البعد السوري في اي تسوية لبنانية
غالب قنديل
شاء من شاء وأبى من أبى، ما تزال العلاقات اللبنانية السورية بعدا مؤسسا لأي صيغة سياسية للتسوية في لبنان وهي ضمانة لابد منها لأي استقرار سياسي ولذلك يتوقف على خيارات السلطة اللبنانية المقبلة بعد انتخاب الرئيس العماد ميشال عون من هذا الملف أي ملف العلاقات اللبنانية السورية كثير من النتائج والتفاعلات التي تتخذ طابعا مصيريا ليس فحسب في البعد السياسي وفي النتائج الامنية والاثار الاقتصادية وتفاعلاتها جميعا بل اصلا واساسا في الموضوع الميثاقي التكويني والتأسيسي لدولة ما بعد اتفاق الطائف.
حاول الرئيس سعد الحريري ان يتهرب من هذا الامر في صيغة تأييده للعماد ميشال عون ولجأ الى عبارات لا تناسب مضمون اتفاق الطائف الذي يقول انه قاعدة ممارسته السياسية وهو مرجعية التوازنات والمعادلات في المرحلة الجديدة التي يرشح نفسه لرئاسة حكومتها بعد انتخاب الرئيس فالكلام ربط عودة العلاقات التنسيقية مع سوريا بانتهاء ما يوصف بتسوية سورية مقبلة هو خيار لا يرد على اي من الاسئلة والتحديات الواقعية التي يطرحها الوضع اللبناني.
لقد برهنت التجربة ان لبنان بحاجة وجودية الى التنسيق مع الدولة السورية على الصعيد الامني والعسكري في مواجهة خطر الارهاب وهذا امر يتجاهله الرئيس الحريري بينما يكرر ويعيد أسطوانة ادانته لدور حزب الله في الحرب على الارهاب انطلاقا من سورية وصولا الى الداخل اللبناني وليس فحسب في الحدود الشرقية التي تحتل روابيها من قبل داعش والنصرة من دون ان يصدر بيان ادانة واحد من الرئيس سعد الحريري حول هذا الموضوع ومن غير تعديل في الموقف اللاجم لدور الجيش اللبناني وواجباته في تحرير تلك التلال التي ترك امرها لعمل دفاعي يقوم به الجيش بينما المقاومة هي التي حررت القسم الاساسي منها الذي تمت استعادته الى السيادة اللبنانية.
ان معركة لبنان الوجودية ضد الارهاب التكفيري هي معركة مشتركة اصلا واساسا مع سوريا وليس انطلاقا فحسب من الوضعية الجغرافية والعسكرية للتلال التي يحتلها التكفيريون او من طبيعة الاوكار التي يقيمونها عليها وما استهدفت به اللبنانيين من سيارات مفخخة ومن التخطيط لعمليات ارهابية وحيث تصدى حزب الله ومعه مخابرات الجيش والامن العام لتلك الخلايا الكامنة في الداخل اللبناني والتي تدار من خلف الحدود.
ان التكتم على هذا الموضوع والتهرب من الاجابة عليه هو بذاته ثغرة خطيرة لا تخدم منطق الاستقرار ولا تخدم منطق التسوية الرئاسية كمنطلق لإعادة بناء مؤسسات الدولة على قاعدة الوفاق الوطني وبالأصل والاساس على قاعدة حماية السيادة اللبنانية ، فتلك اراض لبنانية محتلة لم يقل احد لنا من تيار المستقبل كيف سيتم تحريرها وهم الذين رفضوا تمكين الجيش اللبناني من القدرات التي تؤهله لإنجاز المهمة بالشراكة مع المقاومة التي يجحدون دورها ويهاجمونها ليل نهار وان كان كلام الحريري لم يتضمن شيئا من هذا القبيل في الايام الاخيرة فذلك كما تردد كان بطلب مباشر من المرشح الرئاسي العماد ميشال عون وهو ما لا يبرؤه من تبعات الاساءة للمقاومة طيلة السنوات الماضية .
الامر الذي خبره اللبنانيون منذ الحرب على سوريا ان العلاقة الاقتصادية بسوريا هي حاجة حيوية ومصيرية للاقتصاد اللبناني فالتعاون اللبناني السوري هو ضرورة حياة للزراعة وللصناعة في لبنان.
مفهوم الا يدرك الرئيس الحريري ذلك البعد الاقتصادي من موقعه الداعم للشرائح الريعية المالية والعقارية من الرأسمال اللبناني فالحكومات الحريرية التي دمرت أسس تطور الانتاج وتمكينه من تسويق بضائعه وتطوير شراكاته العابرة للحدود وبالانطلاق اصلا واساس من العلاقة بسوريا ليس فقط لان الجغرافيا تجعلها الممر الوحيد لتصدير البضائع اللبنانية الى الداخل العربي بل لان فرص الشراكة مع سوريا تتيح لقطاعات الانتاج اللبنانية شروطا مناسبة للتطور ولتسويق منتجاتها نحو العالم بما يتعدى الاسواق العربية الذاهبة الى الانكماش في ظل تراجع الفورة النفطية وتراجع القدرات الخليجية على الاستهلاك والاستيراد معا.
اذا عدنا الى اتفاق الطائف فان الميثاق الذي انتجه والذي يتغنى به الجميع اليوم يقوم على مبدأ ان عروبة لبنان محددة اصلا واساس بالعلاقة المميزة مع سوريا وبالتالي بالدولة الوطنية السورية التي تقاتل الارهاب وتتصدى للهجمة الاستعمارية التي شارك فيها السيد الحريري وحزبه السياسي ومعاونوه .
هذه الدولة الوطنية ما تزال ثابتة حاضرة في الامم المتحدة وفي مجلس الامن الدولي ويعترف بشرعيتها معظم اعدائها الا المملكة السعودية المصممة على نطح الحيطان ومعاندة المعادلات القاهرة التي تثبت هزيمة ما خططت له من اجل اسقاط سوريا بقيادة الولايات المتحدة. لكن الإدارة الأميركية نفسها باتت تعترف بان الدولة الوطنية السورية والرئيس بشار الاسد هم الفريق الذي لا قيامة لحل سياسي بدونه والصيغة التي طرحها جون كيري على واجهة عملاء اميركا ممن يسمون بالمعارضة السورية خلال لقائهم به الذي كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز كانت “انكم مضطرون لمحاورة الدولة السورية برئاسة الرئيس الاسد ومضطرون للدخول في انتخابات تظهر حجمكم التمثيلي وعليكم القبول بما سيتيحه لكم ذلك من ادوار في مستقبل سوريا ” وهذا الكلام الاميركي هو عصارة خمس سنوات من قيادة حرب بالوكالة لإسقاط تلك الدولة فيا للعجب يقتنع كيري قائد المشروع المدمر الذي استهدف الدولة الوطنية السورية لكن الحريري ليس مقتنعا !! إنه يريد انتظار النتائج فهل هذا تفكير رجل دولة وزعيم سياسي حريص على مصلحة لبنان او حريص بالحد الادنى على الميثاق الوطني وعلى اتفاق الطائف ؟ !
ان موضوع مستقبل سوريا السياسي ليس من شأن الحريري او أي جهة لبنانية ذلك هو حق للشعب العربي السوري الذي يثبت أكثر فأكثر مدى ثقته وتمسكه بالقائد الوطني الرئيس الدكتور بشار الأسد وبالجيش العربي السوري وبهياكل الدولة الوطنية السورية والحصيلة التي بلغتها الحرب على سوريا تثبت بقوة ان كل الرهانات التي ركبها اعداء سوريا من لبنان هي رهانات خاطئة.
هذه حقائق يعرفها الرئيس ميشال عون بقوة وبدقة وهو صاحب الموقف الطليعي في التضامن مع سوريا انطلاقا من وحدة المعركة ضد الارهاب والتكفير وهو الوفي والنبيل في ادارة مواقفه وعلاقاته وصياغتها بشكل واضح ومن موقع رئاسة الدولة سيكون معنيا أكثر برسم الخيارات بشكل حكيم ودقيق ومسؤول وهذا ما عرف عنه في تاريخه السياسي.
ان التنسيق بين الجيش اللبناني والسوري هو ضمانة لا مفر منها من اجل حماية لبنان والاقرار بطليعية حزب الله عندما ذهب لملاقاة الارهابيين وصدهم انطلاقا من سوريا في سبيل حماية لبنان لا مفر منه والبحث عن كيفية تطبيق مضمون ما نص عليه الطائف حول العلاقات المميزة كعنصر حاسم في رسم عروبة لبنان كما وردت بالطائف هو امر لا يستطيع احد ان يبدله او ان يتحكم به على هواه السياسي. إن كنتم تريدون الميثاق فأول الميثاق العلاقة مع سوريا .. تريدون الأمن فأول الامن العلاقة والتنسيق مع الدولة السورية … تريدون الازدهار الاقتصادي فلا مكان في المستقبل لإمكانية استفادة لبنان من التطورات الاقتصادية العالمية والاقليمية الجارية الا من البوابة السورية .
ليخبرنا اي كان كيف يمكن للبنان إيجاد مكان على خط طريق الحرير … والاستثمار في النهوض الايراني وفي الصعود الروسي وفي الصعود الصيني في زمن الغروب الغربي على المدى العالمي اقتصاديا وانتاجيا من خارج العلاقة المباشرة مع سوريا وليقل لنا الرئيس سعد الحريري كيف يمكن لشركات لبنانية ان تجد لها ممرا الى ورش الاعمار والبناء العملاقة القادمة في سوريا وبقيادة الدولة السورية والرئيس السوري من غير علاقات طبيعية ومميزة بين سوريا ولبنان.
ان زمن الرهان على الغرب والمملكة السعودية ودول الخليج يحط اوزاره ويأفل عن كل المنطقة والعالم والدور القادم للبنان لن يكون الا اذا بات جزءا من خارطة الصعود العالمي للقوى الحية الجديدة ولطريق الحرير الجديد والباب العريض هو العلاقة مع سوريا .