بقلم غالب قنديل

التراجع الأميركي

غالب قنديل

في الشكل تراجعت واشنطن عن قرار قطع الاتصالات مع موسكو وتوسل وزير خارجيتها جون كيري نظيره سيرغي لافروف للموافقة على عرض أميركي أوروبي بدعوة مجموعة فيينا للاجتماع حول سورية وبنتيجة التنسيق والتناغم بين حلفاء سورية تولت إيران فرض تمثيل كل من مصر والعراق في الاجتماعات المقررة بعدما فرضت روسيا جدول الأعمال وحصرت المناقشات بآليات عملية لتنفيذ الاتفاق الروسي الأميركي الموقع في جنيف قبل أسابيع وبقرارات مجلس الأمن الدولي التي عمدت تفاهمات فيينا الشهيرة بقرار اممي جاهز للتنفيذ بإجراءات تقود إلى تصفية الجماعات الإرهابية في سورية وتطلق آلية سياسية سورية بقيادة سورية ومن غير تدخلات عنوانها ومحورها دولة سورية علمانية مستقلة تتسع لشراكة سياسية وطنية في مؤسساتها عبر صناديق الاقتراع .

الانتخابات السورية هي الوصفة التي كشفت تسجيلات نيويورك تايمز محاولة من جون كيري لتسويقها أمام عملاء حكومته من واجهات المعارضات السياسية السورية كسبيل وحيد لحجز مقاعد في مستقبل سورية وكان ذلك قبل انقلاب واشنطن على الاتفاق مع موسكو الذي طرحت حوله تكهنات كثيرة.

         البعض يرى في الانقلاب الأميركي لعبة انتخابية يريد أوباما منها إظهار صورة الإدارة الديمقراطية الصلبة غير المترددة والعازمة على المضي في الكباش مع روسيا بعدما اتهمه معارضوه بالخضوع للمشيئة الروسية وغاية البيت الأبيض من الانقلاب هي تمكين هيلاري كلينتون من استقطاب الناخبين المحافظين انصار حزب الحرب وخلفهم كارتيلات السلاح واللوبي الصهيوني.

         بعض آخر يجد في الانقلاب تعبيرا عن تصميم الإدارة الأميركية بجناحيها على تقطيع الوقت لما بعد الانتخابات الرئاسية وانتقال السلطة الدستورية إلى طاقم جديد سيكون له القرار بتحديد خياره في التعامل مع الحرب على سورية بين السير في اتفاق لافروف – كيري الجاهز والموقع أو اتباع وصفات التصعيد التي يروجها جناح المحافظين الجدد.

         بعض ثالث يعتبر ان المؤسسة الحاكمة وبغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية هي التي قررت إحياء الاتصالات الروسية الأميركية من خلال مجموعة فيينا بعد اختبارات القوة القاسية التي جرت منذ إعلان واشنطن وقف التعاون مع روسيا ففي الفترة التي اعقبت الانقلاب على الاتفاق أنجز الجيش العربي السوري تقدما كبيرا على ثلاث جبهات حساسة ومهمة هي أحياء حلب الشرقية وريف حماه وغوطة دمشق وفي هذه الجبهات تتواجد الجماعات الإرهابية التي تدعمها الولايات المتحدة وشركاؤها في العدوان على سورية بينما حشدت روسيا وحداتها البحرية والجوية وأرسلت قوات برية للمشاركة في القتال حسب الرواية الأميركية .

من الواضح ان الموقف الروسي الصلب بات في نظر المؤسسة الأميركية الحاكمة نذيرا بحرب كبرى مع روسيا لها محفزاتها الخاصة إضافة للاختلاف حول سورية وقد أبرزها المرسوم الرئاسي الروسي بشان اتفاق البلوتونيوم الخاص بسباق صناعة الصواريخ والأسلحة النووية بين الجبارين .

النقاش في البدائل المطروحة هو وسيلة إيضاح لحتمية التراجع وإنهاء القطيعة مع روسيا ومن غير ان يعني ذلك العودة للاتفاق في وقت قريب فالتراجع عن القطيعة يعني إبقاء القنوات مفتوحة تحت تغطية مجموعة فيينا ومن خلالها وهذا ما ستؤمنه اجتماعات لوزان في حدها الأدنى تحت شعار إحياء الهدنة الذي تربطه موسكو بخطة عمل مشترك لتصفية داعش وجبهة النصرة وسائر الجماعات المندمجة بها والمتعاونة معها.

انتزعت روسيا وإيران معا مشاركة مصر والعراق في الاجتماعات بينما تشارك تركيا والسعودية وقطر وفي حين تركز الولايات المتحدة وشركاؤها في الحرب على فكرتي الهدنة والمساعدات بهدف تمكين العصابات الإرهابية من التقاط انفاسها بعد معارك خاسرة سيكون التصميم الروسي والإيراني على وضع خطة لتنفيذ الاتفاقات المبنية على مبدأ تصفية القوى الإرهابية وإطلاق عملية سياسية بقيادة سورية دون تدخلات او شروط مسبقة وحتى الساعة لا مؤشرات على احتمال التوصل إلى تفاهم لكن الأكيد ان روسيا وإيران وسورية والعراق لن يسمحوا بأي تحايل جديد تحت ستار وقف العمليات القتالية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى