مقالات مختارة

لماذا فاز السبسي وخسر المرزوقي؟ حسين عطوي

 

فاز المرشح للرئاسة التونسية عن حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي في الانتخابات على منافسه منصف المرزوقي، وقد حصل السبسي على 68‚55 في المائة من الأصوات، مقابل 32‚44 في المائة حاز عليها المرزوقي، في حين تجاوزت نسبة المشاركة الـ 60 بالمائة، وتطابق تقرير شبكة مراقبون مع نتائج صناديق الاقتراع، واكدت شفافيتها، وهو ما تجسد في غياب أي طعن في النتائج، أما التجاوزات فكانت محدودة، وصغيرة وليس لها أي تأثير على النتيجة التي أفضت إليها الانتخابات .

لقد شكلت هذه النتيجة مفاجأة للكثير من المراقبين، والمتابعين للمشهد التونسي لا سيما وأن أحزاب الترويكا بقيادة حزب النهضة تعتبر من أحزاب المعارضة لحكم الرئيس السابق بن علي، وكانت تنادي بالتغيير في حين أن حزب نداء تونس يعبر في تكوينه عن قوى السلطة القديمة التي سارعت إلى لملمة صفوفها وتنظيمها في إطار هذا الحزب الجديد الذي تأسس عام 2012 في أعقاب الثورة الشعبية العفوية التي اندلعت من مدينة سيد بوزيد على اثر قيام الشهيد بوعزيزي بحرق نفسه احتجاجاً على سياسات النظام الاجتماعية التي حرمته فرصة العمل، وهو من حملة الشهادات الجامعية، الذين تنتشر البطالة في صفوفهم.

وقد طرح ذلك أسئلة عديد أهمها:

ـ ما الذي دفع التونسيين بهذه النسبة إلى العودة لتأييد حزب ورئيس مولدين من رحم النظام القديم ؟

ـ وما هي الاسباب التي أدت إلى خسارة أحزاب الترويكا للسلطة وتأييد الغالبية من الشعب ؟

ـ وهل يحمل فوز السبسي وحزبه الحلول لأزمات التونسيين والقدرة على مواجهة تحدي الإرهاب.

أولاً: أسباب فوز السبسي وهزيمة المرزوقي:

لا شك في أن أسباب خسارة المرزوقي، وبالتالي أحزاب الترويكا بقيادة حزب النهضة تعود إلى العوامل التالية:

الأول: إخفاق حكم الترويكا على مدى ثلاث سنوات من الحكم في تحقيق أي مطلب من المطلب الاجتماعية التي كانت في أساس الثورة العفوية ضد نظام بن علي، بل أن البطالة زادت عما كانت عليه قبل الثورة، وبلغت نحو 20 في المائة بين حملة الشهادات، والوضع المعيشي تدهور وأيضاً الفقر والبؤس في الريف والإحياء الشعبية.

الثاني: عدم الشروع في تنفيذ أية مشاريع تنموية يتطلع إليها التونسيون لاسيما في المناطق النائية والفقيرة، والاستمرار في الحفاظ على السياسات النيوليبرالية التي احدتث اختلالاً وتفاوتاً في مستويات التطور الاقتصادي والحياة بين المناطق، خصوصاً بين الساحل، والداخل.

الثالث:محاولة فرض نموذج اجتماعي محافظ يتعارض مع النموذج المنفتح الذي يميز حياة الغالبية من التونسيين، وقد أدت محاولات حزب النهضة لفرض أفكاره المحافظة والمتشددة إلى خلق حالة استياء واسعة بين التونسيين.

الرابع: تنامي التيارات الإرهابية والمتطرفة، التي تتخذ من الدين ستارة لها، ولا سيما في مناطق الفقر والبؤس التي تشكل البيئة المواتية لنموها حيث اليأس والإحباط والضياع في أوساط الشباب، وقد استفادت هذه التيارات من وصول حزب النهضة إلى السلطة وسعيه إلى فرض الأفكار الدينية المحافظة، ما أدى إلى إتاحة المجال أمام هذه الجماعات للقيام بالعديد من الهجمات الإرهابية التي استهدفت قوى الجيش واغتيال قيادات وطنية مما شكل تهديداً خطيراً للاستقرار الأمني، وجعل التونسيين يشعرون بانعدام الأمن.

إن هذا التدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفشي خطر الجماعات الإرهابية، إنما كان نتيجة للسياسات التي اعتمدتها الترويكا التي لم تعمل على إحداث أي تغيير يلبي تطلعات التونسيين ويحقق مطالبهم، وما زاد الطين بلة أن الترويكا أوغلت أكثر في انتهاج سياسات النيوليبرالية القائمة على الاقتصاد الريعي وتعزيز علاقات التبعية مع الغرب، وربط البلاد

بشروط صندوق النقد الدولي.

وبدا واضحاً من خلال استطلاعات الرأي أن غالبية التونسيين أيدوا السبسي وحزب نداء تونس، انطلاقاً من فقدان الأمل بالمراهنة على أحزاب الترويكا في التعبير عن تطلعاتهم، ولكون نداء تونس ينتهج خطاً علمانياً منفتحاً، وأكثر تشدداً وحزماً في مواجهة قوى الإرهاب.

ثانياً: إن خسارة المرزوقي تشكل هزيمة كبيرة لأحزاب الترويكا، وقد تلقى هذا التيار ضربة قاصمة وسقط في امتحان الحكم من المرحلة الأولى، وهذا يؤشر إلى أن التونسيين يتطلعون إلى التغيير وغير مستعدين لمنح أي حزب المزيد من الفرص في الحكم، وهم ليسوا على استعداد للتخلي ايضاً عن نمط حياتهم الحضاري المنفتح، ويتوقون إلى تعزيزه والنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية للخروج من أزماتهم وهذا ما يجعل أي حزب يصعد إلى الحكم أمام تحدي الحفاظ على تأييد الغالبية التي مكنته من الفوز في الانتخابات، والمرهون بتحقيق تطلعاتها بالتغيير الحقيقي وليس الشكلي.

ثالثاً: حكم السبسي هل يقدم حلولاً للأزمات؟

إن السؤال الكبير الذي بدا يطرح فور الاعلان عن فوز السبسي هو كيف سيتعامل سيد قرطاج الجديد مع أزمات التونسيين، هل يملك برنامجاً لحلها، وما هي السياسيات التي سينتهجها في مواجهة هذه الأزمات هل سيعيد انتاج سياسات نظام بن علي، أم سينتهج سياسات جديدة مغايرة لحكم الترويكا في آن معاً؟.

لا شك أن الجواب على ذلك مرتبط بالبرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ستتبناه الحكومة المقبلة التي سيتم تشكيلها، والذي يرتبط محتواه بالضرورة بالأمور التالية:

الأمر الأول:طبيعة القوى التي ستتكون منها الحكومة فحزب نداء تونس لا يستطيع تشكيل الحكومة بمفرده، وهو بحاجة إلى نسج ائتلاف مع الكتل البرلمانية الأخرى في البرلمان والاتفاق معها على البرنامج الذي ستسير عليه الحكومة.

الأمر الثاني: موقف حزب نداء تونس وتوجهاته، هل سيتجه إلى احداث قطيعة مع السياسيات النيوليبرالية، ويقرر اعتماد سياسات تنموية اجتماعية تحقق العدالة وتخلق فرص العمل للعاطلين واستطراداً يخرج تونس من فلك التبعية الاقتصادية للغرب ؟.

إذا ما قرر السبسي عدم تغيير السياسات القائمة، انطلاقاً مما يعرف عنه من توجهات ليبرالية وتحبيذه للعلاقات مع الغرب فان ذلك يعني ان الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لن تجد طريقها للحل.

ما يمكن الجزم به هو أن السبسي يملك فرصة لتحقيق تطلعات التونسيين في التغيير، ولن يكون متاحاً له التذرع بمواجهة خطر الإرهاب للتهرب من العمل على انتهاج سياسات تحقق التنمية والعدالة الاجتماعية، بل أن محاربة الإرهاب والتطرف تتطلب بالضرورة مواكبتها بخطة تنموية واجتماعية تستهدف المناطق الفقيرة والريفية بالدرجة الأولى، وهذا لن يكون ممكناً من دون مغادرة السياسات الليبرالية غير التنموية.

إن السبسي وحزبه سيكونان منذ اليوم الأول لتشكيل حكومتهم الجديدة أمام الامتحان الذي سقط فيه حكم الترويكا غير أن ما هو محسوم حالياً هو أن سقوط الترويكا لا يشير إلى أننا امام تغيير جذري سيحدث في تونس، والسبب أن البديل الثوري الذي يملك الرؤية البرنامجية للتغيير لا زال ضعيفاً، وهو ما دفع الغالبية إلى انتخاب نداء تونس هرباً من حكم الترويكا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى