الانتصار العسكري مقابل الهزيمة السياسية: أفرايم هليفي
في الذكرى الرسمية لشهداء حرب يوم الغفران في جبل هرتسل تحاسب رئيس الوزراء مع المسؤولين عن قصورين، كانا برأيه في أساس السلوك الفاشل في الايام الاولى من الحرب. الاول، التقدير الاستراتيجي المغلوط عن نوايا مصر وسوريا في أنهما لا تتجهان نحو الحرب؛ والثاني هو القرار بعدم إصدار الامر لتوجيه ضربة وقائية مسبقة قبل اندلاع المعارك. عن الاول لا جدال. عن الثاني – يجب الاختلاف معه والجدال فيه جدا.
الافتراض بانه كان يمكن نسخ الضربة الوقائية الجوية لحرب الايام الستة هو افتراض مغلوط. في الاسبوع الاول من الحرب نجح المصريون والسوريون في اسقاط أو تدمير نحو ثلث حجم القوات الجوية لاسرائيل. ومذكور القول الذي تقشعر له الأبدان “الصاروخ يلوي جناح الطائرة”، مثلما أخرج الصاروخ البري “ساغر” نحو 800 دبابة إسرائيلية عن العمل. وكانت الطائرات والدبابات في معظمها من إنتاج أمريكي، فيما كانت الصواريخ من انتاج الاتحاد السوفياتي. لقد كان للجيشين السوري والمصري وسائل تحصين روسية أثبتت لشدة الاسف نجاعتها. وحتى لو نفذت إسرائيل هجوما وقائيا جويا مسبقا، لكان من المعقول الافتراض بان المصريين والسوريين كانوا سينجحون في اسقاط عدد كبير من الطائرات – إذ في ذاك اليوم لم يكن لدينا جواب على شبكة الصواريخ أرض – جو الروسية.
غير أنه إضافة الى الاعتبارات العسكرية الصرفة، ينبغي أن نأخذ في الحسبان بان فتح معركة بمبادرة إسرائيلية كان سيجعل من الصعب جدا العمل على ربط الولايات المتحدة الى جانبنا. فبين اسرائيل والولايات المتحدة كانت توافقات وتعهدات متبادلة في مستويات استراتيجية، صممت في السنوات التي سبقت حرب يوم الغفران. وقد تضمنت هذه ضمن أمور أخرى الفهم ألا تفاجيء إسرائيل الولايات المتحدة بالمبادرة الى شن حرب. اما مفاجأة واشنطن في يوم الغفران وشن الحرب، في الوقت الذي واظبت فيه اسرائيل في الاسابيع التي سبقت ذاك اليوم على تقدير متماسك بان كل خطوات العرب لن تؤدي الى الحرب، ليست فقط خطوة عديمة المنطق بل وأيضا خطر في أن تفضل واشنطن أن تراقب الامور وهي واقفة جانبا بدلا من المخاطرة بغضب العالم العربي من أنها تتماثل مع “المعتدي”.
وحتى هكذا، لم تسارع الادارة الامريكية الى تقدم العون لاسرائيل. فقد احتاجت واشنطن اياما ليس فقط كي تقدر الخيارات المفتوحة بل وأن تفهم ايضا الى أي مدى تضررت قدرة اسرائيل على مواصلة المعركة. فالمعطى الذي يقول إن وزير الدفاع موشيه دايان وليس غيره فكر بجدية بالموافقة على وقف النار في اليوم السادس للحرب، أثار لدى بعض من الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة التفكير بالحوار مع الروس للوصول الى انهاء الحرب في وضع مثابة التعادل. والدليل هو أن هنري كيسنجر سارع الى موسكو حتى بعد أن اجتازت اسرائيل القناة كي يتحدث مع الكرملن.
مرتان تحدثتا القوتان العظميان على المستويات العليا في نزاعنا. في 1956، في ذروة الحرب الباردة، في الايام التي سارت فيه الدبابات الروية في شوارع بودابست وقمعت التمرد الهنغاري بحمام من الدماء، ارتبط قادة الولايات المتحدة وروسيا في خطوة مشتركة ناجحة أجبرت إسرائيل على الانسحاب من كل الاراضي التي احتلتها في سيناء وفي غزة. وفي حرب يوم الغفران أيضا تحدث قادة القوتين العظميين، وفقط بفضل رئيسة الوزراء مئير مُنع وضع تنتهي فيه الحرب مثلما انتهت حملة كديش – انتصار عسكري وهزيمة سياسية.
من تابع مداولات مجلس الأمن هذا الاسبوع في موضوع المناطق لا بد أنه لاحظ تشابه تام في المواقف بين الناطقين بلسان الولايات المتحدة وروسيا، رغم المواجهة بينهما حول حلب المحترقة. وكأنهما كان يقرآن من ذات صفحة الرسائل. فتفاهم أمريكي روسي لا بد سيطيب لترامب. فمن سينقذنا هذه المرة من مثل هذا الفخ؟
يديعوت