صفقة الغاز مع الأردن.. الملك وزر الكهرباء: سمدار بيري
إذا سألتم آلاف الاردنيين الذين أصروا على التظاهر ضد “اتفاق العار”، فان الحكومة في عمان قامت بمناورة نتنة. فمراسيم التوقيع على اتفاق الغاز، الذي ستورد اسرائيل بموجبه الغاز الطبيعي في الـ 15 سنة القريبة القادمة والاردن سيدفع 10 مليار دولار، تمت بتواضع شديد، في نقطة التماس التي بين الانتخابات للبرلمان وقبل أن يؤدي الـ 130 فائزا سعيدا الولاء للملك وللمنصب. ومن حدد الموعد، بالتشاور مع القدس، حرص على ان يحبط مسبقا النقاش الذي كان سينتهي – مثلما انتهى قبل سنتين – بالشتائم والصراخ وبالتصويت ضد الاتفاق باغلبية ساحقة.
أربع مرات خرج المتظاهرون الى شوارع عمان، واليافطات توزعت بين الغاز وبين الاحتلال، بين التمويل الاردني وبين صفقات شراء السلاح للجيش الاسرائيلي والبناء في المستوطنات. وقد تعرفنا فيها أساسا على المقت الذي يستمر منذ 22 سنة لاتفاق السلام مع اسرائيل. كان يمكن للمرء أن يرى في رأس مسيرات الغضب علي ابو سكر، الاسلامي الذي يدير حملات التخويف ضد كل من يشتبه به أو يمسك به متلبسا بالتعاون مع “العدو الصهيوني”.
من الجانب الآخر، أُرسل وزير الاعلام للاعلان عن أن هذا اتفاق بين شركات خاصة، وان الملك عبدالله وحكومته لا يعتزمان هجر الفلسطينيين لحالهم، وان الاتفاق يراعي الازمة الاقتصادية للمملكة الصغيرة. وبين السطور يمكن أن نقرأ الاحباط الحقيقي: العراق، السعودية وقطر تتملص، ومصر لم تعد شريكا في تمرير أنابيب الغاز بسبب سلسلة العمليات الارهابية في سيناء. وبعد قليل سيحل الشتاء، وسيرتفع استهلاك الغاز، ومن يريد أن يحافظ على الهدوء في المملكة ملزم بان يقدم الحل الاكثر حضورا.
الاردنيون، الذين يعرفون القانون الذي يمنع التظاهر ضد الملك، وجدوا اختراعا يحتل العناوين الرئيسة: أطفأوا الاضواء على مدى ساعة في عمان، واطلقوا الصور في الشبكات الاجتماعية. التنفيس تم. والملك لم يتدخل. من يريد، فليواصل الجلوس في الظلام.
دون أن ننتبه، مرت على عبدالله 17 سنة في الحكم، وهو ابن 54 سنة، ينضج في حكمته في ظل المنصب. وكلمته الاخيرة في المقابلة مع السي.أن.ان كانت متوازنة، مشوقة وبالاساس كشفت صورة وضع تتحدث من تلقاء نفسها: في الاردن يعيش اليوم 9 مليون نسمة، نصفهم فلسطينيون، مليونان منهم لاجئون استوعبهم الاردن من العراق ومن سوريا. وقد أدت تقاليد الاستضافة للاسرة المالكة الهاشمية الى ارتفاع اسعار الشقق، وسيطر اللاجئون على سوق العمل، والمدارس تتفجر ازدحاما، وأزمة المياه والكهرباء ضخمة. 100 الف فار آخر من سوريا، عددهم يزداد فقط، اقاموا مؤخرا مخيما على طول الحدود المغلقة، والاردن ينقل ارساليات الغذاء والادوية.
ما الذي يريده عبدالله عندما ينهض في الصباح؟ فهو لا يحسد. من الشرق، في العراق، يواصل داعش السعي الى تنفيذ العمليات الارهابية بهدف اسقاطه. من الشمال، في سوريا، حرب أهلية لا تبدو نهايتها وليس واضحا كيف، من ومتى، اذا كان على الاطلاق، سيسيطر على الدولة. من الجنوب، يتابع حرب السعودية ضد ايران. في الغرب، مثلما نعرف، فان لوضع اللاحل في النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني آثار غير بسيطة داخل الاردن.
أكثر من أي شيء آخر، من المهم لعبدالله ان يخرج الى النور الفجوة التي بين العارفين الذين يجلسون في المكيفات في واشنطن البعيدة وبين رجاله الميدانيين. وقد نجح حتى اليوم ضد كل الاحتمالات في ابعاد ثورات “الربيع″ واسقاط حكمه. فلو كان يستمع الى الخبراء بجهاز التحكم من بعيد، ولو لم ينبش خلف الصخور، لو لم يدخل اسرائيل عميقا في الصورة وأعطى موطيء قدم، فان القصة الاردنية كان يمكن لها ان تنتهي بالمصيبة.
يديعوت