مقالات مختارة

«القبعات البيضاء»: الصناعة الإنسانية المريبة علاء حلبي

 

تتجه الأنظار اليوم إلى العاصمة النروجية أوسلو لإعلان اسم الفائز بجائزة «نوبل» للسلام لعام 2016. وتبرز بين أهم المرشحين للجائزة منظمة سورية تلقى دعماً أميركياً وأوروبياً استثنائياً، لتتجاوز مختلف الترشيحات للجائزة لهذا العام، التي بلغت رقماً قياسياً وصل إلى 376 مرشحاً، وفق «معهد نوبل». وتزاحم منظمة «القبعات البيضاء»، أو ما كانت تعرف باسم «فرق الدفاع المدني السورية»، مرشحين مثل البابا فرانسيس والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومجموعة من سكان الجزر اليونانيين الذين أسهموا في إنقاذ مئات آلاف اللاجئين ومساعدتهم خلال موجات اللجوء التي شهدتها الشواطئ الأوروبية العام الماضي.

ورغم احتدام المنافسة، تصبُّ نسبةٌ جيدة من الترشيحات في مصلحة منظمة «القبعات البيضاء»، التي تلقت أيضاً دعماً إعلامياً غير مسبوق من مختلف وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية، وعلى رأسها شبكات «سي إن إن» و»سكاي نيوز» و»فوكس نيوز»، وصحف غربية مثل «واشنطن بوست» و»الغارديان» وغيرها. كذلك يتزامن الترشيح مع عرض فيلم وثائقي أنتجته شركة «نتفليكس» يروي حكاية ثلاثة من أفراد طواقم «القبعات البيضاء»، يعرض حالياً في بلدان أوروبية عديدة، آخرها عرضٌ خاص في «المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية» بهدف جمع تبرعات للمنظمة.

ما هي «القبعات البيضاء»؟

تعرّف المنظمة عن نفسها، وفق قائد الدفاع المدني في مدينة حلب بيبرس مشعل، بأنها «فرقٌ اتخذت لنفسها شعار إنقاذ الناس»، موضحاً أنها «تشكلت من رحم التنسيقات المدنية التي ظهرت بعد تفجّر الثورة السورية في عام 2011، وذلك بعد تخلي منظمات الإغاثة عن مهامّها إسعافَ الجرحى، حيث أسسّ أواخر 2012 نحو مئة مركز في ثماني محافظات»، كما تمّ إنشاء مراكز لها في بعض أحياء حلب في عام 2013.

وتتكون المنظمة من نحو ثلاثة آلاف «متطوع»، ويترأسها في سوريا رائد صالح. وذكرت المنظمة في بيانٍ لها أنها أنقذت أكثر من 51 ألف شخص من تحت أنقاض القصف الذي تتعرض له المدن من الطائرات السورية والروسية.

من يقف خلفها؟

مواقع بريطانية وأميركية أجمعت خلال بحثها في خلفية هذه المنظمة ومصادر تمويلها، على أنها «من ابتكار الحكومات الغربية، وسوّقتها شركة علاقات عامّة تعمل على إنقاذ المدنيين من جهة، وتساهم في نشر الدعاية الغربية حول سوريا لاستجلاب التدخل العسكري الأميركي إلى سوريا من جهة أخرى».

ويؤكد موقعا «ألترنت» الأميركي و»غلوبال ريسرش» الكندي أنّ تأسيس المنظمة تم بالتعاون بين «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID) والخارجية والاستخبارات الأميركية، بالإضافة إلى الخارجية البريطانية. كذلك ساهمت كل من بريطانيا واليابان وهولندا بتمويل المشروع. وتظهر وثائق «الوكالة الأميركية للتنمية» أنه قد تم دفع مبلغ 23 مليون دولار لتمويل المشروع، وهو أكبر مبلغ تدفعه الولايات المتحدة لتنشيط «الحياة المدنية في منطقة تشهد حرباً».

وأحيلت مهمة توحيد جهود النشاطات المدنية الفردية في سوريا وتوحيدها ضمن «هيئة موحدة» على البريطاني جميس لومجيرر الذي أسس منظمة «الخوذ البيضاء» عام 2013 في تركيا. ولومجيرر هو متخرج في أكاديمية «ساندهيرست» العسكرية الملكية، شغل خلال مسيرته منصب منسق الاستخبارات لحلف شمال الأطلسي في كوسوفو، قبل أن يدخل السلك الدبلوماسي حيث عمل ضمن بعثات الأمم المتحدة، ليتجه أخيراً إلى العمل في مجال تدريب «المنظمات المدنية». وبدأت عمليات تدريب المتطوعين بعد تلقيه تبرعات من دول عديدة، بينها بريطانيا وأميركا (قدمت الخارجية الأميركية لبرنامج لومجيرر التدريبي دفعات مالية عديدة، أبرزها دفعة بقيمة 300 ألف دولار، إضافة إلى منحة USAID التي جاءت في وقت لاحق بقيمة 23 مليون دولار).

«القبعات البيضاء» و«النصرة»

مقابل الحملات الإعلامية الداعمة لمنظمة «القبعات البيضاء»، رصدت مواقع عالمية عديدة الروابط بين المنظمة وتنظيم «جبهة النصرة»، سواء على مستوى نشاط أفراد المنظمة وسلوكهم، أو على مستوى توجهها السياسي والأيديولوجي.

موقع «يو كاي كولمون» البريطاني نشر في أحد برامجه حلقةً خاصّة عن منظمة «القبعات البيضاء»، حملت عنوان «القبعات البيضاء.. إنسانيون أم جلادون؟». وسرد البرنامج مجموعة من الأدلة على تورط متطوعين من المنظمة في عمليات لا إنسانية، بينها عمليات تنظيفٍ لجرائم «جبهة النصرة». على سبيل المثال، حضور مجموعة من المنظمة عملية إعدام مدني من قبل «النصرة»، والعمل على نقل جثته بعد تنفيذ الإعدام، وهو تسجيلٌ تمّ حذفُه عن الإنترنت مرات عديدة. كذلك رصد البرنامج عدداً من المتطوعين الذين يقاتلون في صفوف «جبهة النصرة»، إضافة إلى عدد كبير من الصور والتسجيلات لمتطوعين يرددون شعارات «النصرة»، أو يرفعون علامة «النصر» فوق جثث جنود سوريين أعدمهم فرع «القاعدة» في سوريا.

العلاقات الوطيدة بين «جبهة النصرة» و «القبعات البيضاء» دفعت موسكو إلى تحميل المنظمة مسؤولية الهجوم الذي تعرضت له قافلةُ مساعدات قرب حلب في التاسع عشر من الشهر الماضي. ومنذ بدء العمليات العسكرية الروسية في سوريا، تحولت «القبعات البيضاء» إلى منصةٍ إعلامية موجهة ضد الجيش السوري وروسيا، من دون أن تشير أبداً إلى الجرائم التي ترتكبها الجماعات المتشددة، سواء قصف المدنيين أو عمليات الإعدام الميدانية أو التمثيل بالجثث.

وتُتهم المنظمة بالعمل على تلفيق اتهامات ضد الجيش السوري وروسيا بشتى الطرق، بينها على سبيل المثال ما رصده نشطاءُ من نشرها صورة على حسابها على موقع «تويتر» في شهر أيلول من العام الماضي لطفلةٍ جريحة على أنها «ضحية هجوم جوي روسي سبب مقتل 33 مدنياً في حمص»، ليتبين في ما بعد أن الصورة ملتقطة في مكان آخر قبل خمسة أيام من وقوع «الهجوم المزعوم».

وتمتاز المنظمة بقاعدةٍ شعبية كبيرة في مناطق سيطرة الفصائل المسلحة، وبالتحديد «جبهة النصرة». ويقول أبو محمد، وهو من سكان مدينة حلب، لـ «السفير» إن «المنظمة تعمل تطوعاً تقريباً، ويهرعون إلى أماكن وقوع الحوادث»، لافتاً إلى أن أحد أقربائه يعمل في المنظمة.

بدوره، لا يبدي أحد متطوعي المنظمة، الذي رفض الكشف عن اسمه خلال حديثه لـ «السفير» أي معرفة بعلاقات «القبعات البيضاء» الدولية أو الجهات الداعمة، إلا أنه يشير إلى «دخول خبراء أجانب خلال العام الماضي»، مؤكداً أنه «تم تدريبنا على الظهور الإعلامي، إضافة إلى عملنا الأساسي المتعلق بالإنقاذ».

ويرافق كوادر المنظمة فريقٌ إعلامي متخصص يوثق جميع نشاطاتها، وإنتاج وتصدير صور وتسجيلات أسهمت كثيراً في انتشارها إعلامياً على نحو كبير في العالم، وتمكنت من كسب تعاطف معظم وسائل الإعلام معها. كذلك تُقدم الفصائل المسلحة على اختلاف مشاربها التسهيلات لأنشطتها.

وتنشط «القبعات البيضاء» بقوّة في الشمال السوري، سواء في إدلب معقل «النصرة» أو حلب التي تعدّ في الوقت الحالي الجبهة الأبرز في الحرب السورية. وترى بعض المصادر أن إحدى مهامّ المنظمة هي «تقديم صورة مدنية للحياة في ظل التنظيمات الإرهابية والعمل على تنظيف جرائمها».

وإلى جانب عمل المنظمة «الإنساني» و»التسويقي» لتوجهات الولايات المتحدة والغرب، تربط مصادر عديدة بين نشاط المنظمة والاستخبارات الأميركية، وتذهب بعض الآراء إلى أن المنظمة تُمثّل عنصر ربط قوياً بين الاستخبارات الأميركية والجماعات المتطرفة. ويرى البعض أنّ منع واشنطن رئيس المنظمة السوري رائد صالح من دخول الولايات المتحدة خلال زيارته لها في شهر أيار من العام الماضي، يؤكد ارتباط المنظمة بالجماعات الإرهابية. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في تعليق لها عقب الحادثة أنه «لم يتضح ما إذا كان قد ظهر اسم السيد صالح على قاعدة البيانات التي تغذيها مجموعة متنوعة من وكالات الاستخبارات وتهدف إلى منع متورطين في الإرهاب من دخول البلاد، أو لا».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى