مقالات مختارة

المستقبل: «يا ريت الكل عندو معارك استراتيجية خارج الحدود» ابراهيم ناصرالدين

 

الولادة السريعة المنتظرة للحكومة تصطدم بجدار مصالح انتخابية لقوى سياسية ترى في الوزارة الجديدة «بقرة حلوب» لارضاء الناخبين، الخلافات ليست حول وزارات سيادية بل خدماتية، اما المفارقة فتكمن في ارتفاع منسوب حالة الرضى داخل تيار المستقبل بمقاربة حزب الله للملف الى درجة انه بات مضرب «مثل» عند هؤلاء لدى محاولة اقناع «الخصوم» «والحلفاء» بالتواضع في مطالبهم الوزارية…

اوساط مقربة من «التيار الازرق» تتحدث في مجالسها الخاصة عن اجواء من الارتياح حيال تعامل حزب الله مع عملية تاليف الحكومة، فالشكوك التي اثارتها عدة شخصيات محيطة بالرئيس الحريري وحذرته من «فخ» ينصب له، تلاشت وتحولت الى نوع من «التندر» حيث باتت مقولة «ياريت الكل بيتعاملوا بالملف الحكومي متل الحزب» شعار المرحلة، ويعتقد هؤلاء انه لو اقتدت القوى السياسية بالحزب لكانت الحكومة ابصرت النور وانطلقت بعملها…

هؤلاء المتشددون في التيار الازرق يدركون ان ما حصل في البلاد ليس تسوية، يعرفون انه تمت الاستجابة بشكل كامل لما يريده حزب الله في معادلة الرئاسة، والقول ان ثمة انتصاراً تحقق على «الفراغ»، مجرد «تسالي» لم يقتنع بها احد، لان التسويات تتم عادة بين طرفين يتنازل فيها كل طرف عن مواقفه الى نقطة التقاء في منتصف الطريق، لكن ما حصل ان خصوم الحزب تراجعوا عن مواقفهم فيما ظل الاخير متمسكاً بكامل خياراته الداخلية والخارجية، اما عودة الحريري الى الحكومة فليست انتصارا، لان الحزب لم يكن لديه خيارات اخرى، ولا يريد اعادة تجارب فشلت في السابق، واذا كان الطرف الاخر يعتبر عودته ثمنا مقبولا لتراجعه عن خياراته السياسية، فليس بالامر اي خسارة لان المشكلة ليست مع شخص الحريري وانما مع خياراته، تراجع في الداخل ونأى بنفسه عن الخلاف الخارجي ..اذا لا مشكلة وهكذا تمت التسوية..

طبعا بقيت تلك الاوساط في حالة ترقب لخطوة الحزب التالية، هل سيكتفى بايصال الجنرال عون الى الرئاسة؟ وبعد ان حقق انتصاره هل سيترك الحريري ليواجه الفشل؟ اكتشفوا بعد اللقاء بين الحريري وكتلة الوفاء للمقاومة انهم كانوا على خطأ، الحريري خرج مرتاحا للغاية، وفي الجلسة الحوارية الاخيرة في عين التينة ابدى وفد الحزب المفاوض استعداده للمساعدة في تذليل العقبات اذا ما وجدت في معسكر حلفائه، ضمن منطق الحفاظ على الشراكة وعدم اقصاء احد..وبات «بيت الوسط» في اجواء نقلتها شخصيات مطلعة على اجواء الحزب وتفيد بان حزب الله لا يرغب في «حشر» الحريري اكثر من اللزوم، ما فعله الرجل حتى الان اكثر من كاف، وليس المطلوب منه التنازل اكثر، وضعه في الداخل سيىء ومع حلفائه في الخارج صعب، واذا كان من المفيد في السياسة ان يكون رئيس تيار المستقبل ضعيفا، فمن غير المطلوب بالنسبة للحزب ان يكون «مكسور الجناح» الى حد التلاشي، فبحكم الواقع اللبناني المحكوم بالمحاصصة الطائفية، يبقى الحريري عنوانا مقبولا ضمن السقوف المنخفضة التي تحكم آدائه، خصوصا انه بات يقارب الملف السوري ومسألة سلاح المقاومة «بواقعية»، وهذا ما يجعل من الامور الداخلية مجرد تفاصيل لا تحتل اولوية لدى الحزب الزاهد في الصراع القائم على تقاسم الحقائب الوزارية، ولولا العنوان السياسي العام المرتبط بضرورة ان تكون المقاومة جزءاً من السلطة التنفيذية، ربما ما كان الحزب ليدخل في معمعة المشاركة في هذه الحكومة او غيرها…

في قناعة الحزب، المعركة الجدية تدور خارج الحدود وما يحصل داخل «البيت اللبناني»، «قرقشة لا تغني عن جوع»، بدليل انه نجح في فرض معادلته الداخلية عبر تحقيق انتصاراته في الخارج، ولا يسعى للمبالغة في الاستثمار داخليا لانه يدرك ان انهيار التوازنات القائمة سيعني اهتزاز الاستقرار الداخلي.. في المقابل هو لا يحتاج الى تحقيق ارباح في السلطة لارضاء جمهوره المعني بجبهة حلب والموصل اكثر من اي شيء آخر، وهنا يكمن الفارق الجوهري مع الاطراف اللبنانية الاخرى التي تلعب في نطاق محلي ضيق، بعد ان جربت الدخول في «لعبة» اقليمية اكبر من حجمها وقدراتها، فدفعت اثمانا باهظة ما تزل تداعياتها مستمرة.. وهذا ما يؤخر تشكيل الحكومة حتى الان.

فوفقا لحسابات القوى السياسية الاخرى، تعتبر الحكومة الحالية حكومة الانتخابات النيابية، وبحسب اوساط متابعة لملف التأليف، يحاول الجميع القفز الى «متن السفينة» ويتزاحمون على نيل الحقائب الخدماتية لتوظيفها في الاستحقاق الانتخابي، ولذلك فان الصراع حول الوزارات السيادية ليس مستعصيا على الحل، الجميع يدرك ان عمر الحكومة قصير واي «كباش» جدي يمكن تاجيله الى حكومة ما بعد الانتخابات في ايار المقبل، ولذلك يسعى الجميع الى تامين وجود فاعل في الوزارة..انه صراع على «جبنة» الخدمات والمصالح الانتخابية..

وفي هذا السياق تتعقد الحسابات بعيدا عن الساحة الشيعية بعد تسليم حزب الله «مفاتيح» القيادة الى الرئيس نبيه بري الذي يدرك ان الحزب لا يزاحمه على الحقائب الوزارية، وحصته محفوظة ولا يمكن لاحد ان يتجاوزها، كذلك حصة الدروز التي «دوزنها» الوزير وليد جنبلاط على قياسه وقياس النائب طلال ارسلان، وتبقى معضلتان ترتبطان بكيفية توظيف الرئيس الحريري لحصة السنة في معركته الانتخابية، وكذلك توزيع الحصص المسيحية على كافة القوى المتزاحمة، وهنا تكمن المعادلات الصعبة… سنيا لا يريد الحريري ان يقدم لاي من خصومه هدايا مجانية، لا يريد اي «دعسة ناقصة» خصوصا في الشمال والبقاع، همه الوحيد استعادة ما خسره من شعبية، يريد وزارات فاعلة يمكنها ترجمة الاقوال الى افعال في المدة الفاصلة عن الانتخابات، كما يبحث ايضا عن اسماء يؤدي توزيرها الى خلق صدمة ايجابية في بيئته، وهذا ما يجعل بورصة الاسماء الشمالية تتأرجح بين «الصقور»..

اما مسيحيا فيبدو الامر اكثر تعقيدا، القوات اللبنانية تعتبر نفسها «ام الصبي» في التسوية، وتريد ثمنا يرضي جمهورها ويقنعه بان خيارها السياسي لم يكن تنازلا او خسارة، صدقية «الحكيم» على المحك، يريد تظهير ايجابية خياره في الشراكة مع التيار الوطني الحر، لا يرضى بان يكون الا شريكا مضاربا في السلطة، ولا يقبل بان يتقاسم «مكاسبه» مع الاخرين، وهو ابلغ المعنيين ان من يريد اشراك «الكتائب» «والمردة»، المعارضين للتسوية الرئاسية، فليعطيهم من حصته، لا من حصة القوات اللبنانية..التيار الوطني الحر مقتنع بعدم منح الوزير فرنجية جائزة ترضية، لكنه ولحسابات انتخابية متنية، مع ارضاء الكتائب، في الوقت نفسه لا يريد تحمل عبء التنازل من حصته فقط، خصوصا انه يواجه اصرارا من قبل الرئيسين بري والحريري لمنح «المردة» وزارة وازنة..

طبعا لم يكن احد يتوقع ان تكون القوى السياسية اللبنانية راقية في التعامل مع هذا الاستحقاق، شعار المصلحة الوطنية والامل بان ينطلق العهد بالزخم المطلوب تتبخر امام عقلية المحاصصة و«الزبائنية» في العمل السياسي، «صداع» الحريري بدأ مبكرا، وثمة من مازحه من المقربين منه بالقول،» ياريت الكل عندو معارك استراتيجية خارج الحدود مثل حزب الله»…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى