مقالات مختارة

الفيلق الخامس: تنسيق رباعي.. و«حلقة مرصّعة» من «حزب الله» عبد الله سليمان علي

 

«الفيلق الخامس ـ اقتحام» ليس مجرد قوة جديدة تُضاف إلى منظومة قوات الجيش السوري والقوى الرديفة والحليفة له، بل أكثر من ذلك، هو نقطة انعطاف هامة على صعيد العلاقة التي تربط بين القوات المتحالفة ضمن المحور الواحد، كما على صعيد التنظيم والتنسيق وتوزيع المحاور.

ففي الوقت الذي تتسارع فيه الجهود لإنجاز تشكيل الفيلق والزجّ به في أولى مهماته على الأرض، هناك جهود موازية عسكرية وفنية وقانونية لزيادة التنسيق بين مختلف التشكيلات التي تتبع الجيش السوري أو غيره من القوى الرديفة والحليفة، كما لمنع بعض الأخطاء التي اكتُشف حدوثها نتيجة تجارب ميدانية سابقة، حيث تخلل بعض المعارك ضعفٌ في التنسيق أو ثغرات في تنفيذ الخطط. وكذلك لإحاطة العمل العسكري في سوريا بضمانات تحمي الجنود ومستقبل عوائلهم وتضمن حقوق الشهداء والجرحى على نحو يعزّز الروح المعنوية لدى الجنود ويرفع عن كاهلهم أعباء الموازنة بين واجباتهم تجاه أسرهم أو تجاه وطنهم، ويحرّرهم بالتالي من العديد من القيود التي كانت تمنع مجموعات منهم من التفرّغ الكامل للجهد العسكري جسدياً وعقلياً ونفسياً.

ويمثل تشكيل «الفيلق الخامس ـ اقتحام»، أو هكذا يفترض أن يكون، ذروة التعاون والتنسيق بين الرباعي سوريا وإيران وروسيا و «حزب الله» بعد عام ونيّف من التدخل الروسي في سوريا، والذي تزامن آنذاك مع تشكيل «الفيلق الرابع – اقتحام»، غير أن بعض التجارب الميدانية والمعارك التي خيضت منذ ذلك الوقت، كشفت عن وجود بعض الأخطاء، وعن مستويات غير كافية من التنسيق في بعض الأحيان. وكانت جميع هذه الأخطاء أو حالات ضعف التنسيق تخضع لدراسة من قبل الأطراف المعنية لوضع سبل لحلها وعلاجها، وهو ما يفترض أن يتجلى مع دخول الفيلق الخامس إلى حيّز العمل الميداني بعد إتمام تشكيله.

ويجري تشكيل القوة الأساسية للفيلق الخامس من مزيج يضم العديد من المجموعات المقاتلة على الأرض والتي أصبح لديها خبرات قتالية عالية، مع مجموعات من المتطوعين الجدد أو مقاتلين سابقين في فروع الدفاع الوطني التي جرى حلّ بعضها مؤخراً. ويشبّه البعض تشكيل الفيلق بأنه أشبه بتشكيل نواة لـ «حشد وطني» سوري يستقطب متطوّعين من مختلف مكونات الشعب السوري ولا سيما أبناء المنطقة الشرقية، وتكون مهمة هذه النواة خوض المعارك الكبرى ضد إرهاب «داعش» و «جبهة النصرة» وأخواتهما فوق الأراضي السورية.

ومن المتوقع أن تشكل قوات «صقور الصحراء» و «لواء القدس» رأس حربة الفيلق الخامس وقوته الضاربة، من «المتطوعين». أما من الجيش، فهناك العديد من وحدات النخبة التي ستنضم إلى الفيلق، وذلك في حال سارت الأمور كما هو مخطط لها. كما ستنضم إلى الفيلق مجموعات أخرى يجري العمل على تجميعها حالياً في عدد من مراكز التطوع المفتوحة في مقار محددة في مختلف المدن السورية.

وفي إجراء يدلّ على أن التنسيق بلغ مستويات متقدمة وقد تجاوز بالفعل العديد من العقبات السابقة، من المتوقع أن يكون لبعض القيادات العسكرية في «حزب الله» دور أساسي في قيادة مجموعات من المقاتلين ستنضمّ إلى الفيلق الخامس ويجري حالياً العمل على تجميعها أو إعادة تجميع ما حُلَّ منها في عدد من المحافظات، بإشراف مباشر من قبل عدد من «الحجاج» وهو اللقب المتعارف عليه الذي يطلق عادةً على قيادات «حزب الله» التي تتولى الإشراف على بعض المجموعات القتالية.

وبالرغم من أن «حزب الله» لديه مئات المستشارين في سوريا، عدا عن آلاف المقاتلين على الأرض، إلا أن المعلومات التي حصلت عليها «السفير» تؤكد أن المستشارين الذين سيعملون مع الفيلق الخامس هم من «الحلقة المرصّعة» في «حزب الله» ممن يتمتعون بخبرات عسكرية عالية وإمكانات قيادية نوعية، وهو ما يعتبر خطوة متقدمة من «حزب الله» في تعزيز مشاركته في الحرب السورية. ولن تقتصر مساهمة الحزب على قيادات «الحلقة المرصّعة» وحسب، بل هناك قوة جديدة من قوات النخبة في «حزب الله» انضمت مؤخراً إلى إحدى جبهات القتال في سوريا من المفترض أن تعمل إما تحت راية الفيلق الخامس أو بالتنسيق العملياتي المباشر معه.

ويفترض أن يتجاوز الفيلق الخامس بتشكيله وتنظيمه واسلوب عمله عقبة الثنائيات التي ظهرت خلال مسارات الحرب السورية بين بعض المجموعات القتالية المتحالفة أو الرديفة للجيش السوري، وكذلك بين بعض الأفرع الأمنية التي تقود مجموعات قتالية تعمل باسمها مثل الأمن العسكري والاستخبارات الجوية. وبدلاً من أن يؤدي التنافس بين هذه المجموعات إلى عرقلة العمل أحياناً، أو على الأقل إلى سوء تنفيذه وإن حقق في النهاية إنجازات على الأرض، لكنه في ظل عيوب التنافس كان يؤدي إلى خسائر غير محسوبة أو متوقعة، فالعمل جارٍ على تنظيم هذا التنافس عبر توزيع محاور القتال، بحيث تتولى المجموعات المتناسقة مع بعضها قيادة محور عمليات يختلف عن محور عمليات لمجموعات أخرى. ومن المؤمل أن يدفع توزيع المحاور بهذا الشكل إلى حثّ المجموعات القتالية إلى التنافس في ما بينها لتحقيق إنجازات أكبر على الأرض، وليس حدوث تضارب أو سوء تنسيق يؤثر على فاعلية العمل ونتائجه.

ويجري العمل بسرعة متزايدة على إتمام تشكيل الفيلق الخامس حيث يأمل القائمون على تشكيله أن ينجزوا المهمة بأسرع وقت على ألا يتجاوز سقف بداية العام الجديد. وسوف يُزج بالفيلق أو وحدات منه في جبهات القتال فور تشكيله، لأن القسم الأكبر من المنتسبين إليه لديهم خبرات قتالية ولا يحتاجون للقيام بأي دورات تدريبية. هذا عدا عن أن بعض القوات التي يفترض أن تنتسب إلى الفيلق تخوض بالفعل حالياً معارك في بعض المناطق، بعضها مصيرية، كما في أحياء حلب الشرقية.

وفيما ستستمر التشكيلات في المعارك التي تخوضها فعلياً على بعض الجبهات المشتعلة، فإنه من الصعب التنبؤ بالمهمة الأولى التي سيكلف بها الفيلق الخامس. لكن من خلال توزع جبهات القتال وتحشيدات الجيش السوري في مدينة حلب وريفها، فمن المستبعد أن تكون حلب هي وجهة الفيلق الخامس، لأنها لم تعد بحاجة إلى اي تعزيزات جديدة. كما أن جبهة الجنوب ساكنة وشبه هادئة باستثناء بعض الاشتباكات التي تقدم يوماً بعد يوم دليلاً إضافياً على عجز الفصائل المسلحة عن تحقيق أي خرق نوعي في المنطقة. وكذلك فإن جبهات دمشق العاصمة تشهد انفراجاً كبيراً بفعل اتفاقات التسوية التي أخرجت الفصائل المسلحة من غالبية مناطق حزام المدينة. لذلك يبقى هناك خيارات محدودة هي جبهة ريف حمص الشمالي أو مدينة إدلب أو محافظة الرقة. ويبدو الاحتمال الأخير أي محافظة الرقة هو الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة التي تشهد استقطاباً إقليمياً ودولياً لحسم مصير المحافظة بعيداً عن سلطة الحكومة السورية.

ويحظى الفيلق الخامس بدعم وتمويل كبيرين، وهو ما سينعكس على رواتب جنوده وضباطه إذ من المفترض أن يصل راتب الجندي إلى مئة ألف ليرة سورية أي حوالي مئتي دولار، ويصل راتب الضابط بحسب الرتبة التي يحملها حتى 400 دولار أي مئتي ألف ليرة سورية.

وبحسب عقد الانتساب إلى الفيلق الذي يوقع عليه المتطوّعون، فإن المنتسب يعامَل معاملة الجندي في الجيش العربي السوري وله حقوقه ذاتها عند الاستشهاد أو الاصابة. وأهمها الحصول على تعويضات مالية والمعالجة على حساب الدولة في المستشفيات التابعة لوزارة الدفاع، وهي من الأمور التي كان يشكو منها المنتسبون إلى الدفاع الوطني.

وفيما يتوقع أن يؤدي إتمام تشكيل الفيلق الخامس والزج به في ساحات المعارك إلى تغيير في موازين القوى وكسر لمعادلات السيطرة في بعض المناطق، فإن هذا الفيلق سيكون اختباراً عملياً لمدى الانسجام بين أركان التحالف الرباعي دمشق وطهران وموسكو و «حزب الله»، ومدى قدرتها على تجاوز العقبات التي اعترضتها سابقاً وتفادي الأخطاء التي وقعت بها، والانطلاق نحو عمل عسكري منسجم ومتناغم يحقق نتائجه بأسرع وقت وبأقل خسارة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى