تفاهمات باسيل – نادر غير ملزمة لحزب الله… اذا تجاوزت حدود «المقايضة» ابراهيم ناصرالدين
ماذا سيفعل حزب الله بسلاحه اذا ما انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان؟ سؤال ظل يتردد طويلا على مسامع مسؤولي وقيادات الحزب قبل العام الفين، وكان الجواب يومها لتنسحب اسرائيل اولا ولكل حادث حديث؟ بعد الانسحاب اكتشف المهتمون بالحصول على اجوبة، ان للحزب استراتيجية متكاملة سمحت له بالحفاظ على منظومة المقاومة بكافة عناصرها الامنية والعسكرية وبقيت تراكم عناصر القوة الى يومنا هذا في ظل اتساع مهماتها على امتداد الاقليم… هذه المعادلة تتكرر اليوم مع اصرار الحزب على عدم تقديم اجابات واضحة عما سيفعله في اليوم التالي لتبني الرئيس سعد الحريري ترشيح الجنرال ميشال عون للرئاسة خصوصا كيفية تعاطيه مع معارضة رئيس مجلس النواب نبيه بري لوصول حليفه الى بعبدا… الجواب واضح «ليعلن الحريري موقفه وعندها يبنى على الشيء مقتضاه»… لكن السؤال الاساسي يبقى، لماذا يبدو الحزب اقل الاطراف السياسية توترا؟
بالقياس على التجارب السابقة يوحي الحزب لمن يلح عليه بالسؤال ان لديه «خارطة طريق» سيضعها قيد التنفيذ لتسهيل انتخاب حليفه رئيسا للبلاد… فلماذا الاستعجال؟ تتساءل اوساط مطلعة على موقف الحزب؟ الساعات القليلة الماضية اظهرت ان قيادة حزب الله تبدو اقل الاطراف توترا مع تصاعد «حمى» الاستحقاق الرئاسي، حتى الان لم تحرك حارة حريك «ساكنا» باتجاه «الخصوم» او الحلفاء، حالة الارباك السائدة في البلاد راهنا ترتبط بمحاولة كل طرف الضغط على الحريري اما لاستعجاله الاعلان عن تبني ترشيح عون، او لثنيه عن القيام بذلك، او اقله تاجيل الاعلان الى اجل غير مسمى بانتظار انضاج التسوية.. وهنا لا يرى الحزب نفسه معنيا بهذا الحراك لان الدخول في مساومة مع الحريري في هذا التوقيت سيكون له اثمان في السياسة، الحزب لن يعطي رئيس تيار المستقبل اي فرصة للمساومة على اي ملف يتجاوز معادلة القبول بمقايضة الرئاسة الاولى برئاسة الحكومة، وهي «كلمة السر» التي اعطاها الحزب لعون للبدء في المفاوضات مع الحريري، ولكن لا ضمانات تتجاوز هذا الحد..وعندما فاتح وفد تيار المستقبل نظيره في حزب الله خلال احدى جلسات التفاوض الثنائي في عين التينة حول احتمال حصول تطور ايجابي في موقف الحريري من عون، كان الجواب «هذا الخيار يناسبنا… ولكن لا كلام حول ترتيبات مرحلة ما بعد نجاح التسوية الا بعد انجاز الاستحقاق الرئاسي»…
الغموض في كيفية تعامل حزب الله مع المرحلة المقبلة لا يعني انه لا يمكن تلمس بعض جوانبها من خلال ما يرشح من معلومات حول بعض النقاط التي يمكن اعتبارها من الثوابت، لكن قبل التطرق الى شرحها من المفيد التذكير بان الحزب لا يرى في المبدأ بان عودة الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة، انجازا سعوديا، او ربحا لتيار المستقبل على حد قول الاوساط قد تكون العودة الى السراي الحكومي مكافأة شخصية غير مستحقة للرجل، لكنها ثمن معقول ومقبول في اطار تسوية تخلى خلالها فريق 14عن كافة طروحاته المتشنجة وعن مرشحيه الرئاسيين الواحد تلو الاخر، ووصل اخيرا الى قناعة بتبني مرشح الحزب للرئاسة، وهذا في حد ذاته انعكاس مباشر لانقلاب المشهد الاقليمي وتقدم محور المقاومة على كافة الجبهات في المنطقة.. وفي حال نجاح الحريري في تشكيل الحكومة لن يتغير الكثير، فالرئيس تمام سلام ليس من خارج المعادلة السعودية، واقتصر دوره خلال الفترة الماضية على «ادارة الازمة» الداخلية والتعامل مع الملفات الخارجية ضمن ثوابت مقبولة من الجميع، ولن يستطيع الحريري تجاوز هذه المعادلة مهما بلغت حصته الحكومية، ففي الحكومة الحالية نال «صقور» تيار المستقبل حصة الاسد في الحقائب السيادية، وعكس ما كان يظن «التيار الازرق» ادى اسناد حقيبتي العدل لاشرف ريفي والداخلية لنهاد المشنوق، الى استنزاف «التيار الازرق» وليس مستبعدا ان تزداد التصدعات الداخلية والازمات مع تولي الحريري مهامه في الرئاسة الثالثة…
وبالعودة الى الثوابت، يبقى في مقدمتها، رغبة الحزب الصادقة والفاعلة تسهيل وصول عون الى بعبدا فهذه فرصة لن يفوتها الحزب ولن يدعها تفلت من بين «يديه».. فبعيدا عن الوعد الاخلاقي والسياسي المعلن من قبل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «للجنرال»، فان ثمة ابعاداً اخرى يحرص حزب الله على عدم المجاهرة بها ولكنها تشكل منعطفا استراتيجيا في تاريخ لبنان القديم والحديث، فاذا ما انتخب عون رئيسا، ستكون المرة الاولى التي يتمكن فيها الشيعة من ايصال مرشح رئاسي الى القصر الجمهوري، وهذا الامر له ما قبله وما بعده، فمنذ اليوم الاول للفراغ الرئاسي تبنى الحزب ترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح باعتباره المرشح الطبيعي والوحيد، ولم يتمكن احد من فتح «ابواب» مجلس النواب لانتخاب غيره، الحريري ذهب الى خيار «الجنرال»ضمن معادلة «مجبر اخاك لا بطل» وهو اصلا لا يدعي غير ذلك، وابلغ كل من راجعه طالبا منه التريث في تبني الترشيح ان حزب الله ابلغه ان لا رئيس للجمهورية غير ميشال عون «ونقطة على السطر»..وهو لا يملك ترف «انتظار» «اللاشيء».
من الامور الثابتة ايضا، ان التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله يقف عند حدود ايصال عون الى بعبدا، والقبول بالحريري رئيسا للحكومة، واي تفاهمات ثنائية قد تكون تمت مع تيار المستقبل لا تلزم الحزب بشيء، فقبول حزب الله برئاسة الحريري للحكومة المقبلة لا يعني انه ملزم بتسهيل تشكيلها اذا لم تتناسب مع متطلباته وشروطه، واي وعود قد يكون الوزير جبران باسيل قد قطعها لنادر الحريري تمثل رأي التيار الوطني الحر فقط، الحزب يتعامل مع انتخاب الرئيس كاستحقاق منفصل عما سيليه وخصوصا تشكيل الحكومة، وهذه المعضلة باتت تقلق الحريري الذي بات يخشى عدم قدرته على تشكيل الوزارة العتيدة بعد ان اعلن الرئيس نبيه بري انه سيكون في المعارضة ولن يكون جزءا من حكومته، وهذا يعني ان رئيس تيار المستقبل سيواجه معضلة غياب حركة امل وحزب الله ما سيفقد الحكومة الميثاقية، وهو هنا يعتقد ان الحزب قد يسير بانتخاب عون رئيسا متجاوزا اعتراض بري لكنه سيتضامن معه في الملف الحكومي…
وفي هذا السياق فهم الحريري «رسالة» رئيس المجلس جيدا عندما اعلن صراحة انه لن يقف عائقا امام انتخاب عون رئيسا وسيؤمن النصاب اللازم لذلك، اي انه لا يرغب في تصعيد الموقف مع حزب الله وخلق توترات داخل «البيت الشيعي»، لكنه «سيعاقب» رئيس تيار المستقبل من خلال «فرملة» عودته الى السلطة التنفيذية ووضعه امام خياريين أحلاهما مر، اما القبول بشروطه التي ستكون «تعجيزية» الى حد كبير، او تحمل «قنابله الموقوتة» التي ستنفجر في طريق تشكيل الحكومة…
(الديار)