بقلم ناصر قنديل

لا معارضة: خطاب القَسَم بدّد الهواجس

ناصر قنديل

– تبدو الأمور متّجهة لحكومة توافقية موسّعة تبصر النور في فترة قريبة برئاسة الرئيس سعد الحريري، بعدما بات محسوماً أنّ الحكومة الأولى للعهد ستنصرّف لوضع قانون جديد للانتخابات النيابية، والإشراف على إجراء الانتخابات في موعدها، ما يُعفيها من بيان وزاري مثقل بالمضامين السياسية الشائكة والمعقّدة التي تفتح باب الخلافات النائمة، ليصير ممكناً الاكتفاء بحواضر البيت، كما يُقال عن وجبة طعام مستعجلة ضمن الممكن، لتستعير الحكومة من البيانات الوزارية للحكومتين السابقتين، الميقاتية والسلامية أجوبة الممكن على الأسئلة الصعبة، وتختصر بيانها الوزاري للتأكيد على المهمة المحورية المتمثلة بوضع قانون جديد للانتخابات النيابية وضمان إجرائها في موعدها.

– من الثابت وفقاً للدستور اللبناني أن لا مكان لفكرة معارضة لعهد رئاسي، فالمعارضة تقف بوجه الحكومة، وينقسم المجلس النيابي بين موالاة ومعارضة حولها، فتختار المعارضة وفقاً لقراءتها مهام الحكومة ودورها والتوازنات التي ستحكم أداءها أنها ستكون مجرد شريك تجميلي، تستعمله القوى الممسكة بالحكومة لتطبيق سياساتها وتحقيق مصالحها، فتبقى خارجها، بينما يشارك في الحكومة المتفاهمون والملتقون على مهامها والمحققة مصالحهم من خلالها، وتدور اللعبة السياسية بين الفريقين رغم إدراك استحالة قيام الحكومة ولا تحقق التفاهمات التي تنتجها، من دون شراكة رئيس الجمهورية فيها، وشراكته في قيادتها.

– تبشير الرئيس نبيه بري بالانتقال إلى خيار المعارضة جاء استباقياً في التعامل مع هواجس قيام تفاهمات بين التيارين الرئيسيين اللذين يشكلان وحدهما مع الحليف الثالث الضمني، أيّ التيار الوطني الحر ومعهما القوات اللبنانية، وبعض المستقلين، ما يكفي لتشكيل أغلبية من دون الحاجة للشراكة مع سائر المكونات السياسية والطائفية إلا كضرورة تجميلية للإقلاع بتطبيق التفاهمات، وبطبيعة ما كان متداولاً عن هذه التفاهمات، اقتسام المقاعد المسيحية بين ثنائي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وحصر تمثيل الطائفة السنية بالرئيس سعد الحريري ما يكفي لتشكيل ثلثي مجلس الوزراء اللازم لإقرار مشاريع القوانين الميثاقية، وإجراء تعيينات الفئة الأولى، وما كان متداولاً يُضاف إليه التفاهم على تمديد ولاية المجلس النيابي لمدة سنة لمنح الحكومة فرصة تطبيق التفاهمات من جهة واستعداد أطراف التفاهمات لخوض الانتخابات النيابية، بما يكفل إمساكها بالسلطة.

– أنتجت انتفاضة الرئيس بري على التفاهمات، معادلات متداخلة، فمن جهة تحرك حزب الله للفصل بين مواجهة الهواجس وبين انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في موعد الانتخابات المقرّر. ومن جهة أخرى أعلن حزب الله ارتباطه حكومياً بالتفاهم مع الرئيس بري تبديداً للهواجس ورفضاً ضمنياً لأيّ تفاهمات ثنائية أو ثلاثية تفترض القدرة على ضمان حماية حزب الله لها أو صمته عنها من ضمن دعمه للعهد، ولو على حساب الشراكة الاستراتيجية مع الريس بري. وفي المقابل نفى العماد عون وجود التفاهمات التي يؤكد الرئيس بري وفريقه وجودها، لكن انتفاضة بري أوصلت مشفوعة بموقف حزب الله رسالة كافية شافية، باستحالة السير بتطبيقها إذا وجدت، وبالحاجة لنفيها عملياً ما لم تكن موجودة.

– قيادة حزب الله واثقة من عدم قيام العماد عون بأيّ تفاهمات، في حال تمّ بعضها بين بعض معاونيه ومعاوني الرئيس الحريري، وعبر التماسك مع الحليفين الرئيسين والرئيسيين، عون وبري، والتمسك بهما، أطلقت دينامية تفاهم بين عون وبري، تمكّنت بفضل الكيمياء القيادية للطرفين، من نسج خيوط تفاهم غير مكتوب وغير محكي، بل مصوغ بفطرة المهارة القيادية، فبادر بري للقول إنه قادر على تعطيل النصاب، لكنه لن يفعل، وهو حريص على نجاح العماد عون وعهده، وأظهر في الجلسة الانتخابية حرصاً على تفادي المطبات التي حاولت العبث وإثارة الشغب والسخرية، ليلاقيه العماد عون بعد انتخابه رئيساً بخطاب قسم أجاب فيه على بعدين كافيين لإلغاء فرضية الانتقال إلى المعارضة، بل يكفيان لنسف خوض حرب أعصاب تفاوضية مع تشكيل الحكومة، ومع تسمية رئيسها المكلّف، فالكلام المتداول عن التفاهمات وضع علامات استفهام حول مدى ثبات العماد عون بعد أن يصير رئيساً على مواقفه من دور حزب الله، من دون التخلّي، لكن دون المجاهرة، ليخرج العماد عون في أهمّ خطاب تأسيسي للعهد، هو خطاب القسم ليضع المقاومة معادلة قوة مع الشعب والجيش بالتسلسل، في وجه «إسرائيل»، ويعلن تبنّيه الحرب الاستباقية على الإرهاب، وهو ما يفعله حزب الله عبر قتاله في سورية أما في الشأن الداخلي فقد التفت العماد عون في خطاب القسم لعناوين ومبادئ في رسم الأهداف، لكنه حدّد خطوة واحدة بروزنامة تنفيذ، وهي إنجاز قانون انتخاب جديد قبل موعد الانتخابات المقبلة، وهذا التعهّد السياسي الإجرائي الوحيد الذي أخذه الرئيس المنتخَب في خطاب القسم، ليكون جواباً ينسف كلّ فرضية التفاهمات، أو يخرج منها إنْ كانت موجودة، باعتبار ما جرى كان كافياً ليفهم الشركاء الآخرون استحالة المضيّ بها، لكن الإنصاف يقتضي القول إنّ كلامه ينفي شراكته بها أو تبنّيه لها، إنْ وجدت، وفي هذه الحال أفضت انتفاضة بري إلى حرب استباقية لولادة تفاهمات، ليس موضع جدل أنها كانت تدور في مداولات بعض المعاونين.

– حكومة تتولّى وضع قانون انتخاب وإجراء الانتخابات وفقاً لخطاب القسم، تسقط مبرّر وجود معارضة، ربما يكون لها مبرّر ومشروعية بعد الانتخابات مع حكومة ستستمرّ لأربع سنوات، وحسناً فعل رئيس الجمهورية بحماية العهد من الذوبان، لأنّ قانون الانتخابات والانتخابات خشبة خلاص العهد وحماية مضمونه الإصلاحي.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى