ترامب والتحدي الصيني
غالب قنديل
أجرى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب اتصالا بالرئيس الصيني، واتفقا على لقاءات لاحقة. هذا ليس كافيا لكسر سمّ الحملة العدائية الكبيرة، التي شنّها ترامب في حملته الانتخابية ضد الصين، وهو يركز على الموضوع الاقتصادي من زاوية اكتساح البضائع الصينية للأسواق الاميركية، وتحطيمها لمنافسيها داخل الولايات المتحدة .
لا شك أن هذه القضية هي المحرّك لمعظم الحملات، التي شُنّت ضد الصين في الولايات المتحدة، وهي الدّافع الرئيسي للتحريض، الذي مارسه المحافظون الجدد عليها، ودفعوا من خلاله الى تصعيد عسكري في بحر الصين الجنوبي، والذي كانت تقوده داخل الإدارة الأميركية هيلاري كلينتون، عندما كانت وزيرة للخارجية، فهي التي صاغت نظرية “محور الصين”. وبناء على هذا المفهوم العقائدي تحركت الأساطيل، وقام باراك اوباما بزيارات الى مجموعة من الدول المحيطة بالصين، في محاولة لتكوين شبكة من الحلفاء، الذين يشتركون في العداء للصين، ولكبح صعود القدرات الصينية الهائلة اقتصاديا واستراتيجيا، وحتى عسكريا، من خلال التحالف مع الولايات المتحدة والعمل بقيادتها.
ترتبط الصين بعلاقات اقتصادية ومالية وثيقة بالولايات المتحدة، وهي تحمل القسم الأساسي من سندات الخزينة الأميركية، التي قد يمثل طلبُ حسمها، في لحظة مفاجئة، مفتاحا لزلزال انهيارات مالية شاملة في الاقتصاد الأميركي، وهذه لحظة يخشاها الكثير من الأميركيين والصينيين معا، وهناك نوع من الحرص المتبادل على عدم الوصول الى المجابهة.
يطرح دونالد ترامب فكرة تقييد التبادل التجاري الصيني الأميركي، وهو يتحدث عن فرض رسوم تقيّد دخول البضائع المنتجة في الصين الى الأسواق الاميركية، حتى تلك التي تنتجها شركات أميركية انتقلت بمعاملها الى الصين لانخفاض الكلفة، وغياب الشروط المشددة في مواضيع البيئة وسواها، مما يوسع هامش الأرباح التجارية، ويسمح بوصول السلع المنتجة من الصين بأسعار تنافسية الى داخل الولايات المتحدة.
المواجهة التي يجب ان يخوضها دونالد ترامب في التعامل مع التحدي الصيني تتناول مجموعة من المحاور:
سيكون الرئيس الأميركي مضطرا لإجراء مفاوضات مع الصين، وفي هذه المفاوضات ليست الولايات المتحدة في موقع القوة على الصعيد الاقتصادي، ولا على الصعيد العسكري، فالأسطول الصيني صار موجودا في البحار، والحلف الذي أنشأه ثنائي اوباما – كلينتون لمواجهة الصين لم يعد بالصلابة التي تخيلاها، خصوصا بعد خروج الفليبين من القطار الأميركي.
يقتضي التفاوض الاقتصادي طرح أوراق القوة بيد كل من الطرفين المتقابلين، وبالتالي لا تستطيع الولايات المتحدة اليوم ان تتراجع عن فكرة الحدود المفتوحة، من غير أن تخسر هي أيضا فرصا، أتاحتها لها موجة العولمة، التي فرضت واشنطن الإذعان لمتطلباتها على جميع دول العالم. السؤال هنا، ماذا ستفعل الشركات الأميركية بالتعاطي مع الأسواق، التي قد تُقفل في وجهها، بدوافع حمائية، تماما كالتي يطرحها دونالد ترامب إزاء البضائع الصينية؟.
إن لعبة عض الأصابع تجري بين طرفين، وكما بيد الولايات المتحدة أدوات للضغط، كذلك الأمر بالنسبة للصين. وساحات المنافسة بينهما كبيرة وشاسعة وعابرة للقارات. صحيح ان سندات الخزينة الأميركية التي تملكها الصين هي كناية عن أموال صينية تدعم الاقتصاد الأميركي، ولكن المطالبة بتلك الأموال، ومن غير أي تدبير آخر، قد تدحرج أزمة خطيرة، قابلة للانفجار في أي لحظة، وعلى الولايات المتحدة أن تضع في حسابها هذا الاحتمال، إضافة الى احتمالات أخرى، ولا سيما أن للصين القدرة على حجب الكثير من الموارد والأسواق عن الولايات المتحدة.
في الحصيلة سيكون ترامب مضطرا الى إجراء مساومات مع القيادة الصينية وصولا الى تسويات مقبولة من الطرفين، وعليه أن يقرر حدود التراجع عن سياسة تحرير التجارة العالمية والأسواق المفتوحة، التي عمت العالم خلال ولاية بيل كلينتون. وفي هذا الإطار سيضطر ترامب لدراسة العواقب، وستكون الولايات المتحدة أمام ارتدادات وانعكاسات، تؤثر على تجارتها مع سائر دول العالم، فهي في موقع المصدِّر وليس فقط في موقع المستورد والمستهلك.
إنها معضلة كبيرة ومعقدة يطرحها الرئيس الأميركي، وسيكون على إدارته أن تسعى الى بلورتها وصياغتها بالإجراءات والتدابير. لكن مجابهة الصين ليست سهلة، ولا هي نزهة، وعليه ان يتحسب للتكاليف الكبيرة، التي قد تجلبها مثل هذه المغامرة .