بقلم غالب قنديل

المناضل ميشال عون

غالب قنديل

انطلق العماد ميشال عون في حركته السياسية المتمردة بكتلة اجتماعية انحدرت من الطبقات الوسطى والشرائح الفقيرة رفضت الأمر الواقع الميليشيوي خلال الحرب الأهلية وعبرت عن تعلقها بفكرة الدولة وبعامودها الفقري الجيش اللبناني .

هذا العامل الاجتماعي التكويني اكسب التيار الوطني الحر نبضه التغييري الرافض لقوى التقليد السياسي التي اقتحم الجنرال هيكلها بقوة الناس وبوزن تمثيلي كبير عندما عاد إلى البلاد بعد سنوات المنفى القسري التي فرضتها عليه صيغة حكم الطائف وبنتيجة قطع خطوط الاتصال بين الجنرال ميشال عون والرئيس الراحل حافظ الأسد بحيث دفعت الأمور إلى تصادم لا رجعة منه لتمهيد الطريق امام نظام الشيخ رفيق الحريري بطموحاته الاقتصادية والسياسية التي حفزها وهم الترتيب الأميركي للمنطقة بعد عاصفة الصحراء والسعي لاتفاقات إذعان تكرس مكانة مميزة لإسرائيل في المنطقة وتجتاح سدود المقاطعة بعد هدم قلاع المقاومة وتصفيتها في لبنان وفلسطين على امل تدجين الموقف السوري لاحقا عبر مسار تفاوضي جرى التحضير له عشية الطائف اللبناني برسائل التزامات جورج بوش الأب.

يومها أرادت كل من الولايات المتحدة والمملكة السعودية التخلص من الجنرال وإيصاد أبواب الدخول إلى المعادلة السياسية في وجهه لأنه اعتبر عنيدا غير مهيأ للانصياع وتنفيذ ما ترغب به واشنطن والرياض وقد أوكل الأمر إلى ثلاثي الإدارة السورية للملف اللبناني (رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي ونائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام ورئيس فرع الأمن والاستطلاع العميد غازي كنعان) وثمة الكثير من الروايات عن وساطات بين العماد عون ودمشق قطعت في وسط الطريق وحيث دارت حوارات ولقاءات كانت تجتاز أشواطا ثم لا تلبث ان تتوقف بصورة مفاجئة وترددت روايات كثيرة عن تهديد واستهداف كل من لعب دورا في ذلك الاتجاه ويشبه السعار لاعتراض طريق الجنرال عون إلى دمشق ومنها إلى معادلة الحكم ما واجهه بعد عودته عام 2005 وحيث تصدى له فريق 14 آذار بشراسة غير مسبوقة .

الجنرال الضليع في الاستراتيجيات والعلوم العسكرية والخبيربأطماع الصهاينة في لبنان وبواقع الجنوب اللبناني الذي عاش فيه ردحا من خدمته العسكرية على خط الجبهة وجد نفسه في طريق التفاهم التاريخي مع حزب الله القوة الشعبية المقاومة التي حررت بدماء شبابها أرض الوطن من الاحتلال وشكلت رصيدا مستمرا لتطلعات التغيير والعدالة الاجتماعية وبعدما تصدت بدعم سوري لمحاولات تصفيتها المدبرة اميركيا طوال سنوات منفى الجنرال وحتى بعد إنجازها للتحرير الكبير عام 2000.

التفاهم مع حزب الله كان منطلق العقلانية العونية التي فاجأت الكثيرين وقد حرك النائب ميشال عون مبادرات كثيرة لتوسيع نطاقه صدها سائر الأطراف بخشونة واستهدفوها بما يتخطى نزعات العزل والمقاطعة وبات التيار في دائرة مستمرة من الهجمات سياسيا وإعلاميا ثم جاءت معمودية حرب تموز لترقى بالعلاقة بين العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله إلى ما هو أبعد من ورقة التفاهم ولحظة قرر عون انحيازه إلى المقاومة في تلك الأيام المشحونة كان يخوض التحدي والمخاطرة في وجه التهديد الأميركي الغربي الخليجي والصهيوني وهو موقف تاريخي شجاع لا ينسى لمناضل وطني مقاوم ولزعيم سياسي حمل روحه على كفه من غير ان يكون احد في العالم قادرا على التنبؤ بحصيلة الحرب يومها وهو كعادته كان يحول الموقف المبدئي إلى خيار شخصي وجاء النصر بحصاده في تلك الحرب ليتوج الشراكة بالمقاومة والصمود مع حزب الله .

بالمقابل اظهر الجنرال في موقفه من سورية وعلاقته بها نبل الفارس والمناضل المبدئي الذي يلتزم بما ألزم نفسه به فختم سريعا صفحة العداوة والنزاع لينتقل إلى مرحلة جديدة من الأخوة والود والصداقة والالتزام بالمصالح المشتركة وعندما شنت الحرب على سورية بواسطة عصابات الإرهاب والتكفير أدرك الجنرال عون حجم المخاطر التي تهدد سورية ولبنان معا بل والمنطقة بأسرها ولم يتردد في اتخاذ موقف حازم إلى جانب الدولة الوطنية السورية وقواتها المسلحة مشددا على ضرورة التصدي الحازم للعصابات الإرهابية داعيا إلى حشد جميع القوى لردع الوحش التكفيري ومن يقف خلفه وجلب له ذلك خصومات سياسية في الغرب الذي ناصر الإرهاب التكفيري وألبسه أقنعة ثورية زائفة ولم يتردد الجنرال لحظة واحدة في دعم مبادرات حزب الله في لبنان وداخل سورية نفسها لصد الخطر التكفيري.

المناضل ميشال عون هو اليوم الزعيم الشعبي الذي يستند إلى تيار جماهيري ينشد التغيير والإصلاح وصولا لدولة حديثة مدنية تنهي عهد العصبيات الطائفية وهو رجل الدولة الذي يدعم خيار المقاومة ويتبنى نظرة لاستراتيجية الدفاع الوطني تقوم على تلك المعادلة الثمينة التي جسدها تلاحم الجيش والمقاومة والشعب وهو قائد الجيش السابق الذي يعرف ما تحتاجه المؤسسة العسكرية من دعم واحتضان وتعبئة لتكون في مستوى التحديات الناتجة عن العدوانية الصهيونية والتهديد التكفيري في آن معا وهذا الزعيم السياسي الوفاقي هو من يتطلع نحو علاقات وثيقة مع الدولة السورية في شراكة التصدي للأخطار كما في توثيق الروابط الاقتصادية والسياسية على قاعدة المصالح المشتركة .

لهذه الاعتبارات جميعا سيأتي انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية نقلة كبيرة ونوعية إلى الأمام رغم المصاعب والتعقيدات وهو يتيح فرصة لتقدم لبنان وتطوره في جميع المجالات رغم جسامة التحديات والتعقيدات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى