بقلم غالب قنديل

تراجع اميركي احتيالي

غالب قنديل

تكفي قراءة الشروط الروسية لعودة العمل باتفاق البلوتونيوم الذي علقه الرئيس بوتين بمرسوم رئاسي لمعرفة مستوى الاستقطاب والتوتر الخطير الذي بلغته العلاقات الأميركية الروسية ومن الواضح بعد اختبارات القوة حول سورية ان الإدارة الأميركية باشرت بعملية تراجع احتيالية سريعة .

الشروط الروسية المعلنة تتضمن تفكيك جميع المنظومات العسكرية المستحدثة في شرق أوروبا بعد العام 2000 أي تفكيك الدرع الصاروخي وسحب وحدات الناتو التي نشرت قرب الحدود الروسية وإلغاء جميع العقوبات والتدابير العدائية التي اتخذتها الولايات المتحدة بذريعة الأزمة الأوكرانية ودفع التعويضات المناسبة عن الأضرار التي تسببت بها واشنطن للمؤسسات والأفراد الروس وتوفير الضمانات الكافية للالتزام بتنفيذ الاتفاقية الموقعة بين الجانبين.

على هذه الخلفية يدور الصراع الروسي الأميركي حول سورية وخلال أسبوع مشحون ظهرت قدرة الجيش العربي السوري وحلفائه على الحسم في الميدان وتأكدت متانة التحالف الاستراتيجي بين سورية وروسيا بسلسلة خطوات ميدانية اظهرت معادلة ردع استراتيجية تقيم سدا منيعا في وجه احتمالات العربدة الأميركية وتبين حجم الكلفة التي ستتكبدها الإمبراطورية العاجزة عن تحمل تبعات فشلها من أي حماقة عدوانية ضد سورية.

أولا فجاة أعلن من موسكو ليل أمس الأول عن اتصال جون كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف لبحث الوضع في كل من سورية وأوكرانيا ومواضيع تتعلق بالعلاقات الثنائية منها على الأرجح القرار الروسي بتعليق اتفاقية البلوتونيوم .

ثانيا بعد ساعات من اتصال جون كيري أعلنت بعض وسائل الإعلام الغربية عن استئناف اجتماعات روسية اميركية على مستوى الخبراء في جنيف حول السبل الكفيلة بإحياء العمل باتفاقية كيري لافروف التي انقلبت عليها الولايات المتحدة .

ثالثا تحرك وزير الخارجية الفرنسية إلى موسكو ليناقش مع نظيره الروسي مسودة مشروع قرار لوقف القتال في سورية واعلن وزير الخارجية الروسية ان موسكو مستعدة للعمل على المشروع الفرنسي بشرط إخضاعه لأحكام الاتفاق الروسي الأميركي ومن المؤكد ان التحرك الفرنسي تم على الأرجح بطلب أو برضا اميركي على الأقل.

رابعا تحرك فجاة الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا ليتقدم بمبادرة تقضي بضمان خروج تسعمئة مسلح ينتمون إلى جبهة النصرة عارضا ان يرافقهم شخصيا من شرقي حلب إلى إدلب معترفا بوجود ثمانية آلاف مسلح في الأحياء التي باشر الجيش العربي السوري بتحريرها مانحا المسلحين داخلها فرص العفو وإلقاء السلاح أوالمغادرة مع عائلاتهم بعدما باتوا محاصرين في ظروف تزداد صعوبة وحرجا .

خامسا تضمنت مبادرة دي ميستورا دعوة عاجلة لمجموعة التنسيق الدولية حول سورية التي سبق ان أقرت تفاهمات فيينا للتحرك بصدد وقف القتال وعند موسكو صيغة وحيدة جاهزة للتنفيذ هي الاتفاق الممهور بتوقيع جون كيري .

التراجع الأميركي المموه سبقته مجموعة من التحولات المتسارعة خلال أيام قليلة :

1-    الحشد البحري والجوي الروسي المستمر إلى سورية بينما تحدثت التقارير الأميركية عن وصول قوات برية روسية تضم آلاف الجنود.

2-    تسليم منظومات صواريخ دفاع جوي متطورة للجيش العربي السوري تغطي الاجواء السورية وتردع اي عدوان جوي جوي وتكفلت موسكو بشرح مداها الواسع ومزاياها العسكرية.

3-    مباشرة الجيش السوري وحلفائه تحرير الأحياء الشرقية لحلب وظهور عجز ميداني عن تطوير معارك العصابات في ريف حماه وثبات معادلة الردع في جبهتي الجولان ودرعا مع استمرار عمليات الجيش السوري لتحرير الغوطة.

4-    انتهاء اجتماعات مجلس الأمن القومي الأربعاء الماضي إلى نتيجة رئيسية هي ان أي تصعيد أميركي في سورية سينذر بمواجهة عسكرية كبرى وعلى الأرجح تقررت خطة التراجع الاحتيالي في المجلس باقتراح من الرئيس اوباما وكلف وزير الخارجية بالتنفيذ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى