مقالات مختارة

تركيا وترامب: ارتياح.. وتفاؤل حذر محمد نور الدين

 

لا يُمكن للرئيس الاميركي الجديد أن يقف مُخالفاً بالكامل لتوجّهات المؤسسة الجمهورية خصوصاً في القضايا الرئيسية. ولذلك، يُمكن توقّع أن ينضبط الرئيس الجديد ويكون على رأس سياسة «جمهورية» تنسجم مع السياسات «الوطنية» ككل في القضايا الخارجية تحديداً التي تتباين فيها الأساليب بين الجمهوريين والديموقراطيين، لكن الأهداف تبقى واحدة هي هيمنة الولايات المتحدة على العالم والحفاظ على غلبتها وتفوّقها وسحق الأعداء والإمساك بالتوازنات سواء بالقوة العسكرية أو بالقوة الناعمة.

ليست المُغامرات العسكرية الخارجية هي المعيار لتشدّد أو مرونة أي رئيس أميركي. فالرئيس الأميركي بيل كلينتون سجّل أكبر ضربة للقضية الفلسطينية ولوحدة الصفّ الفلسطيني بالاتفاقيات التي رعاها من أوسلو إلى وادي عربة. أما الرئيس باراك اوباما، فربما هو الرئيس الأميركي الأخطر في العقود القليلة الماضية، حيث ظهر في عهده «الربيع العربي» الذي ألحق أكبر خراب بالعرب والمُسلمين من داخلهم منذ أكثر من قرن ومن دون أن تُراق (مجازا) نقطة دم أميركية واحدة، حيث اعتمدت إدارة أوباما على وكلاء إقليميين أو محليين من دول أو مجموعات وتنظيمات مُسدياً بذلك أكبر خدمة إلى أمن الكيان الصهيوني.

لذلك، فإن توقّع ما الذي يُمكن أن يفعله دونالد ترامب، وما إذا كانت المُسالمة والتوافق التي يعد بهما، هي على شاكلة نهج أوباما التدميري، أم يلجأ إلى أساليب أخرى أم غير هذا وذاك.

ولا شك ستحتلّ تركيا مكاناً بارزاً في سياسات ترامب الخارجية، لأنها واسطة عقد في سياسات الغرب والأطلسي المشرقية وفي الصراع الدولي. لذلك، كان الأتراك يترقّبون نتائج الانتخابات على أحرّ من الجمر.

هناك ثوابت في سياسات أميركا والغرب تجاه تركيا. تركيا جزء من «حلف شمال الأطلسي»، وبالتالي من سياساته العامّة التي يُمكن أن تتباين في بعض الجزئيات لا أكثر.

وتركيا جزء من سياسات أميركا في مُواجهة التهديدات الاستراتيجية المُحدّدة من قبل «البنتاغون» وهي روسيا كما الصين. ولم يُغيّر بعد من هذا الثابتة، أن تركيا تُحسّن علاقاتها مع روسيا لأن هذا التحسّن المرحلي ليس معياراً ليُبنى عليه استراتيجياً، فهو بحاجة لاختبارات كثيرة على مدى سنوات طويلة، إن لم نقل على مدى عقود. وهو الذي يدفع إلى القول إن علاقات تركيا السياسية والعسكرية والأمنية مع الغرب استراتيجية، واختُبرت بنجاح منذ الحرب العالمية الثانية إن لم نقل أبعد إلى الوراء.

تعرّضت العلاقات التركية – الأميركية إلى اهتزاز بل إلى شرخ مع جورج بوش الابن عندما تباينت المواقف من غزو العراق، فبقيت تركيا خارج المُعادلة على امتداد ولايتي بوش.

وعندما جاء أوباما كانت أولى زياراته خارج أميركا وأوروبا إلى تركيا، وظهر حينها مصطلح الشراكة – النموذج بين رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان والرئيس أوباما.

لكن قضية سفينة مرمرة، من ثم أحداث الربيع العربي واندفاعة تركيا لتكون مُتفرّدة ومُهيمنة على المنطقة من سوريا إلى مصر ومن ليبيا إلى تونس وما بينهما من دول خليجية واليمن والعراق، أحدثت شرخاً في العلاقات.

غير أن الأزمة السورية كانت نُقطة التباين الأساسية، حيث كانت هناك مُعارضة أميركية قوية لتدخّل عسكري تركي مُباشر في سوريا، وإقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر طيران. كذلك، فسدت العلاقات بعدما تخلّى أوباما عن توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري بسبب قضية الأسلحة الكيميائية.

وهناك نقطة خلاف أساسية أخرى، وهي المسألة الكردية واحتضان إدارة أوباما لعناصر قوات الحماية الكردية في سوريا، وتوفير كل سبل الدعم لها لتتمكّن من السيطرة على المنطقة الممتدة من الحدود العراقية إلى عين العرب (كوباني)، ومن بعد ذلك التقدّم تدريجياً لوصل منطقة عين العرب (كوباني) بعفرين واجتياز نهر الفرات غرباً والسيطرة على مدينة منبج التي ليست فيها غالبية كردية والتخطيط للتمدّد إلى عفرين.

من هذه الزاوية، كان غضب أنقرة يصل إلى ذروته، مُتّهمة الولايات المتحدة بمحاولة تطويق تركيا تمهيداً لضربها وتقسيمها. هذا هو بالفعل الخطاب الرسمي التركي.

خلال الحملة الانتخابية، لم يُشر ترامب إلى تركيا ولا بكلمة واحدة. فيما تطرّقت كلينتون أكثر من مرّة لتركيا.

وكلما تكلّمت هيلاري كانت الحساسية التركية تزداد. وعدت باستمرار تقديم السلاح إلى كرد سوريا. ويكفي ذلك، لكي تتمنّى ادارة أردوغان ألا تنجح كلينتون في الانتخابات الرئاسية.

أكثر من ذلك، فإن بيت القصيد في الموقف التركي من الانتخابات الرئاسية، كان حدوث مُحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة.

أنقرة اتهمت الولايات المتحدة بالوقوف وراء فتح الله غولن المُقيم في أميركا في تدبير المحاولة الانقلابية. كانت المُعطيات عن تورّط أميركي في الانقلاب كبيرة. لذلك كان موقف أردوغان حادّا في اتجاهين: الأول ضدّ أوباما ومُطالبته بتسليم غولن وإلا فإنه يكون عدواً لتركيا. أما الثاني فهو تسريع تطبيع العلاقات مع روسيا انتقاماً من السعي الأميركي لإطاحة أردوغان.

فوز هيلاري كلينتون بالانتخابات كان سيعني استمرار نهج اوباما عموماً تجاه تركيا ومن ذلك تسليح الكرد واستمرار إدارة حاولت قطع رأس أردوغان وهو ما لا يُمكن أن يغفر له أردوغان. فوز كلينتون يعني استمرار الاضطراب والحساسيات في العلاقات التركية – الأميركية.

لذلك، فإن فوز دونالد ترامب سيكون أمراً مُريحاً لأردوغان، وكان من الطبيعي أنّ أردوغان من أوائل من اتصلوا بترامب مُهنئاً إياه بالفوز، لعلّ مرحلة جديدة إيجابية تنفتح في العلاقات الثنائية.

سيستغل أردوغان نجاح ترامب ليضرب الحديد وهو حامٍ كما يُقال، إذ إن أول تعليق من رئيس الحكومة التركية بن علي يلديريم على فوز ترامب، كان مُطالبته بتسليم فتح الله غولن، علماً أن ترامب كان ندّد بالانقلاب العسكري في تركيا لا كُرهاً بالانقلابات، بل لأن فشل الانقلاب يُضعف موقف أوباما والإدارة الأميركية، وبالتالي مُنافسته المُرشّحة هيلاري كلينتون. بل إن ترامب تحدّث عن مُشاركة العديد من الضباط الأميركيين بالانقلاب وأنه سيكشف أسماءهم لاحقاً.

موقف ترامب من الانقلاب وبعده كان مُريحاً لأردوغان ويصبّ في خانته.

وظهر في هذا السياق، مقالة كتبها الجنرال المُتقاعد مايك فلين، مُستشار ترامب في نشرة «ذا هيل» في يوم انتخاب ترامب، وذكر فيها أنه «يجب ألا نُوفّر ملجأً آمناً لرجل الظلام الإسلامي فتح الله غولن»، مُتسائلاً «ما الذي يُمكن أن نفعله لو عرفنا أن أسامة بن لادن مُدبّر هجمات 11 أيلول 2001 يعيش في فيلا جميلة في أحد المنتجعات في تركيا؟».

لكن في الوقت نفسه، فإن ترامب وخلال المُناظرات مع كلينتون، أشار إلى أن الأخيرة كانت من مؤسسي «داعش» وساهمت بنشر الفوضى في المنطقة. ودعا إلى تشديد الحرب ضد «داعش». هنا ربما يشعر الأتراك بالقلق لأن «داعش» كان إحدى أدوات حربهم وسياساتهم في المنطقة سواء في العراق أو سوريا. وإضعاف «داعش» أو استئصاله، يبتر يد تركيا في الكثير من القضايا.

اعتبار ترامب الرئيس بشار الأسد لاعبا قويا ويُحارب «داعش» أيضاً يُثير قلق تركيا الذي يُمكن أن يتضاعف إذا تفاهم ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خطوات حلّ المسألة السورية.

أيضاً، فإن تصريحات ترامب العدائية ضدّ المُسلمين تستفزّ أردوغان وقد تخلق فجوة بينهما، علماً أن ترامب قد لا يبقى على مواقفه هذه بعد انتخابه رئيساً.

أيضاً، فإن تركيا في موضع الترقّب في ما إذا كانت سياسات الجمهوريين في المرحلة «الترامبية» ستكون مُشابهة لسياساتهم في عهد بوش الابن تجاه قضايا المنطقة حيث تباينت مع مصالح تركيا في المنطقة ولا سيما في العراق وتجاه الفدرالية الكردية قبل أن تعود تركيا وتعترف مُرغمة بإقليم كردستان العراق.

في ضوء ذلك، فإن تركيا مُرتاحة لعدم فوز كلينتون طاوية صفحة إدارة كانت تُريد التخلّص من أردوغان. لكنها مُترقّبة ببعض القلق من إدارة ترامب الجديدة، أملاً إعادة تصحيح وتنظيم العلاقات بما يُنزل عن كاهل أردوغان ضغوط واشنطن وتنسجم أكثر مع توجّهاته خصوصاً الإقليمية. في هذا الإطار، فإن أول تعليق مُباشر لإدارة ترامب الجديدة عن تركيا جاء من نائب الرئيس الأميركي الجديد مايك بينس الذي قال، رداً على سؤال لصحيفة «حرييت» إن «تركيا هي الحليف الأهم لأميركا في المنطقة وسنعمل على تطوير علاقاتنا مع تركيا كما كانت من قبل وأفضل».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى