خريطة ولد الشيخ: 14 بنداً وملاحق أمنية على مقاس الرياض خليل كوثراني
لا تبدو مبادرة المبعوث الأممي إلى اليمن مرضية لأي من الأطراف الداخلية. تنصّ خريطة الطريق بوضوح على إزاحة عبد ربه منصور هادي من المشهد، وعلى تجريد صنعاء من أوراق قوّة، في مقدّمتها الأسلحة البالستية، وكل ذلك في مقابل تقديم ضمانات أوسع للتحالف السعودي، ما يؤشّر إلى ضبابية مصير أوّل مبادرة مكتوبة تطرح للحل
حصلت «الأخبار» على نسخة كاملة من مبادرة المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، التي تتكوّن من قسمين: الأوّل خريطة طريق تضمّ 14 بنداً (لا 12 كما أشيع)، تليها ملاحق تفصيلية لبرنامج ترتيبات أمنية يُفترض أن يأخذ كلّ إجراء منها طريقه إلى التنفيذ تباعاً، وبتراتبية زمنية محددة.
وتكمن أهمية الملاحق الأمنية في أنها تأتي على ذكر الآليات التنفيذية لخطّة الانسحاب وطبيعته، بشكل تفصيلي.
التدقيق في صفحات المبادرة التسع، قد يترك انطباعاً بأن الخطة لم تخرج من لدن الوسيط الأممي. فالأخير تمّت الإشارة إليه بوضوح، كطرف مخاطَب، في البند الثاني لخريطة الطريق: «تحثّ المجموعة الرباعية ودول مجلس التعاون الخليجي الأطراف على استئناف المشاورات مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة»، وهو أمر يؤكّد ربما أن الخطّة المقدّمة ليست سوى وثيقة مكتوبة لمبادرة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. لكن ما يعزّز ذلك أكثر، انطواء الخطة على مبدأ الطرف الثالث الذي أشار إليه كيري في وقت سابق.
خريطة الطريق
المدخل الأساس إلى الاتفاقية الشاملة سيكون، وفق تصوّرات المبادرة، جولة مشاورات غير مباشرة، يقودها ولد الشيخ بغية حسم أربع نقاط: «الانسحابات الضرورية من صنعاء، تعز والحديدة، باعتبار أن صنعاء هي النقطة الحاسمة التي تمكّن من تشكيل حكومة جديدة. بعد مشاورات، ستسمّي الاتفاقية شخصاً لتعيينه نائباً للرئيس، ويجب أن يتمتع الشخص بدرجة عالية من القبول، وأن يكون قادراً على التجاوب مع متطلبات الفترة المقبلة. اسم الشخص المتفق عليه الذي سيتم تعيينه رئيساً للوزراء. شروط الضمانات الداخلية والدولية للامتثال».
التصوّر المرسوم على أساس جدول زمني مدّته سنة كاملة تنتهي بانتخاب سلطة جديدة، ينصّ في مرحلته الثانية على هدنة ملتبسة لا تأتي على ذكر انسحاب قوّات التحالف السعودي من الأراضي اليمنية أو فكّ الحصار، فيما يكتفي البند الثاني بالالتزام بالهدنة وفق أحكام اتفاقية 10 نيسان/ إبريل الماضية، وانسحاب «جموع الحوثيين وصالح (الجيش واللجان الشعبية) من الحدود السعودية ــ اليمنية إلى مسافة 30 كلم من أجل تجنّب وقوع أي هجوم مستقبلي على الأراضي السعودية».
وبعد المشاورات غير المباشرة المنصوص عليها في البند الأوّل، فإنّ الأطراف مدعوّة إلى لقاء مباشر شكلي، لا يزيد على أسبوع، يقتصر على توقيع الاتفاقية الكاملة والشاملة بعد وضع اللمسات الأخيرة عليها (البند الثالث)، على أن تبدأ مرحلة تنفيذية فور إقرار الاتفاق، تعلن فيها حكومة وحدة وطنية، بالتوازي مع استقالة نائب الرئيس الحالي (علي محسن الأحمر) وتعيين هادي لنائب رئيس جديد (البندان 4 و5).
أمّا البند السادس، فلا يقلّ التباساً عن بند الهدنة، ليس لجهة طلب تسليم «أنصار الله» والوحدات الحليفة لجميع راجمات الصواريخ الباليستية إلى طرف ثالث (لم يذكر تسليم الصواريخ نفسها، لكن الملحق الأمني سيشير بوضوح إلى هذه الصواريخ)، بل في النصّ على تعيين الرئيس هادي لأعضاء اللجان الأمنية التي ستشرف على تنفيذ الترتيبات الأمنية. كذلك، يطلب البند تنفيذ الانسحابات من صنعاء (وهي انسحابات جزئية كما يظهر الملحق الأمني) وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
وعقب تنفيذ هذه الشروط، ينقل هادي صلاحياته إلى نائب رئيس جديد، سيقوم بدوره بتعيين رئيس وزراء. وتشترط خريطة الطريق في تركيبة الحكومة الجديدة محاصصة تراعي أن يكون نصف الوزراء من الجنوب، على أن تتقيّد حكومة الوحدة «بسياسة احترام أمن حدودها الدولية، وحرمتها، وسلامة أراضيها، واستخدام كافة موارد الدولة لاجتثاث المنظمات الارهابية العاملة داخل الحدود اليمنية، وتمنع استخدام الأراضي اليمنية لتصدير الأسلحة القادمة من أطراف ثالثة لهدف تهديد المياه الدولية، أو أمن جيران اليمن».
الالتباس يظهر من جديد في البنود 12 و13 و14، التي تؤكّد على إقرار مسودة الدستور، في إشارة إلى مشروع دستور هادي الفدرالي (تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم)، والذي يرى فيه مراقبون سبباً رئيساً لـ«ثورة 21 سبتمبر» (دخول «أنصار الله» صنعاء في 2014). وفي الوقت نفسه، تشير خريطة ولد الشيخ إلى حوار سياسي تسارع إليه حكومة الوحدة «لوضع اللمسات الأخيرة على خريطة الطريق الانتخابية ومسودة الدستور»، ما يترك باب التأويلات مفتوحاً لإمكانية تعديل المسودة من عدمه.
وتنص المادة 13 على أن «يتبنى الحوار السياسي آلية للمصادقة على الدستور» من دون حصر المسألة بإجراء استفتاء شعبي. أما البند الأخير (14)، فيدعو إلى إجراء انتخابات «بعد فترة ثلاثة إلى خمسة أشهر من المصادقة على الدستور».
الملاحق الأمنية
تحرص الخطة الأمنية (التي تُجلّي تعقيدات المبادرة، والعقبات أمام قبول فريق صنعاء بها) على تنفيذ جزء رئيسي من الانسحابات بدءاً من أمانة العاصمة صنعاء، قبل أي خطوات سياسية «بما في ذلك تفويض الصلاحيات الرئاسية وتشكيل الحكومة الجدية». ويأتي الملحق الأمني على ذكر «المنطقة أ»، وهي صنعاء «ومحيطها الأمني، تعز، والحديدة»، على أن يبدأ الانسحاب من أمانة العاصمة كمرحلة أولى (لا تشرح الخطة سبب عدم اعتبار مأرب أو عمران، مثلاً، ضمن المحيط الأمني لصنعاء). واللافت أن تنفيذ الخطة الأمنية تتولاه اللجنة الوطنية العسكرية والأمنية، التي سبق أن أشارت خريطة الطريق إلى أن هادي هو من سيقوم بتشكيلها.
وبموجب الانسحاب من «المنطقة أ»، لا يعود لـ«أنصار الله» وحلفاؤها موطئ قدم على المنافذ البحرية الاستراتيجية، علماً بأن الهدف من الخطة الأمنية لصنعاء ومحيطها الأمني، بحسب الملحق الأمني، هو «توفير الأمن للعاصمة صنعاء ومحيطها الأمني» من أجل «ضمان أمن وسلامة السكان والمؤسسات وتلافي أي فراغ أمني وتمكين مؤسسات الدولة من العمل مجدداً وبشكل كامل وفاعل وإنجاح ترتيبات الحكم خلال المرحلة الانتقالية المؤقتة بعد توقيع اتفاقية السلام».
تلعب اللجنة الأمنية المذكورة دوراً رئيسياً في المرحلة هذه، وهي عملياً من سيحكم العاصمة صنعاء في المرحلة المنظورة، عبر تقسيمها إلى 11 قطاعاً. وستشرف على انسحاب الألوية العسكرية، بالسلاح الخفيف فقط، إلى مناطق أخرى داخل العاصمة (من دون تحديد سبب تجميع هؤلاء العناصر في أماكن محددة مجردّين من سلاحهم الثقيل). اللجنة نفسها ستطوّر لائحة تتضمن جردة «بجميع الصواريخ البالستية التكتيكية والاستراتيجية وأنظمة الإطلاق. سيطلب من جميع الوحدات في المنطقة (أ) وضع جميع الصواريخ البالستية التكتيكية والاستراتيجية وأنظمة الإطلاق تحت السيطرة المباشرة للطرف الثالث المحدد في الاتفاقية».
أما الوحدات العسكرية المسموح ببقائها، فتعمل تحت إشراف وتوجيه اللجنة الأمنية، وتكون مسؤولة عن ثماني مهمات، إحداها إطلاق السجناء المحتجزين «بشكل مخالف للقانون وبشكل عاجل». هذه الوحدات العسكرية والمسمّاة في الخطة «وحدات مناورة»، عبارة عن «عشرة ألوية، ستّ كتائب، وأربع وحدات أمنية» من مهماتها «إدارة الأمن في العاصمة وتأسيس الحزام الأمني حول المدينة».
وتشترط الخطة خروج عدد، سيحدّد لاحقاً، من العسكريين والمسلّحين، إلى أماكن يتم تحديدها لاحقاً أيضاً، وفق جدول واضح يتضمن اسم الوحدة وموقعها الحالي والموقع الجديد، مع أسلحتها، و«يتم نقل الألوية التي ستغادر مواقعها إلى مواقع أخرى في أمانة العاصمة مع جميع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة. تمنع هذه الألوية من نقل الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من المعسكر إلا بقرار من وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية التي ستشكل بموجب الاتفاقية».
ويشترط على ألوية أخرى مغادرة العاصمة تماماً: «تضع الألوية التي ستغادر خارج أمانة العاصمة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة تحت سيطرة اللجنة الوطنية العسكرية والأمنية قبل مغادرتها للمدينة. تقرر اللجنة الوطنية العسكرية والأمنية المواقع التي ستخزن فيها هذه الأسلحة وتضع الآليات اللازمة لمنع استخدامها».
في الخلاصة، وإن بدا «التخلّص» بسهولة من الرئيس هادي، وفق خريطة الطريق هذه، مطلباً يصبّ في مصلحة «أنصار الله» وحلفائها، إلا أن مصادر هذا الفريق لا تبدو مرتاحة إلى المبادرة، وتصفها بأنها مناورة التفافية تستهدف، بالسياسة، ما عجزت عن تحقيقه السعودية بالحرب. مبادرة جوهرها، وفق هذه المصادر، تجريد صنعاء من كل أوراق القوة، تحت مظلة ما تقول إنها ضمانات، لا يمكن حتى الآن الركون إليها، وما تسليم الصواريخ البالستية كلها، والانسحاب من المواقع الاستراتيجية في تعز والحديدة، حيث الإطلالة على الممرات الأمنية كباب المندب، وترك العاصمة، والابتعاد عن الحدود السعودية مسافة 30 كلم، سوى تحسينات لموقف الطرف المعتدي (التحالف السعودي)، لا بتقديم ضمانات متوازنة وندية، بل مقابل مكسب وحيد، هو إزاحة هادي عن المشهد السياسي.
الإمارات ترحب… و«حلفاء الداخل» يرفضون؟
بدأت ردود الفعل الأوّلية على خريطة طريق إسماعيل ولد الشيخ أحمد تتوالى، مظهّرة تناقضاً داخل صفّ التحالف السعودي وقوى الداخل اليمني الموالية له.
وأعلنت الإمارات، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، عن مساندتها لخطّة الأمم المتّحدة، ورأى قرقاش أن “الخيارات البديلة مظلمة”، معتبراً أنه “آن الأوان لترك منطق السلاح والعنف بين اليمنيين”. وأشار المسؤول الإماراتي إلى ضرورة “تغليب مصلحة اليمن واستقرار المنطقة، والعودة إلى المسار السياسي”.
في المقابل، أعلن مدير مكتب الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي، عبد الله العليمي، رفض خريطة طريق ولد الشيخ. وقال في تغريدة له على موقع “تويتر”، “قناعتنا راسخة بأن كل المقترحات سيكون مصيرها الفشل، إذا تجاوزت الانقلاب، باعتباره أم المصائب وجذور الشر”. وكان رئيس حكومة هادي، أحمد بن دغر، قد نفى تسلّم حكومته، حتّى الآن، أي مشروع اتفاق أو تسوية سياسية من قبل المبعوث الأممي.
(الاخبار)