مقالات مختارة

تقدّم التحالف الروسي – الايراني يجعل انتخاب عون ثمناً مقبولاً لعودة الحريري ابراهيم ناصرالدين

 

الخطاب الهادىء لرئيس تكتل التغيير والاصلاح الجنرال ميشال عون، والكلمات المنتقاة بعناية من قبل رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، والحشد الشعبي على طريق بعبدا في ذكرى 13 تشرين، كلها «مقبلات» تزيد من «شهية» الرئيس سعد الحريري على المضي في خيار دعمه ترشيح «الجنرال». طبعا ما جرى في هذا اليوم «البرتقالي» يدعم المؤشرات السياسية القائلة بان «التسوية» لا تزال في طريقها الصحيح.. يعرف رئيس تيار المستقبل ان كل هذه الظواهر المستجدة سببها انعطافته الرئاسية، هو يحتاج الى هذا النوع من «الفلكلور» اللبناني الاصيل الذي «يجمل» وجه التيار الوطني الحر لتسهيل تسويق «الاستدارة» لدى جمهوره، لكنه يدرك كما يدرك «التيار» ان الاسباب الحقيقية لتحوله السياسي لا تقف عند هذا الخطاب «المعتدل» او نتيجة لاكتشافه حجم تمثيل «الجنرال»، كما يعرف جيدا ان مصلحته الذاتية في استعادة المنصب الثالث في الدولة، في ظل صعوباته السياسية والمالية، ليست وحدها سبب في طرح «التسوية»، ثمة مشهد عام يتغير في المنطقة انطلاقا من «البوابة» السورية جعل من احتمال نجاح «الصفقة» امرا واقعيا، دور السعودية يتراجع ويتآكل، ثمة احلاف جديدة تتبلور، وبدأ الكثيرون يضعون اكثر من علامة استفهام حول «احقية» السعوديين في احتكار «الدور السني» في التركيبة اللبنانية بعد الدور الطاغي لتركيا على الساحة السورية..

ومن هنا فان الاطلالة على المشهد العام في الاقليم وخصوصا في سوريا يحمل الكثير من الاهمية لفهم طبيعة المتغييرات على الساحة اللبنانية، وبحسب اوساط دبلوماسية في بيروت لم يكن الحريري ليتجرأ على خوض غمار البحث بامكانية تبني ترشيح عون، دون المعرفة المسبقة بوجود «واقعية» سعودية تجاه التعامل مع هذا الملف انطلاقا من سقوط الرهان على تحقيق انجازات «نوعية» في سوريا يمكن استثمارها لاحقا في الملف اللبناني، كان يعرف ان اي رفض سعودي «للتسوية» ستكون منطلقاته بحت شخصية تتعلق به وليس باي معطى سياسي آخر بعد وصول الرياض الى قناعة بان ما يمكن تحقيقه في لبنان فقط هو الحد من الخسائر ووقف «نزيف» حلفائها، ومن هنا تأتي اهمية «لعبة الوقت» التي لم تعد منذ الانقلاب الفاشل في تركيا، والاستدارة «الاردوغانية»، تعمل لصالح السعودية في الملف السوري وحتى في المنطقة.

وفي قراءة هادئة للمشهد، ترى تلك الاوساط، ان لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في اسطنبول يوم الإثنين الماضي أثناء انعقاد مؤتمر مجلس الطاقة العالمي، كرس التحول في معادلة العلاقات بين البلدين، وبات ما يجمع موسكو وأنقرة يتجاوز كل المتوقع انطلاقا من المصالح الاقتصادية وصولا الى الازمة السورية، فبالنسبة لسوريا توصلت تركيا لحقيقة مفادها ان الغرب تخلى عن دعم المعارضة السنية الرئيسية، وهذا يعني حكما تراجع الدور السعودي، الولايات المتحدة راهنت على «ورقة» الأكراد، وهذا الامر ازعج انقرة فوجدت نفسها تلقائيا في «خندق» واحد مع موسكو وطهران، تبدلت الاولويات بعد «الانقلاب الفاشل» واصبحت «لعبة المصالح» في مكان آخر لا يرضي السعودية..

اما المعركة في حلب فليست وحدها ما غير المعطيات والتحالفات، موسكو وطهران تضعان ثقلهما ليتمكن الجيش السوري في استعادة الجزء الشرقي من المدينة، رمزية استعادة حلب ستكون كبيرة، وخروجها من الصراع يعني ان المدن الاساسية في سوريا عادت الى الدولة، وهذا يعني فقدان دول الاقليم كل «اوراق» القوة في الحرب السورية..لكن الرياض تعرضت لنكسة عسكرية كبيرة هي الاكبر لها منذ مقتل زهران علوش، المواجهات الدامية بين «حركة أحرار الشام» وتنظيم «جند الأقصى»، الذي استخدمته الاستخبارات السعودية لتغيير قواعد الاشتباك في ريف حماه، انهى»احلام» الرياض في استعادة النفوذ على الارض، واستطاع الجيش السوري استعادة كل القرى التي سيطرت عليها المعارضة في ريف حماة الشرقي، بعد أن كادت تهدد طريق الامداد الوحيد إلى حلب، فيما ترفض الولايات المتحدة الأميركية، حتى الان، زيادة الدعم العسكري للمعارضة السورية، واسقط مؤتمر لوزان كل التسريبات عن وجود خيارات عسكرية اميركية في سوريا ..

وبحسب تلك الاوساط، يمكن فهم الحديث عن تسوية في لبنان في ظل تغير أولويات تركيا، وتراجع الدور السعودي، ففي الماضي كان الخطاب السياسي التركي يصر على ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد، إلا أن أنقرة مشغولة اليوم بما يطلق عليه الرئيس التركي التهديد المزدوج القادم من حزب العمال الكردستاني وخطر قيام الدولة الكردية، وتنظيم «داعش»، اما بقاء نظام الأسد أو سقوطه فلم يعد أولوية في الوقت الحالي… وهذا ما يزعج السعوديين…اليوم انقرة ترغب بإقامة حزام آمن في سوريا، لم تظهر روسيا أي اعتراضات وحتى ايران «تغض الطرف»، لأن الاتراك «تخلوا» عن حلب وما تقوم به تركيا يبدو جزءا من تفاهمات قد حصلت ويجري ترجمتها على ارض الواقع..

اما اكثر بواعث القلق في الرياض فتتمثل بالتقارب الايراني – التركي، وباعتقاد السعوديين فان طهران اتفقت مع انقرة على جملة أمور فيما يتعلق بسوريا والمنطقة، وما يثير «هلع» القيادة السعودية اقتراب ايران من تحقيق مشروعها الاستراتيجي الذي يتلخص بتأمين ممر بري يخترق العراق في نقطة الحدود بين البلدين ثم شمال شرق سوريا إلى حلب وحمص وينتهي بميناء اللاذقية على البحر المتوسط، ومن هنا يمكن فهم اصرار الرياض على عدم مشاركة الحشد الشعبي العراقي في المعركة المرتقبة لاستعادة مدينة الموصل… وفي هذا السياق ترى الرياض ان «الصراخ» التركي مجرد محاولة من انقرة لتحسين حصتها في «الكعكة»، وهو سيكون على حساب دورها، لان انقرة تنافسها بشدة على قيادة المكون السني في المنطقة، واي مكسب تحققه سيكون من حصة السعوديين..وجاء إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلومن الرياض استعداد بلاده للتوسط بين السعودية وإيران إذا طُلب منها ذلك، ليزيد قلق الرياض، فتركيا عندما تتحول الى وسيط يعني انها نجحت في ترميم العلاقة مع طهران، ولم تعد جزءا من المحور الذي كان يهدف الى «تقليم اظافرها» في الاقليم، الرياض تدرك ان الايرانيين لعبوا دورا محوريا بُعيد محاولة الانقلاب الفاشل في ترميم العلاقات بين موسكو وأنقرة، واليوم تتحرك انقرة جديا على خط المصالحة بين ايران والسعودية بالتنسيق مع سلطنة عمان التي تعمل جاهدة لتخفيف التوتر الايراني السعودي…

القيادة السعودية لا تجد نفسها اليوم في موقع قوي يشجعها على الدخول في مفاوضات تبحث عن مقايضات غير متوفرة، لا تريد ذلك اليوم بغياب «مظلة» اميركية في الفترة الانتقالية بين ادارتين.. ثمة من نصحها بالاستثمار الايجابي في الوقت الضائع وتقديم مبادرة حسن نية من خلال «الافراج» عن «ورقة خاسرة» على الساحة اللبنانية يمكن الاستثمار عليها لاحقا باعتبارها مؤشرا على «النية الصافية» بمعالجة التوترات في المنطقة، خصوصا ان سياق الاحداث بالنسبة للسعوديين غير مبشر اكان في اليمن او في العراق او في سوريا، ولذلك سمعت الرياض من الاميركيين والاوروبيين كلاما مشجعا للسير بالتسوية الرئاسية، وهو امر يفسر استمرار الزخم في مباردة الحريري باعتبار «ان عودته الى رئاسة الحكومة تعد مكسبا في ظل المعطيات الراهنة ولا يجب النظر الى اعتبار انتخاب عون هزيمة»… يبقى الامل بان يستمر السعوديون في قراءة المشهد اللبناني بواقعية انطلاقا من التطورات «الدراماتيكية» في المنطقة..وهذا الامر هو المعطى الرئيسي لحسم نجاح التسوية من عدمه بعيدا عن «شياطين» التفاصيل المحلية التي يمكن تجاوز «مطباتها».

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى