بقلم ناصر قنديل

حزب الحياة لا يشيخ

 ناصر قنديل

 – يحيي القوميون عيد ميلاد حزبهم اليوم، وقد تخطت سني العمر ثمانية عقود، وتطلّ «البناء» بالمناسبة لتحمل للقوميين عيديتهم، بتغطية خاصة لفعاليات المناسبة ومقاربات فكرية وسياسية من وحيها، والحزب السوري القومي الاجتماعي اليوم ليس مجرد ذكريات حزب عريق، كحال الكثير من أحزاب الأرشيف السياسي التي كانت مع ولادته، أو قبلها أو بعدها توازيه أو تزيده حضوراً ووزناً، وصارت اليوم جزءاً من ذكريات مضت، أو وجوداً رمزياً يصعب تلمّس حضوره وتأثيره في حياة المجتمع، بعدما أخليت الساحة وفقاً لقاعدة تعاقب الأجيال لأحزاب جديدة، لا يتجاوز عمرها الخمسين، وبعضها الثلاثين، كما هي الحال في كلّ بلاد العالم، إلا حيث الأحزاب أطر حكمية لتداول محصور النطاق دستورياً بينها، لتداول السلطة، كحال بريطانيا وأميركا، حيث المحافظون والعمال أو الجمهوريون والديمقراطيون، يقعان خارج نطاق البحث لأسباب لا تتصل بمصادر قوة خاصة بتكوين وبرامج وحيوية الأحزاب، بل بقواعد لعبة السلطة في البلدين، بينما في سائر بلدان الشرق والغرب حول العالم، تكاد تكون الأحزاب التي تخطت خمسينيات العمر في شيخوخة وعجز، وبداية أفول، إلا ما ندر فهو بقوة ما يمثل يتجدّد ويستوعب المتغيّرات، لا يكاد يخرج من معادلة القوة إلا ليحضر بمعادلة قوة أخرى، ولا تنجح محاولة لإقصائه أو شطبه إلا ويطلّ بمصادر قوة متجدّدة تجعله عصياً على الشطب والإقصاء.

– في الرابعة والثمانين يظهر جسم الحزب السوري القومي الاجتماعي شاباً فتياً، بقياس ملاقاته للتحديات، التي لا يتخطى عمر حضورها الظاهر سنوات قليلة، ذلك أنه استشرف قدومها وجعلها في صلب التحديات، وقلب المهمات، فهو حزب الدفاع عن النسيج الوطني قبل ظهور مشاريع التفتيت، وكلها سواء عنده كمتفرعات لسايكس ــ بيكو بمسمّيات جديدة، فالتشقق الكياني لاستيلاد فواصل وهمية بين أهل البلاد الواحدة، لا يختلف عن التشقق المذهبي والطائفي والعرقي الذي يُراد له أن يشقق هذه الكيانات، ووحدة المصير والمسار والتطلعات كانت وتبقى في أصل تأسيس حزب لا يعترف بالفوارق الكيانية والدينية والعرقية، كأسباب للتفرقة والتجزئة، بل يراها مصادر ثراء للثقافة الواحدة، والحضارة الواحدة، وروافد في النهضة الواحدة، طالما أنّ الهوية في عقيدته واحدة. وهو حزب المقاومة قبل ولادة الكيان الغاصب لفلسطين، وحكماً قبل احتلال أجزاء غالية من التراب الوطني والقومي تحت الاحتلال، وقبل أن تصير المقاومة حاجة وجودية بعد أن تطلع إليها كمشروع مستقبلي وقائي من المخاطر الداهمة. وهو حزب الدولة المدنية التي لا تميّز بين مواطنيها إلا وفقاً لمعايير المواطنة، وقبل أن تصبح الدولة المدنية وصفة خلاص من مشاريع حروب أهلية حاضرة، ويوم كانت نظرة الآخرين إليها كترف فكري كان يراها مدماكاً يؤسّس عليه مشروعه للنهضة.

– يقارب القوميون حضورهم في ساحة مقاومة الاحتلال إلى جانب قوى المقاومة الحية التي نهضت لهذه المهمة الجليلة، وبذلت الدماء والأرواح بلا تردّد في مسيرة إعلاء شأنها، من موقع عقائدي، لا تشوّشه السياسة. فالمقاومة للمشروع الصهيوني أول أولويات القوميين، من حضورهم في لبنان وسورية والعراق وفلسطين والأردن، ونضالهم لنهضة في هذه الساحات تجعل المقاومة مشروع أمة، ولذلك تميّز بعيون القوميين، مشروع الدولة في سورية بقيادة الرئيسين حافظ الأسد وبشار الأسد، لأنّ المقاومة شكلت ركيزة من ركائز استراتيجية قيام الدولة، كما تميّزت الأحزاب التي جعلت المقاومة قضيتها، فكانت علاقتهم المميّزة مع حركة أمل وحزب الله من هذا الموقع. ومن هذا الموقع تفاعل القوميون مع ثبات وصمود إيران وروسيا في وقفتهما مع سورية كقلعة من قلاع المقاومة، تواجه خطر الاستهداف، كما قارب القوميون حضورهم في ساحات مواجهة مخاطر التفتيت التي يحملها المشروع الوهابي التكفيري الذي شكل عبر متفرّعات تنظيم القاعدة، الجيش الاحتياطي للمشروع الصهيوني في استهداف قلاع المقاومة وقواها، والسير بخطط التفتيت والتقسيم التي رسمها المشروع الأميركي الصهيوني وفقد القدرة على ضخ الدماء اللازمة في شرايينها، فاستُحضر هذا الجيش الاحتياطي لبذل الدم بالوكالة، واستثارة النعرات والفتن وتسعير نار التفتيت على أساسها وعلى خطوط تماسها، فوقف القوميون بالدم والسلاح، كوقفتهم بوجه الاحتلال، يقاومون ويبذلون التضحيات بلا تردّد، وعيونهم إلى الأمام لا يلتفتون إلى خلفهم، وثرثرات صالونات السياسة المترفة، ولا يصغون لأبواق التشويش والتشويه، يعرفون بثقة قيمة ما يفعلون، كمسؤولية طبيعية تمليها عقيدتهم التي رسمتهم شهداء لساحات هذه الحرب منذ أقسموا يمين الولاء لحزبهم.

– يقف القوميون أمام المشهد اللبناني بكلّ صدق وشرف مع الساعين مثلهم بصدق وشرف لقيام دولة جدية حقيقية حديثة، تنهي زمن المزارع الطائفية، وتطوي زمن المقاطعجية، وتأخذ لبنان لحياة سياسية نظيفة تقودها أحزاب تتنافس ببرامجها، ورؤاها، وما تقدّمه في ساحات التضحيات، ويرون بوصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، فرصة حقيقية لوضع الحجر الأساس لهذا الانتقال، ويثقون بصدقه وبالتزامه بدولة مدنية، وبقانون انتخاب عصري قاعدته التمثيل النسبي، ويساندون ولادة سريعة لحكومة تنهض بمؤسسات الدولة، وتسارع لإقرار قانون يعتمد النسبية لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، ويراقبون المواقف المتباينة تجاه تمثيلهم في حكومة وحدة وطنية، من موقع مخالف للعبة المحاصصة، وهم رقم صعب لا تستوعبه معادلات الطوائف، يراقب القوميون المواقف، ليشهدوا للأوفياء، وليكشفوا صدق النيات نحو قانون عصري للانتخابات، ويعلمون كم وكيف يسعى أصحاب المصالح الطائفية المريضة لاغتيال فرص ولادة هذا القانون وربما الانتخابات أيضاً، وكيف يريدون حكومة على مقاس مناسب لهذا الاغتيال فيكشفهم عداؤهم للقوميين، وسعيهم لاستبعادهم، ليس لحجم ما سيناله القوميون في الحكومة، بل لرمزية ما يمثله القوميون في النصاب والخطاب، تجاه القضية والمهمة، قضية بناء الدولة، ومهمة إنجاز الانتخابات النيابية في موعدها وفقاً لقانون يعتمد التمثيل النسبي.

– في عيد تأسيس حزبهم يزداد القوميون ثقة بصواب النهج، وسلامة المسيرة، ويجدّدون عهدهم لشهداء يسقطون كلّ يوم في حمص وحلب ودمشق وريف اللاذقية ودمشق والقنيطرة والسويداء وحماة وريفها، بمثل ما كانوا قبل سنوات يجدّدون العهد لشهدائهم في بيروت والجنوب والجبل والشمال، فيجدّدون العهد لمؤسّس حزبهم، بالبقاء خارج مزارع العصبيات، حزباً للعقل والهوية الجامعة والمقاومة الحاضرة في كلّ ميدان وساح، لا يغادرون منزل العقيدة ولا يلقون السلاح، وشعارهم حزب الحياة لا يموت ولا يشيخ ولا يتقاعد ولا يرتاح.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى