مقالات مختارة

10 جبهات لإنهاء المسلحين و«انهيار جهادي» نصف شرق حلب في قبضة الجيش علاء حلبي

 

نصف أحياء شرق حلب باتت في يد الجيش السوري خلال أقل من عشرة أيام على بدء توغله البري فيها. جبهات جديدة فتحها الجيش بعد إنهاء المرحلة الأولى من العملية التي نتجت منها السيطرة على الشطر الشمالي من أحياء شرق المدينة، ليتركز ما تبقى من مسلحين في القسم الجنوبي لطريق المطار الفاصل بين تلك الأحياء.

جبهة جديدة فتحها الجيش السوري في المرحلة الثانية انضمت إلى تسع جبهات أخرى، اذ تحركت قوات المشاة تحت غطاء ناري كثيف في خاصرة حلب الجنوبية، فتوغلت في منطقة الشيخ سعيد التي تمثل بوابة واسعة على الأحياء الجنوبية. ساعات قليلة كانت كافية للسيطرة على المنطقة التي تمثل خط الدفاع الأول بالنسبة للمسلحين على الجبهة الجنوبية، ما يعني أن استعادتها تفتح الباب على مصراعيه أمام تهاوٍ سريع لمعظم المناطق التي يتمركز فيها المسلحون في الوقت الحالي. وبهذا التقدم، تنضم الشيخ سعيد، التي يحاول المسلحون استعادتها بشن هجمات مضادة، إلى أحياء الحيدرية والصاخور والإنذارات والشيخ خضر وجبل بدرو والهلك وسليمان الحلبي ومحيطها وبستان الباشا، وهي أحياء سيطر عليها الجيش السوري منذ بدء العمليات.

وبينما كانت قوات المشاة تتقدم بوتيرة سريعة عبر الجبهة الجنوبية الجديدة، أعلنت فرنسا نيتها عقد اجتماع يضم الولايات المتحدة ودولا أوروبية وعربية «ترفض منطق الحرب الشاملة في سوريا» في العاشر من الشهر الحالي في باريس.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت خلال مؤتمر صحافي: «لا حوار مع الأسد»، في ما يبدو أنه رد ضمني على مرشح اليمين الفرنسي الى الانتخابات الرئاسية فرانسوا فيون، الذي تحدث عن وجوب التحاور «مع الجميع» في سوريا، بمن فيهم الرئيس السوري وحليفته روسيا.

انهيار «جهادي»

وفي وقت طالب فيه «رئيس المجلس المحلي» للمناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في حلب بريتا حاجي حسن، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ايرولت، بفتح «ممرات آمنة على الفور ليتمكن حوالي 250 ألف مدني من مغادرة المنطقة»، رفض قيادي في فصيل مسلح فكرة الخروج من أحياء حلب، ونقلت وكالة «رويترز» عن رئيس المكتب السياسي لفصيل «فاستقم» زكريا ملاحفجي قوله، إن الفصائل المقاتلة شرق حلب ترفض فكرة الانسحاب، وستستمر في القتال.

وتأتي هذه التصريحات في وقت أكدت مصادر عسكرية سورية لـ«السفير» أن عدة فصائل مسلحة تواصلت خلال الأيام الثلاثة الماضية مع قيادة العمليات العسكرية في حلب لبحث إمكانية خروجها.

وذكر المصدر أن اجتماعين عقدا يومَي الاثنين والثلاثاء في المدينة بحضور ضباط روس، ولكن من دون التوصل إلى نتيجة تذكر، مرجحاً أن يكون سبب عدم التوصل إلى اتفاق هو «ضغط الدول الراعية للفصائل لمنعها من الخروج مهما كلف الأمر».

كذلك، عُقدت اجتماعات بين قادة فصائل مسلحة وممثلين لروسيا في أنقرة لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق حول حلب، وذكرت وكالة «فرانس برس» أن اللقاء الذي حضره عدد من قادة الفصائل غابت عنه «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، علماً أن «جبهة النصرة» تقود عمليات الفصائل في أحياء حلب وتُعتبر القوة الأبرز بينها.

وذكرت وكالة «الأناضول» أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هاتفياً الأوضاع في حلب، مشيرة إلى أنهما اتفقا على تسريع الجهود لوقف الاشتباكات وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين. ومن المقرر أن يجري وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف محادثات في أنقرة اليوم.

ويبدو أن حالة تخبط كبيرة تعيشها الفصائل المسلحة في الوقت الحالي، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات المطالبة بخروج تلك الفصائل من أحياء حلب. وأوضحت مصادر أهلية لـ «السفير» أن تظاهرات عدة شهدتها الأحياء التي تسيطر عليها الفصائل خلال اليومين الماضيين، حيث طالب المتظاهرون بخروج المسلحين وتجنيب الأحياء مزيداً من الدمار.

وعلى الرغم من تعنّت «جبهة النصرة» ورفضها الخروج من أحياء شرق حلب، أكدت مصادر «جهادية» أن حالة «فقدان للأمل تعيشها جبهة النصرة في الوقت الحالي»، وهو ما ترجمه عبد الله المحيسني، القاضي الشرعي في «جيش الفتح» الذي تمثل «النصرة» عموده الفقري، بسلسلة تغريدات على موقع «تويتر» اعترف خلالها بالفشل في حلب، محملاً «قادة الفصائل مسؤولية هذا الفشل بسبب عدم توحدهم»، وتابع «عذراً أهلنا في حلب تفرُّق القادة خَذَلنا وخَذَلكم».

العقدة الأصعب

على الرغم من التقدم السريع للجيش السوري والسيطرة على نحو نصف الأحياء التي كانت تحت سيطرة المسلحين، تُمثِّل الأحياء التي ما زالت تسيطر عليها الفصائل المسلحة العقدة الأصعب في عمليات الجيش.

في هذا السياق شرح المحلل السياسي، وابن مدينة حلب، محمد كمال جفا أن «الأحياء التي يسيطر عليها المسلحون حاليا تعتبر ذات كثافة سكانية عالية»، مضيفاً «في هذه الأحياء أبنية متراصة، ما يعني أن اقتحامها يتطلب التحول إلى قتال الشوارع، وهو أمر سيحتاج المزيد من الوقت».

ورأى جفا أن السبب الرئيسي لسيطرة الجيش السوري السريعة يعود إلى «ضرب مراكز عمليات المسلحين ومخازن الأسلحة، ما جعلهم يقاتلون قتالاً منفرداً من دون تنسيق، الأمر الذي سهّل مهمة الجيش».

وبالإضافة إلى الطبيعة العمرانية للأحياء المتبقية، تعتبر عقدة أحياء حلب القديمة مشكلة أخرى قد تعرقل تقدم وحدات الجيش السوري السريعة، لذلك يرى جفا أن الحل الأمثل هو في خروج المسلحين وإنهاء معاناة المدنيين، وذلك في ظل انعدام الفرص أمام المقاتلين.

الأهالي يتابعون الخروج

وبالتوازي مع العمل العسكري، تولي قيادة العمليات اهتماماً بالغاً بالمدنيين العالقين في تلك الأحياء، حيث تستمر عمليات إجلاء المدنيين من مناطق التماس إلى مراكز تم تجهيزها في قرية جبرين وفي منطقة الشيخ نجار في المدينة الصناعية. وذكر مصدر إغاثي أن عدد المدنيين الذين تم إجلاؤهم تجاوز الثلاثين ألف شخص، فيما قدَّرت روسيا عدد المدنيين الذين تم إخراجهم من الأحياء بنحو 18 ألف شخص.

وفي هذا الإطار، استنفرت مديرية صحة حلب وعدة منظمات إغاثية لتلبية احتياجات المواطنين، كما تم تأمين عشرات الحافلات التي نقلت السكان، بالإضافة إلى عدة سيارات إسعاف.

واستقبلت مشافي حلب عشرات الحالات لمواطنين يعانون من إصابات، بالإضافة لحالات صحية «حرجة». كذلك شاركت روسيا في تقديم الدعم الصحي للمواطنين، وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن طائرات نقل عسكرية تقل أفراد مفرزة طبية خاصة وآليات وأجهزة طبية خاصة، أقلعت متوجهة إلى سوريا، موضحة أن المستشفى الروسي المتنقل المحمول جواً يضم أقساماً عدة، بينها قسم مخصص لمعالجة الأطفال، وقسم جراحة ووحدة للعناية المركزة، ومختبر معني بتشخيص الأمراض ووحدة أشعة.

جلسة طارئة لمجلس الأمن

عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة أمس دعت إليها فرنسا بسبب ما أسمته «الكارثة الإنسانية» في حلب. وأكد مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أن مبادرته بشأن حلب لا تزال مطروحة، موضحاً أن «المنطق العسكري هو السائد بين أطراف الصراع في حلب، وعلى مجلس الأمن أن يتحرك تجاه من يخرق القانون».

المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة فرانسوا دولاتر ندد بـ «وحشية كبيرة تسود الهجوم الحالي للنظام» في حلب، مؤكداً أن «باريس وشركاءها لا يمكنهم البقاء صامتين إزاء ما يمكن أن يكون واحدة من أكبر المجازر بحق مدنيين منذ الحرب العالمية الثانية»، فيما قالت المندوبة الأميركية سامنثا باور إن «المجلس لا يرد على نداءات مساعدة المدنيين (في حلب) لأن روسيا لا تريد ذلك»، فيما اعتبر المندوب البريطاني ماثيو رايكروفت أن «هذا المجلس كان عاجزاً تماماً عن التحرك، لماذا؟ لأن روسيا استخدمت الفيتو ايضا وايضا».

من جهته، كرر المندوب الروسي فيتالي تشوركين ضرورة مواصلة «عملية مكافحة الإرهاب» في حلب، متهماً الولايات المتحدة بعدم الإيفاء بوعدها بـ «فصل الناشطين الذين يعتبرون معتدلين عن إرهابيي جبهة النصرة». واتهم الغرب بالعمل على «إنقاذ الإرهابيين» و «استخدام مشاكل إنسانية لأغراض سياسية».

وحذر مسؤول العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن اوبراين من أن القسم الشرقي من حلب قد «يتحول الى مقبرة ضخمة» إذا لم تتوقف المعارك، واستمر الحؤول دون إيصال المساعدات الإنسانية الى السكان.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى