مقالات مختارة

الاسد واردوغان سيرتبان أمورهما لوحدهما: تسفي برئيل

 

بعد ايام معدودة من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في شهر تموز الماضي، احتاج الامر من ترامب أن يرد على الطريقة التي قمع فيها اردوغان المتمردين. “لقد قلب الامور بشكل ممتاز″، قال ترامب عن اردوغان في مقابلة مع “نيويورك تايمز″. لقد كان هذا المديح مثل الزيت في عظام الرئيس التركي، الذي تعرض لانتقادات شديدة من الاتحاد الاوروبي ومن الادارة الامريكية بسبب الاعتقالات الواسعة في صفوف أعدائه، الذين شاركوا في محاولة الانقلاب. وايضا ضد خصومه السياسيين ومنتقديه داخل تركيا. وما هو رأي ترامب في قمع حقوق الانسان في تركيا بشكل عام؟ “يصعب علينا التدخل فيما يحدث في دول اخرى، في حين لا نعرف ما الذي نفعله نحن. لا يمكننا أن نكون مبعوثين أخيار من اجل حقوق الانسان في الوقت الذي يرى فيه الناس ما يحدث في الولايات المتحدة، وفي حين يطلق المواطنون النار على رجال الشرطة لدينا”، قال في المقابلة. كان يبدو في تلك اللحظة أن ترامب قد اقتبس اردوغان الذي وجه ادعاءات مشابهة للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. “نحن بحاجة الى حلفاء”، أجاب عندما سألوه فيما بعد، هل خلافا لسياسة جورج بوش لن يحول السياسة الخارجية الى بعثة لتصدير الديمقراطية. وعندما سألوه: “ألن تقول للقادة ما الذي يجب عليهم فعله داخل بلادهم؟”. وأجاب: “نحن بحاجة الى حلفاء. لا يمكن أن نقوم بتقديم النصائح”.

لكن سعادة اردوغان لم تكن مكتملة. لأن ترامب أوضح في تلك المقابلة بأنه “مؤيد كبير للاكراد” وأنه يعتقد أن على تركيا العمل أكثر في الحرب ضد داعش. وبهذا أرسل أكثر من اشارة تقول إن تركيا ساعدت داعش في سوريا. ومع ذلك يمكن للنظام التركي أن يكون راضيا. وكما أكد اردوغان في برقية التهنئة لترامب “هذه صفحة جديدة في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة”. وأنه يأمل أن يقوم الرئيس الجديد بـ “خطوات ناجعة من اجل الحقوق الاساسية والحريات”. وقد كان من الصعب على ادارة اوباما اخفاء ابتسامتها المريرة عندما سمعت صيغة التهنئة من شخص هو من أكثر الاشخاص المخلين بحقوق الانسان.

علاقة اردوغان مع ادارة اوباما عرفت صعودا وهبوطا. وكذلك توتر وغضب. ولكن بعد محاولة الانقلاب تبنى اردوغان فكرة أن اوباما وهيلاري كلينتون يؤيدان فتح الله غولن، وهو الداعية الذي يتهمه اردوغان بتخطيط الانقلاب. وقد رفض اوباما حتى الآن الاستجابة لطلب تركيا بتسليمه. والاثنان، اوباما وكلينتون، يحصلان على تبرعات مالية كبيرة من صناديق غولن. والآن يأمل رئيس الحكومة التركي، بن علي يلدريم، أن توافق واشنطن ترامب على تسليم غولن. ويستطيع اردوغان ايضا أن يعتبر ترامب شريكا ايديولوجيا بخصوص الموقف القومي المتشدد، رغم اقوال ترامب ضد المسلمين وضد الاسلام. اردوغان سيحترم المسلمين لكنه يتفق مع ترامب على ضرورة “اعادة تشكيل” الديمقراطية.

إن تحفظ ترامب من الترويج للديمقراطية في السياسة الخارجية من قبل اوباما وبوش، يسر ليس فقط اردوغان، بل ايضا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي تفوق على سابقه في عدد الاعتقالات والقتلى المدنيين. ولن يعاقب ترامب النظام المصري بسبب اعتقال الفنانين أو الصحافيين. وكذلك الاعدامات التي يقوم بها النظام السعودي لن تقض مضاجعه. شعار “نحن بحاجة الى حلفاء” سيغطي على كل تجاوز، بغض النظر عن حجمه، للقانون الدولي أو مواثيق حقوق الانسان.

ايران هي المستفيدة

تستطيع حكومة اسرائيل تنفس الصعداء مثل تركيا ومصر والسعودية، حيث أنها قد تعفى من الاجابة على الاسئلة الاستفزازية التي وجهت اليها من قبل البيت الابيض ووزارة الخارجية حول طبيعة ديمقراطيتها. وفي المقابل، سيكون الامر صعبا على منظمات حقوق الانسان في الشرق الاوسط. والمعارضة السياسية والصحافيين العرب والاتراك والايرانيين الذين كانوا يتلقون الدعم من البيت الابيض.

اذا كان انتخاب ترامب هو أمر سيء لمنظمات حقوق الانسان، فانه يشكل ضربة قاضية للمتمردين في سوريا. ولا توجد لترامب خطة واضحة حول حل الازمة السورية. ولكن اقواله تشير الى أنه لا يمانع في بقاء الاسد رئيسا لسوريا. وأن روسيا هي شريك محتمل بل ومطلوب. وفي تلك المقابلة مع “نيويورك تايمز″ قال ترامب إنه “لا يمكن محاربة داعش والاسد في نفس الوقت، حيث يتحاربان مع بعضهما البعض. علينا التخلص من داعش قبل التخلص من الاسد. داعش هو تهديد أكبر بكثير من الاسد”. اذا قمنا بضم هذه الاقوال الى موقفه حول التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، يمكن الاستنتاج بسهولة أن الاسد هو شريك في الحرب ضد داعش. أما التهديد الذي يشكله فهو تجاه أبناء شعبه، وهو لا يضر بالمصالح الامريكية. وتأييد استمرار وجود الاسد أو اللامبالاة تجاهه، قد يضعه على مسار التصادم مع السعودية وخدمة ايران وروسيا. هل موقفه السياسي غير المبلور بخصوص سوريا سيسمح لايران وروسيا بالسيطرة على سوريا؟ قد تكون هذه نتيجة فيها مفارقة، حيث تكون ايران هي المستفيدة. ولكن اذا كان الانسحاب الامريكي من الحروب أهم بالنسبة لترامب، فلن يهتم بمن سيسيطر في سوريا الى أن توضح له اسرائيل ما معنى السيطرة الايرانية في سوريا.

ما الذي سيستفيده

قبل أن تقوم ايران باصلاح مكانتها في سوريا، سيضطر ترامب الى القول للمتمردين الذين تدعمهم الولايات المتحدة لماذا عليهم الاستمرار في محاربة داعش في الوقت الذي لا يوجد فيه مظلة امريكية لصراعهم ضد الاسد، في ظل هذا الوضع من الصعب أن ينضم المتمردون الى العملية السياسية، حيث سيجلس قبالتهم ممثلو روسيا وايران والنظام السوري. والسؤال الاكثر اقلاقا هو هل سيكف ترامب عن مساعدة المتمردين ويقوم بتقديم المساعدة للاسد. إن نظرته التجارية تجعله يفكر بالفائدة سواء له أو لامريكا، لذلك قال إنه لا توجد حاجة لمساعدة الناتو طالما أن بعض الدول لا تدفع ديونها لهذه المنظمة. وقال ايضا “من الافضل أن يكون للسعودية سلاح نووي” كي تدافع عن نفسها، هذا على الرغم من أنه ضد انتشار السلاح النووي.

من الصعب فهم ماذا يريد: السعودية النووية التي قد تقصم ظهر اسرائيل أو تقييد السلاح النووي الذي هو ايضا ليس طموحا اسرائيليا؟ هل منطقه التجاري هو الذي سيوجهه نحو السماح للشركات الامريكية بعقد الصفقات مع ايران، أم أن احتقاره لايران وحبه لاسرائيل سيفككان الاتفاق النووي؟ هل سينقل السفارة الامريكية الى القدس ويقيم ضده العالم العربي أم سيفهم أن الحرب ضد الارهاب الاسلامي تمر من خلال التعاون مع الدول الاسلامية؟ التناقضات الكثيرة التي اطلقها ترامب تستوجب الانتظار الى حين تشكيل طاقم الوزراء الذي سيصيغ من اجله الثورة السياسية التي يسعى اليها. في الوقت الحالي بقي شهرين على انتهاء ولاية اوباما. هذه مرحلة حساسة. لا يمكن فعل الكثير فيها. وبالتأكيد لا يمكن انهاء الازمة السورية أو القضاء على داعش في العراق. ولكن هذا هو الوقت الذي يجب أن يقرر فيه الزعماء في الشرق الاوسط والاتحاد الاوروبي وروسيا انشاء تحالفات جديدة، لتمهيد الارضية لمجيء الرئيس ترامب.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى