيراً يبقي الوضع على حاله والتوازنات على حالها لأرجحية بقاء قانون الستين وإمساك ثنائي القوات والمستقبل بالثلث المعطل، ويكون وجودهم تعبيراً عن تمسُّك حلفائهم بوجودهم وبصفة الحكومة كحكومة وحدة وطنية، ولذا يفضّل القوميون تمثيلهم ضمن حكومة الثلاثين فلا يحرجون الحلفاء ويكون للحكومة وظيفة سياسية تتصل بتوليد قانون جديد للانتخابات، فوق صفتها كحكومة وحدة وطنية.
– إصرار الحليفين في حزب الله وحركة أمل على تمثيل القوميين كشرط لولادة الحكومة حتى الآن يبقي فرص ولادة حكومة وحدة وطنية، بينما ترجمة تمسك التيار الوطني الحر بهذا التمثيل، بجعله من الحصة المسيحية أم من الحصة الشيعية بارتضاء أن يضحّي الحليفان من نصيبهما بدلاً من توسيع حجم الحكومة التي يُثقلها حجم تمثيل القوات الموسّع، سيقرّر هوية وصفة ومهمة الحكومة، كحكومة يولد منها قانون اتخابات جديد أو حكومة تدير انتخابات نيابية وفقاً لقانون الستين. وعلى نتيجة التمثيل بالمبدأ في الحكومة التي لم تكن قضية بهذه الأهمية بالنسبة للقوميين لولا ترافق ولادتها مع عهد جديد يأملون أنه عهد سقوط الفيتو عن قوى التغيير والقوى المناهضة للتقاسم الطائفي من جهة، ولولا ترافق ولادتها مع مهمة تتصل عضوياً باهتمام القوميين وهمومهم وهي وضع قانون جديد للانتخابات يرون كما يرى حلفاؤهم في أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر أنّ التمثيل النسبي كقاعدة للقانون ضرورة وحاجة وقيمة مضافة، يملكون ما يمنح الدعوة إليها صفتهم العابرة للطوائف، ولولا شأن ثالث مستجدّ لفت انتباههم، هو ترافق عيد تأسيس حزبهم وما حملته المشاركة السياسية والحزبية والشعبية اللافتة في بيروت ودمشق، مع حملة منظمة تستهدف الحزب بالتشهير والتجريح ومحاولات الشيطنة، ويقينهم أنّ لذلك صلة بتمثيلهم في الحكومة، وحرصهم أن يعبّر تمسك الحلفاء بهذا التمثيل عن درجة التضامن بوجه هذه الحملة الظالمة وغير البريئة، والتي للقوميين ما يقولونه عن مصادرها ومَن يقف وراءها ومَن يموّلها، ويهمّهم معرفة موقف الحلفاء منها عملياً من بوابة الحكومة وتمثيل القوميين فيها، وهو المستهدَف بالحملة.
– في مناسبات واستحقاقات عديدة كهذه يكشف القوميون عن عمق حياتهم الحزبية، وتجذّر المؤسسات، كما ظهر في عيد التأسيس، حيث وقف رئيس الحزب ومعه أكثر من رئيس سابق للحزب، وحرص الأمين أسعد حردان وهو الرئيس السابق
الذي كانت رئاسته موضوع طعن حزبي بعد تعديل الدستور، أن يكون موجوداً في احتفالَي بيروت ودمشق إلى جانب رفقائه الحزبيين ورئيس الحزب، بينما تنصرف المؤسسة الحزبية للاستعداد للانتخابات المقبلة بورش عمل وتشكيل ماكينات انتخابية من عكار إلى أقصى الجنوب، لخوض الانتخابات على أساس التمثيل النسبي إنْ تسنى ذلك، ولمنح المرشحين القوميين أصواتاً توصلهم للنيابة، حيث يتيسّر بالتحالفات المتاحة وفقاً لقانون الستين إذا تم فرضه كأحلى الأمرّين، بينه وبين التمديد للمجلس الحالي، ويمنحون الحلفاء أصواتاً مبدئية صافية حيث لا مرشحين قوميين، لكنهم في كلّ الأحوال يستعدّون لقياس ما سيحصد القوميون من أصوات في لبنان دائرة انتخابية واحدة، كتمهيد ليوم تكون فيه للنسبية ولبنان دائرة واحدة فرصة الحياة.
توضيح
– بمناسبة الحديث عن الطعن بتعديل دستور الحزب وقرار المحكمة، وما ظهرته من روح مؤسسية في الحزب سواء بقرار المحكمة وبالانصياع له، وما تبعهما من مواصلة طبيعية سلسة للحياة الحزبية، ذكّرني عدد من القوميين بمقالتي التي كتبتها في السادس والعشرين من تموز الماضي متسائلين عما إذا كنت فعلاً قد تناولت رئيس وأعضاء المحكمة باتهام يطال وطنيتهم وإخلاصهم بسبب قرارهم الأخذ بالطعن، وأستعيد الفقرة الوحيدة التي تناولتُ فيها القرار، في سياق الإشارة لقبول الرئيس يومها والمجلس الأعلى معه بنتيجة الطعن، لأقول قرّر الرئيس والمجلس الأعلى الرضوخ لقرار المحكمة، الذي قد يكون دستورياً صرفاً، وقد يكون سياسياً، وقد يكون استدراجاً من قوى تتربّص بالحزب تورّطت فيه المحكمة بحساب تظهير الأنا والاستقلال . وفي الاحتمالات الثلاثة حسن النية فمَنْ قراره دستوري صرف أوضح من التوضيح، ومَنْ قراره سياسي فهو ينتصر لفريق من الحزب على فريق من الحزب نفسه يتخاصمان في السياسة الأمثل للحزب، ومَنْ قراره بحساب تظهير الأنا والاستقلال فتورّط في استدراج قوى تتربّص بالحزب، فعل بحسن نية ما يراه تعبيراً عن استقلال القضاء الحزبي عن السلطة الحزبية، رغبة بتأكيد تميّز القوميين في مؤسساتهم، من دون الانتباه لوجود قوى تتربّص بالحزب استدرجته بهذا الداعي. وفي الحالات الثلاث حسن النية ثابت، وإلا كيف يرد الاحتمال الأول بأن يكون الأمر دستورياً صرفاً ويكون المعنيون موضوع شبهة؟ بالتأكيد هذا أمر غير وارد، ونحن لا نقبل النيل من صدق خلفية ووطنية أحد من غير القوميين إلا بثبوت الأدلة، لأنّ عكس ذلك كفر وجريمة، فكيف بالحال مع القوميين، ومَن هم منهم في موقع المسؤولية، في حزب أجلّ وأحترم، وأكثر ما أجلّ وأحترم فيه هذه الروح المؤسسية.