العدوان العثماني على سورية والعراق
غالب قنديل
أقل ما يوصف به السلوك التركي السياسي والميداني بالعدوان على سيادة العراق وسورية واستباحة أراضي الدولتين بكل عنجهية وصلافة وتبدو صورة الأطماع واضحة لا لبس فيها في تصريحات الرئيس التركي الذي عاد مئة عام إلى الوراء في كلامه عن اتفاقية لوزان التي أبرمت بين الدول الاستعمارية خلال القرن الماضي وغداة هزيمة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى .
في حساب الأطماع بالأراضي والموارد يتكشف أردوغان العثماني وتفتضح اطماعه في استعادة ولاية الموصل العثمانية وفي شمال سورية الذي تقتطع منه تركيا لواء اسكندرون واجتاحت مؤخرا مساحات جديدة تغطي احتلالها بذريعة الحرب على داعش بينما تريد السيطرة على مساحات سورية جديدة تحت ذريعة التصدي لقوات الحماية الكردية التي تعتبرها الأجهزة الأمنية التركية امتدادا عضويا لقوات حزب العمال الكردستاني داخل تركيا وفي شمال العراق وتظهر مناحة أردوغان على حلب التي احرقها ونهبها بعصابات تديرها مخابراته مباشرة أي قدر من الدجل يغلف تلك الأطماع القبيحة.
المهزلة الصارخة هي ان حاكم الوهم العثماني يتلطى خلف شعار محاربة داعش المنظمة الإرهابية التكفيرية التي رعاها ومدها بأسباب الحياة ولم تخض قواته حربا فعلية ضدها بل إن المنازلة المزعومة في جرابلس كانت باعتراف الإعلام العالمي بمثابة تسلم وتسليم حيث انتشرات وحدات عميلة للمخابرات التركية تحت ستار الجيش السوري الحر محل جماعات داعش التي اخلت مواقعها وانسحبت إلى منطقة الباب التي يهدد أدروغان باستهدافها وفي رواية اخرى بدل الدواعش ملابسهم وراياتهم بأوامر الضباط الأتراك.
داعش بمالها وسلاحها صنيعة عثمانية أميركية سعودية قطرية ، هذا ما تفضحه الوقائع التي رافقت انتشارها في العراق وامتدادها في سورية وأردوغان يبدو مصمما على استثمارها لخدمة أطماعه في أراضي البلدين ومن المشكوك فيه ان تنجح الرهانات الإيرانية والروسية على ثنيه عن خططه التوسعية والعدوانية فقد اعتمد المناورة دائما مع كل من موسكو وطهران ليعزز مواقعه اتجاه حليفه ومشغله المحوري الولايات المتحدة الأميركية.
من المستبعد منطقيا وعمليا ان تصح التنبؤات بانتقال أردوغان من ضفة إلى ضفة بل هي مجرد تمنيات تنتظرها خيبة ثقيلة فهوامش حركة أردوغان في محوري الشراكة مع إيران وروسيا تلقى لدى الاميركي كل التفهم والتعاون وتقابل بالاحتواء وليس بالصد والمجابهة وهذا ما يفسر مدى الحرص الأميركي على مسايرة الدور التركي لأنه يلبي حاجة محددة وهي خدمة خطط الاستنزاف التي تعتمدها الولايات المتحدة بواسطة عمليات إعادة توجيه فصائل داعش وجبهة النصرة بدلا من القضاء عليها وحيث حصر البنتاغون غارات التحالف وعملياته بالقضاء على مجموعات خارجة عن سيطرة المشغلين .
بعيدا عن جميع الحسابات الدولية والإقليمية تبقى الحقيقة النافرة هي ان قوات تركية تحتل اجزاء من أراضي سورية والعراق وحلفاء البلدين مطالبون بمواقف واضحة بينما لا يبقى طريق لهما سوى مقاومة الاحتلال العثماني الجديد على الرغم من زحمة الأولويات في مواجهة خطر الإرهاب المتمادي الذي دخلت القوات التركية لاحتوائه لا لتصفيته والتخلص منه وهي لذلك تصرفت خلافا للقانون الدولي وانتهكت سيادة دولتين مستقلتين كما فعلت الولايات المتحدة وتحالفها في سورية في حين سوغت ذلك التدخل حكومة العراق طمعا بتنفيذ الاتفاقات التي نكل بها الأميركيون لابتزاز السلطات العراقية ولتمرير عودة التواجد العسكري الأميركي على أرض العراق وعرقلة عملية القتال ضد الإرهاب بتقييد حركة الحشد الشعبي ومشاركته في القتال لحماية العراقيين فالغاية الأميركية المباشرة هي تثبيت تقسيم العراق أرضا وشعبا وتعطيل أي توجه وحدوي يردم الندوب التي خلفها الاحتلال وعززتها اخطاء عراقية كارثية بواسطة العصبيات المذهبية وكانت بمفاعيلها لصالح داعش والقاعدة .
وحدة الموقفين السوري والعراقي وتوحيد الجهود العسكرية والسياسية لصد الإرهاب ومقاومة الاحتلال التركي وردعه هي الخطوات التي لابد منها في هذه المرحلة مهما كانت الصعوبات فقيادة الحكم التركي تفصح عن اطماعها بكل وقاحة على مرأى من العالم وهو امر يستحق تحركا مشتركا من دمشق وبغداد ويفترض مراجعة حسابات مع الحليفين الروسي والإيراني .