رصاص المسلحين أقوى من صمت هدنة حلب محمد بلوط
جولةٌ أولى خاسرة لجولة الهدنة الحلبية، من دون أفق لأيامها الثلاثة الباقية. حلب الشرقية وعشرات الآلاف من الحلبيين رهائن بيد «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» والمجموعات المسلحة.
لم يترك عشرات قناصة «النصرة» و «أحرار الشام» ممراً لحيٍّ بين ضفتي المدينة. من الشرق الى الغرب الحلبي، لم يعبر سوى رصاص القنص، وقذائف المدفعية. التبكير الروسي والسوري في فتح المعابر بين الحلبين شرقاً وغرباً، لم يدفع بحشودِ حلب الشرقية نحو غربها، بل أيقظ رماةَ مدفعية «جبهة النصرة» ساعةً أبكر مما كان مقرراً لإصلاء المعابر جواب «الجبهة» و «أحرار الشام» المدوّي والمتفجر على هدنة الانسحاب من الحصار في الشرق الى حيث شاؤوا في جحيم الغرب الحلبي، أو محرقة ادلب التي تهوي اليها الباصات المُحملة بمئات المقاتلين القادمين من كل الهدن بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة، الى معركة أخيرة قد تختم الحرب السورية.
النقيب الذي بكّر الى مكبرات الصوت، في طلعة الإذاعة الحلبية، وأحد معابر بستان القصر، قدم تمريناً في الحرب النفسية، في الهواء الطلق، لإقناع المسلحين المحاصرين بالصعود الى الباصات التي تنتظرهم قرب المعبر لقاء ضمانات لسلامتهم، وسفراً آمناً الى ادلب أو خان العسل. لكن أحداً من جماعة المسلحين «الأشرار» لم يخرج من خلف السواتر الترابية. مفتي سوريا بدر الدين حسون وجد متسعاً في مكبرات الصوت لتدوّي أصداءُ دعوته الى تحكيم العقل وإلقاء السلاح في خطبته، في فضاء الساحة الكبيرة التي تتوسط المعبر ورتلاً من الباصات. لكن أحداً لن يصعد اليها من المدعوين، مسلحين أو مدنيين. وبينما كان المفتي حسّون يعد المقاتلين الأجانب، بمأوى سوري بديل من أوطانهم التي لن تقبل بعودتهم، كان المعبر في بستان القصر يفتح سواتره لقذائف الهاون القادمة من الشرق.
الضباط الروس المُشرفون على تنفيذ الخطة، رفعوا لافتة مركز المصالحات الروسية على جدار المحرس الوحيد على طريق الكاستيلو. وفي وسط الطريق الذي لم يعبره أحد، نصبوا شاشة لمتابعة صور تبثها طائرة استطلاع تحلق حول المعبر، لن تحييها صورة عابرٍ واحد. الجرّافة تعود من إحداث ثغرة في الساتر الترابي لم تجد من يعبر منها طيلة النهار.
«جبهة النصرة» و «أحرار الشام»، كانا قد سبقا المنتظرين غرب المعابر، في بستان القصر، والكاستيلو، الى محاصرة المدنيين في الداخل، وتنظيم الحرب على الهدنة. حظر الانتقال، منذ أسبوع، من حي إلى آخر شرق المدينة نفسها، سهّل عليهما احتواء تحركات المدنيين ومنع اقترابهم من المعابر. الإدارة المحلية التي تضمُّ وجهاء ونخب الأحياء الشرقية خسرت أربعة من أعضائها برصاص «أحرار الشام». المقاتلون داهموا في حي الصاخور اجتماعاً «متمرداً» يناقش خروج المدنيين الى غرب المدينة. في الاشتباك، سقط أيضاً ثلاثة من المداهمين. التصدع قد يتحول الى انشقاق. فصيل «ذو النورين» في حي بستان القصر، المتواضع، خاض اشتباكات مع «أحرار الشام» و «النصرة»، لحماية تظاهرة في بستان القصر وأخرى في الفردوس طالبتا بالخروج من الحصار. بستان القصر الذي كان ثاني الأحياء الحلبية في تسيير التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، أخرج تظاهرة من ألف مدني طالبت بالعبور الى الغرب.
ضبطُ نفسٍ كبير من الإدارة الروسية – السورية المحلية لعصبية قناصة «النصرة»، ورماة المدفعية من «أحرار الشام»، على كل المعابر. الجنود السوريون الذين تعرضوا لقصف مُركز على خطوط التماس الموازية للمعابر، لم يطلقوا طلقةً واحدة. لم تأت من الغرب قذيقة سورية واحدة. الروس والسوريون أحصوا القذائف، حافظوا على معابر آمنة نحو خطوطهم لطمأنة طرق لم يسلكها أحد طيلة النهار. المجموعات المسلحة انتصرت في جولة اليوم الأول من المعركة مع الهدنة. لكن فرضية البيئة الحاضنة للمسلحين في شرق المدينة التي تدوم منذ أربعة أعوام تصدعت بسبب محاصرة أمراء الحرب في المدينة للسكان من دون تمييز. وقد تنهار اذا ما واصلت المجموعات المسلحة حصارها من الداخل على الحلبيين، وهو أحد رهانات الهدنة الروسية والسورية بإسقاط المدينة من الداخل وفصل «النصرة» و «أحرار الشام» عن بقية المجموعات، خصوصاً أن عدداً كبيراً من مسلحيها ينتمي الى عائلات تنتظم في جيش مدني قد يخاطر أفراده بحياتهم بمواجهة «النصرة» و «أحرار الشام» من أجل الخروج من الحصار.
ورغم ذلك، دخلت بعثةٌ من الوسطاء من المجتمع المدني، لمواصلة اختبار المفاوضات ومنع المتطرفين من فرض قرارهم على الآخرين. وبحسب مصدر أممي، من المتوقع أن تخرج قافلة من 200 جريح ومدني من حلب الشرقية، عبر معبر الكاستيلو، فدُوار الجندول، نحو مشافي المجموعات المسلحة الميدانية في أرياف حلب الغربية. الروس يحتاجون للمزيد من المبادرات لتخفيف الضغوط الإعلامية والديبلوماسية التي يتعرضون اليها، والقافلة قد تنطلق ظهيرة اليوم كأول ثغرة في حصار «النصرة» و «أحرار الشام» للمدنيين في شرق حلب، من دون أن يعني ذلك أن المجموعات المسلحة ستذهب أبعد في قبولها للهدنة.
وتقول مصادر في المعارضة السورية، إن فرص نجاح الهدنة منعدمة، لان خيار اختراق الحصار واستعادة المبادرة في المدينة لا يزال مطروحاً لدى قيادات «النصرة» و «أحرار الشام»، و «جيش الفتح» عموما.
وتقول المعلومات إن قيادة «جيش الفتح» تروّج أنها استعادت كميات كبيرة من الأسلحة والمدفعية والصواريخ كانت قد وصلت اليها من السعودية في ذروة عملية «ملحمة حلب الكبرى» قبل شهر ونصف، كما حصلت على كميات كبيرة إضافية من الأسلحة والذخائر لتعويضها ما فقدته خلال القصف الروسي لمستودعاتها الشهر الماضي. ويقول المصدر السوري المعارض إن السعوديين يشجعون «جيش الفتح» على مواصلة القتال، وان عملية اختراق يعد لها المسلحون لفتح ممرات نحو حلب الشرقية، وقد بدا الحشد لها في الأتارب شمال حلب، واورم الكبرى غرب المدينة، وخان طومان جنوب غربها. وينسب المصدر المعارض لقيادة «جيش الفتح»، وصفَها المعركة المقبلة بأنها ستكون أضخم المعارك التي عرفتها المدينة منذ اربعة اعوام. كما ينسب اليها وصفها بالكذب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن طلبه إخراج «جبهة النصرة» من حلب الشرقية، وقوله إنه يقول ذلك لإرضاء الروس، وكسب الوقت في ريف حلب الشمالي.
وأضافت المسودة «المسؤولون عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان يجب أن يحاسبوا. الاتحاد الأوروبي يبحث كل الخيارات بما في ذلك إجراءات تُفرض على أفراد وكيانات تدعم النظام حال استمرار الفظائع التي تحدث حاليا».
(السفير)