مقالات مختارة

على فوهة بركان داعش:اليكس فيشمان

 

لقد بدأ تدفق المتطوعين لداعش من اوروبا الغربية والعالم الإسلامي بالتوقف في الاشهر الاخيرة. فمن أصل 1000 إلى 2000 متطوع شهريا في صيف 2014 تقلص الرقم إلى العشرات الذين يمكنهم بشكل أو بآخر الوصول إلى العراق أو سوريا والانضمام لصفوف التنظيم.

لقد كان داعش في صيف 2014 في ذروة قوته بعد احتلال الموصل، المدينة الثانية من حيث حجمها في العراق، وانتصر على أربعة ألوية للجيش العراقي وسيطر على ثلث الدولة. وقد بدا في حينه أن هذا التنظيم لا يمكن هزيمته. تسونامي داعش جر وراءه شباب مسلمين متحمسين من جميع أرجاء العالم. والآن بعد عامين ونصف بقيت الموصل هي القلعة الاخيرة تقريبا لداعش في العراق، والحماسة في العالم الإسلامي تراجعت ومعها تراجع تدفق المتطوعين لداعش.

لكن هذا الامر بالذات هو الذي يقض مضاجع اجهزة الاستخبارات والامن في غرب اوروبا وفي تركيا والى درجة معينة في إسرائيل ايضا، حيث إن هؤلاء الشباب لا يصلون إلى العراق، لأن قيادة داعش طلبت من وكلاء تأثيرها في ارجاء العالم وقف تدفق المتطوعين وإبقاءهم في بلادهم من اجل استمرار محاربة «الكفار» في البيت. وكلما زادت الأنباء حول استعداد الجيش العراقي من اجل احتلال الموصل، كلما زادت احتمالية العمليات في المطارات والاماكن المكتظة في اوروبا. وقد تم تنفيذ بعض هذه العمليات، في تركيا مثلا. اجهزة العمليات الخارجية لداعش تعمل في هذه الاثناء وكأن التنظيم ما زال في ذروة بدايته.

حتى لو اختفت فكرة الخلافة الإسلامية من العالم، فإن التنظيم والايديولوجيا لن يختفيا. فقط الشكل سيتغير وسيستمر الجسم الجهادي في العمل على مستوى العالم، الامر الذي قد يشغل العالم لسنوات اخرى طويلة. الدعاية الرسمية والعلنية لداعش موجهة لمؤيدي التنظيم في أرجاء العالم، من الولايات المتحدة وحتى تايلاند، وهي تحثهم على تنفيذ العمليات. وما زالت إسرائيل في هامش جهود داعش، لكن مؤخرا كشف «الشباك» عن خلايا فلسطينية تنتمي لداعش، رغم أن ذلك ما زال هامشيا مقارنة مع غرب اوروبا. وبالنسبة للشباك فإن علاج داعش لم يعد يقتصر على الساحة الخلفية للإرهاب، حيث أن اولئك الشباب الذين لا يذهبون إلى سوريا، سيحاولون تطبيق ايديولوجيا داعش هنا. سقوط الموصل لن يخفف من خطر داعش، بل العكس هو الصحيح.

أنفاق مفخخة

منذ أشهر تستعد الموصل للهجوم الكبير. لقد أغرق داعش نهر دجلة الذي يقطع المدينة بالوقود، وسيتم اشعاله في لحظة دخول القوات إلى المدينة. وستغطى السماء بالغيوم السوداء لتشويش القصف الجوي. الدفاع عن الموصل يتم على أيدي قائد عسكري، يبدو ضابطا سابقا في جيش صدام حسين، حيث تم تشكيل كتائب وألوية وتم وضع عدد من العوائق والانفاق والكمائن. وحسب التقدير، في داخل الموصل بين 4 آلاف ـ 8 آلاف مقاتل لداعش. صحيح أن العلاقة الرقمية بين المهاجمين والمدافعين هي في صالح المهاجمين، لكن حرب المدن تحمل معها عامل المفاجأة.

رجال داعش قاموا بنقل عائلات المقاتلين قبل المعركة من الموصل إلى الرقة. وفي المقابل وصلت إلى الموصل تعزيزات من بعض المواقع التي أخلاها داعش. والتقارير التي تفيد بأن مقاتلي داعش يقومون باخلاء المناطق المحيطة بالموصل، هي تحليلات فقط.

ويتبين أنهم يتحصنون بشكل متعمد داخل المدينة. ويبدو أن التقدم السريع غير المتوقع للقوات العراقية هو عبارة عن خدعة بصرية، وليس نتيجة انتهيار الخطوط، بل نتيجة قرار عسكري حكيم لداعش عن طريق تركيز المقاتلين على الجهد الاساسي.

بدأ الهجوم على الموصل عمليا قبل بضعة اسابيع، مع تكثيف القصف الجوي الأمريكي والعراقي. وبالتوازي يستعد الأمريكيون في البحر المتوسط والبحر الاسود والخليج العربي مع السلاح القادر على اطلاق الصواريخ الكثيف. قادة القيادة الوسطى الأمريكية لم يهتموا فقط بانشاء تحالف قوات عراقية وكردية برية، بل ايضا قاموا بجولة في دول المنطقة من اجل الحصول على الموافقة لمسارات التحليق وخلق تفاهمات حول الصواريخ العابرة التي ستعبر سماء هذه الدول. يمكن القول إن الأمريكيين لن يطلقوا صواريخ عابرة تمر فوق سماء سوريا بسبب تواجد روسيا والتوتر المتصاعد في العلاقة بين الدولتين. لذلك هم بحاجة إلى مساعدة دول اخرى في المنطقة.

عندما أعلن رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي في 17 تشرين الاول/أكتوبر عن عملية احتلال الموصل، قام عمليا باعطاء الضوء للمرحلة البرية الاولى فقط: فرض الحصار على المدينة، الحلقة الاولى التي وصلت اليها القوات الكردية والعراقية حتى الآن تبعد 50 كم عن مركز الموصل، حيث إن الهجوم ما زال في بدايته، والانقضاض يعتمد على النار الأمريكية الكثيفة باتجاه اهداف داخل المدينة وبقوة لم نشهدها حتى الآن. سلاح الجو الأمريكي، بمساعدة القوات البرية العراقية التي دربتها الولايات المتحدة والقوات الكردية، البشمارغا، التي دربتها تركيا، جميعهم يستعدون لمعركة ستستمر لاشهر، ويُصلون كي تستمر اسابيع فقط.

خلال الحرب في افغانستان طورت القوات الأمريكية الخاصة تقنية للقضاء على قادة وضباط ميدانيين. وحدات صغيرة كهذه تعرف الانقضاض يوميا على 3 ـ 4 اهداف من خلال معلومات دقيقة وصيد القادة بجميع المستويات. هذا ما حدث في السنة الاخيرة في العراق وسوريا بالتعاون مع محاربي «الخدمات الجوية الخاصة»، ووحدة الكوماندو البريطانية المعروفة.

كان للطائرات بدون طيار دور حاسم في القضاء على المئات من قادة داعش. في آذار/مارس من هذا العام قتل في سوريا أبو عمر الشيشاني، رئيس العمليات في داعش. وفي آب قتل الأمريكيون أبو محمد العدناني وهو رقم 2 في داعش والمسؤول عن ذراع العمليات الخارجية وعن العتاد العسكري والدعاية. زعيم داعش نفسه، أبو بكر البغدادي، يحافظ على سرية مطلقة. وظهوره العلني الاخير كان قبل نصف سنة، ولا أحد يعرف حقيقة وضعه بالضبط. الأمريكيون يزعمون أن لديهم معلومات بأنه على قيد الحياة وهو يستمر بادارة التنظيم من الرقة، حيث أن اتصالات داعش هناك لم تتضرر. يمكن القول إن الحاق الضرر بقيادة داعش والقيادة الميدانية سيؤثر على أداء التنظيم، لكن ذلك غير كاف إلى الآن من اجل وقفه كليا.

ستالنغراد داعش

إن أداء داعش كدولة في حالة تدهور حتى قبل بدء معركة الموصل. في العام الاخير تقلصت المنطقة التي يسيطر عليها داعش في العراق إلى الثلث، والتنظيم لم يحتل مناطق جديدة. والقوة البشرية لديه انخفضت بـ 30 ـ 40 في المئة، رغم أنه ما زال يملك 20 ألف مقاتل. والميزانية انخفضت بـ 50 في المئة، خصوصا بفقدان المدخولات من الضرائب والنفط، والعمل الأمريكي المكثف ضد اموال التنظيم. أجرة مقاتل داعش تصل اليوم 100 ـ 150 دولار شهريا مقارنة مع 300 دولار في الايام الجيدة.

في بداية طريق الدولة الإسلامية، عندما تم احتلال المدن الاولى، قدم داعش خدمات بلدية: المدارس، الشرطة وجمع القمامة. حكام المحافظات والمجالس الشرعية راقبوا تطبيق قوانين الشريعة، وكل قرار مناطقي كان يجب أن يحصل على موافقة الحكم المركزي في الرقة. ولعب التنظيم ايضا دورا سياسيا في مجالات مثل الامن والاقتصاد والصحة. كل ذلك آخذ في الاختفاء مع ترك المواقع البلدية الكبيرة. ويمكن رؤية ظواهر قلة الكهرباء أو الجوع.

في السنة الماضية لم نر تقريبا افلام دعائية توثق قطع الرؤوس للأسرى بالملابس البرتقالية. هذا ليس صدفة. دعاية داعش، التي كانت رافعة من الرافعات التي وفرت النجاح للتنظيم في اوساط الشباب المسلمين وبثت الرعب في قلوب الكفار، تراجعت كما ونوعا. حجم النشاط في الشبكات الاجتماعية ونشر الافلام والخطابات والمدونات تراجع بنسبة عالية. اعمال مثل احراق الطيار الاردني، لا توجد تقريبا في الشبكة. لقد أثر قتل العدناني، لكن التراجع في هذا المجال بدأ قبل ذلك. ومنذ بدء المعركة على الموصل هناك تزايد في حجم الدعاية التي تهدف إلى تخويف القوات المهاجمة مع قصص حول الانفاق المفخخة والشوارع المفخخة ايضا. الرسالة واضحة: الموصل هي شرك الموت بمن سيحاول احتلالها. الدعاية تعمل ايضا تجاه سكان الموصل كي لا يهربوا أو يتعاونوا مع العدو. ويعمل داعش بالطريقة المعروفة: اعدام المواطنين المتهمين بالخيانة.

داعش لم يختف بل غير مكانه. حين طرد أو ترك مدن تحت الضغط العسكري للتحالف الأمريكي في العراق، انتقل إلى المحيط، إلى القرى، وقام بممارسة الإرهاب من هناك. في سوريا يتقلص داعش باتجاه الرقة ـ وهي مركز سلطته الاهم منذ صيف 2013. هناك تتواجد القيادة المدنية والعسكرية، وهناك يتم تحديد الاستراتيجية، وهناك يتواجد القائد أبو بكر البغدادي. المعركة التي ستحدث في الايام القادمة على الرقة هي بالنسبة لداعش مثل «معركة ستالنغراد». الموصل في العراق هي مهمة، لكنها تأتي في المكان الثاني بعد الرقة، وهي مدينة يوجد فيها 220 ألف نسمة. وعندما تسقط الموصل سينسحب رجال داعش إلى الرقة. وعندما تسقط الرقة ستنهي الدولة الإسلامية دورها ككيان سياسي مع منطقة جغرافية. ولكن رغبة استهداف الكفار لن تختفي.

تقنية التقلص والتوسع حسب التطورات الميدانية هي قرار عسكري وليس ايديولوجيا. ويقف من ورائها ضباط سابقون في الجيش العراقي من مؤيدي نظام صدام حسين. تقنية داعش الدفاعية هي نفس التكتيك الذي استخدمه «المتمردون» ضد الجيش الأمريكي في حرب الخليج الثانية. في بعض المدن التي كانت تحت سيطرة داعش وسقطت في الاشهر الاخيرة في أيدي الجيش العراقي مثل الرمادي وتكريت ورتبا والفلوجة، سفك الكثير من دماء الأمريكيين في العام 2003، على أيدي محاربي العصابات والانتحاريين. تراجع داعش من هذه المدن دون معركة. وحسب قرار عملي لقيادته: عدم توزيع القوة، وتركيزها في مناطق حيوية.

مهمة للرئيس القادم

عندما سيطر داعش على الموصل، احتاج هذا الامر بضعة اسابيع. المعركة بدأت في 6 حزيران/يونيو 2014 وانتهت في 4 آب/أغسطس مع دخول البغدادي إلى المدينة واعلانه عن انتصار الخلافة. ليس واضح كم من الاسابيع ستستمر الحرب الآن، لكن فصل داعش في العراق اقترب من نهايته كما يبدو. وفي لحظة انسحاب التنظيم من الموصل سينتقل ثقل الحرب إلى الاراضي السورية. هذا هو التحدي الكبير لروسيا والولايات المتحدة في 2017. في الوقت الذي يدار فيه التحالف في العراق من قبل القيادة المركزية الأمريكية التي دربت الجيش العراقي وتحصل على تعاون الاكراد والاتراك إلى حد ما، سوريا قصة مختلفة كليا. ليس فقط أنه لا يوجد احتكار أمريكي للحرب في سوريا، بل إن روسيا هي الجهة الاولى المؤثرة في هذه الدولة. لا توجد أي مصلحة أمريكية لتدريب الجيش السوري واحتلال الرقة، ولا توجد مصلحة لدى اكراد سوريا في التعاون مع الأمريكيين من اجل تعزيز وضع الرقة، خصوصا على ضوء ادعائهم أن وزارة الخارجية في واشنطن قد باعتهم لتركيا.

الرقة لا توجد الآن على جدول اولويات الجيش السوري وروسيا. فهم يركزون على استمرار سلطة الاسد ومحاربة المتمردين في حلب وحماة. وهذا ما سينتقل إلى الرئيس الأمريكي القادم. يمكن أن الرئيس القادم سيجد طريقة للتفاهم مع روسيا من اجل اقتلاع داعش من الرقة، وهذا يعني القضاء على الخلافة الإسلامية في الشرق الاوسط.

إن احتلال الموصل سيغير وجه العراق وسيؤثر على كل الشرق الاوسط. داعش هو الذي كان يعيق اندلاع الحرب الاهلية بين السنة والشيعة، وبين الشيعة والشيعة على خلفية مستوى تدخل التنظيم في الشؤون العراقية، يتبين أنه ليس كل الشيعة في العراق يتحمسون لفكرة تحول العراق إلى تابعة لإيران مثل سوريا. اغلبية سكان الموصل هم من السنة، وصراعات القوة التي ستحدث لحظة تحرير الموصل قد تخلق نوعا من عدم الاستقرار في كل العراق، ونشوء جماعات إرهابية جديدة. نار الحرب بين السنة والشيعة في العراق قد تشعل كل المنطقة.

الموصل لم تسقط بعد، لكن منذ الآن هناك نقاشات حول تأثير انهيار داعش على أمن اوروبا والشرق الاوسط. من الواضح أنه حتى بدون دولة أو مناطق جغرافية، فإن ايديولوجيا التنظيم الجهادي السلفي ستستمر، واللغز الكبير هو الشكل الذي سترتديه هذه الافكار بنظر الشباب المسلمين المتطرفين والى أين سيتم صب هذه الطاقة السلفية وكيف ستؤثر على الأمن العالمي.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى