حول التحول المصري
غالب قنديل
كان تصريح وزير الخارجيةالمصرية سامح شكري من نيويورك عن خلافات مع المملكة السعودية بشأن الموضوع السوري إشارة صريحة وواضحة لتراكم يعتمل كالنار تحت الرماد ثم تلت ذلك سلسلة احداث مهمة أولها وأبرزها المشاركة المصرية الرسمية في مؤتمر غروزني الذي حمل الوهابية السعودية مسؤولية انتشار التكفير الإرهابي وقد تبلورت ملامح انتفاض المرجعية الأزهرية بخيارات قاسية وصارمة في وجه المملكة السعودية ودورها في دعم الجماعات الإرهابية التكفيرية طيلة نصف قرن مضى.
جاء حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي لجلسة مجلس الأمن التي عقدت حول سورية على مستوى وزراء الخارجية ليمثل إشارة لافتة إلى الأهمية التي توليها القيادة المصرية للموضوع السوري وكان محتوى كلمة الرئيس المصري مهما كذلك وهو بالتأكيد ازعج المملكة السعودية لمجرد إظهار التمسك بخيار دعم الدولة الوطنية السورية في مجابهة عصابات الإرهاب التكفيري التي هي الخطر الرئيسي وهكذا ما لبثت المملكة أن كشرت عن انيابها في وجه “التمرد المصري” عندما صوت مندوب القاهرة في مجلس الأمن إلى جانب المشروع الروسي الذي رمت السعودية بثقلها لمنعه وجاء العتب في صيغة عقوبات نفطية ما لبثت مصر ان صدتها ومنعت تأثيرها من ليبيا وعبر حليفها الجنرال حفتر الذي يقاتل الإرهابيين بقوات من الجيش ويتموضع ضد تنظيم الأخوان وفصائل القاعدة وداعش.
بعد تلك المشاهد المتلاحقة كان لقاء معلن بين وزيري الخارجية المصرية والإيرانية وإعلان عن تقارب سياسي بين البلدين ثم وفي هذا السياق جاءت الذروة بزيارة اللواء علي المملوك المعلنة بدعوة رسمية من نظيره المصري وتضمن الخبر السوري إشارة لافتة إلى اتفاق على التعاون السياسي والأمني بين الدولتين ما شكل انتقالا مهما في الموقف المصري لصالح التقارب مع سورية وقد سبق ان تطورت علاقات التنسيق المصرية – السورية عبر زيارات سرية متبادلة تعاقب فيها سفر الموفدين السوريين والمصريين إلى القاهرة ودمشق وجرى خلالها تبادل للمعلومات وتنسيق للمواقف وكان الجانب المصري يؤكد منذ البداية دعمه للدولة والجيش في سورية انطلاقا من الإيمان بوحدة الأمن القومي العربي التي ما تزال ثابتة مصرية كبيرة بالنسبة للجيش والقوات المسلحة المصرية وبالتحديد شدد الموفدون المصريون على وحدة المعركة ضد الإرهاب التكفيري وعصابات الأخوان التي تشكل الحاضن التاريخي للإرهاب والتطرف في البلاد العربية والعالم الإسلامي .
الاضطرار لمسايرة المملكة السعودية بدوافع سياسية واقتصادية لم يورط مصر في حرب اليمن ولم يزحزح موقفها من الوضع السوري حيث تقود المملكة السعودية معسكر داعمي القاعدة وداعش وتتصدر الحملات الداعية لإسقاط الدولة السورية واستهداف الرئيس بشار الأسد وبالمقابل لم تقم المملكة بأي خطوة جدية لردع أصدقائها في تركيا وقطر ووقف ما يقدمونه من دعم سياسي وإعلامي وعملي ولوجستي لجماعة الأخوان ولمؤامرتها على الحكم المصري بل إن السعودية مسؤولة مباشرة عن جانب من الدعم الذي تتلقاه الجماعات التكفيرية التي تنشط ضد الدولة المصرية في سيناء وانطلاقا من ليبيا حيث للمملكة نصيب كبير من تبعات احتضان المتطرفين الليبيين الذي باتوا تهديدا شديد الخطورة للأمن المصري بحكم الحدود الطويلة والتشابك السكاني على جانبيها .
مصر تقف على مفترق هام ومن واجبات المحور الروسي الإيراني الصيني ان يقدم لها فرص الاحتضان والمساعدة ويمكن ان تمثل عملية تطوير العلاقات المصرية السورية الرافعة النوعية لتوسيع نطاق الشراكات مع مصر من جانب هذا المحور بحيث يتحرر الحكم المصري من حلقة الابتزاز السعودية التي ابدى المصريون حزما في مجابهتها متمسكين بكرامتهم الوطنية .
تحولات الموقف المصري تمثل ظاهرة شديدة الأهمية في واقع المنطقة وتوازنها واستقطاباتها وهي تستحق كل جهد ممكن لأنها فاتحة عهد جديد لدور مصري اكثر فاعلية وتحررا من قيود الهيمنة الغربية وعملائها .