المشادة الأميركية الروسية: دور أفعل في الحرب للوكلاء المحليين… د. عصام نعمان
يظّن المرء، للوهلة الاولى، أن الالفاظ التي جرى تبادلها بين مسؤولين كبار في واشنطن وموسكو قد أُطلقت في معمعة مشادة شخصية خاصة وليس في غمرة خلاف حول مجريات الحرب في سوريا وعليها. الألفاظ المستعملة من الجانب الاميركي كانت قاسية وكذلك مثيلاتها من الجانب الروسي. هل تؤشّر المشادة الى امكانية اندلاع حرب بينهما؟
لن تكون حربٌ بين العملاقين لأسباب متعددة:
اولها، ان باراك اوباما اضحى في اواخر اسابيع ولايته «بطة عرجاء» عاجزة عن الحركة. فهو يخشى، في حال تصعيد وتيرة المجابهة مع روسيا، ان تنعكس تداعياتها سلباً على مرشحة حزبه الديمقراطي للرئاسة، هيلاري كلينتون، عشيةَ يوم الاقتراع في 8 تشرين الثاني / نوفمبر المقبل.
ثانيها، أن مباشرة صِدام مسلح بين دولتين على ارض دولة ثالثة يتطلّب قراراً من مجلس الأمن الدولي، وهو أمر مستحيل بوجود «الفيتو» الروسي والآخر الصيني.
ثالثها، أن النشاط العسكري الروسي في سوريا لا يهدّد مصلحة اميركية استراتيجية تبرر شن الحرب. لا الرأي العام الأميركي يجيز اعتماد خيار الحرب ولا الرأي العام العالمي.
رابعها، أن روسيا ليست دولة ضعيفة يمكن التهويل عليها حتى اذا رفضت الانصياع، جرى كسر إرادتها بقليل من القوة العسكرية.
خامسها، أن لدى الولايات المتحدة خيارات ووسائل اخرى غير الصدام المباشر يمكن استخدامها للوصول، نظرياً في الأقل، الى الغايات المتوخاة.
لعل الخيار الأخير هو ما قررت واشنطن اعتماده. ذلك ان لديها الكثير من الحلفاء والوكلاء والعملاء المستعدين للقيام بمهام نوعية تُسندها اليهم. الحلفاء الرئيسيّون، فرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية، يستطيعون اتخاذ مواقف سياسية مؤثرة، كما القيام ببعض المهام العسكرية المؤذية، إذا ما طلبت اليهم واشنطن ذلك. الوكلاء المحليون، وفي مقدمهم «جبهة النصرة» ومَن يواليها، يستطيعون القيام بمهام عسكرية أكثر تأثيراً ومردوداً. العملاء المستترون يستطيعون أيضاً القيام بعمليات إرهابية مدوّية في مواقع ونقاط بعيدة من جبهات المواجهة.
الى ذلك، تستطيع واشنطن وأصدقاؤها ترفيع مستوى تسليح الحلفاء والوكلاء المحليين المتعاونين معها. يمكنها، مثلاً، تسريب صواريخ دفاع جوي متطورة الى «النصرة» ومَن يواليها يكون من شأنها حمل الطيران الحربي السوري، كما الروسي، على التحليق عالياً جداً لتفادي الصواريخ المضادة الأمر الذي يؤدي الى خفض نسبة اصابة الاهداف وفعالية التدمير. كذلك تستطيع واشنطن تزويد وكلائها بصواريخ متقدّمة مضادة للدروع ما قد يؤدي الى استنزاف الجيش السوري وخفض فعاليته الميدانية. فوق ذلك، بإمكان واشنطن توفير معلومات استخبارية دقيقة لوكلائها المحليين لتمكينهم من قصف مواقع ووحدات الجيش السوري من أمكنة بعيدة، متيحةً بذلك لوكلائها على الارض ان يدّعوا انهم وراء هذا القصف المدمر. كما في وسعها ان تقوم بعمليات جوية محدودة كالتي فعلتها اخيراً بتدمير الجسور على نهر الفرات لعزل القوات السورية في دير الزور وتمكين «داعش» من محاولة اجتياحها.
لكلِ فعلٍ ردة فعل مضادة، فكيف يمكن أن تردّ موسكو؟
بإمكانها ان ترفع من مستوى تسليح الجيش السوري، كما من مستوى تسليح حلفائه الميدانيين، حزب الله مثلاً، الامر الذي تخشاه «اسرائيل» كما واشنطن. وبإمكانها ايضاً ان تزيد من فعالية اسلحتهـا البرية المدفعية مثلاً والجوية. ألم تبادر موسكو الى ارسال المـزيد من القاذفـات المتطـورة مـن طـراز سوخـوي- 24 وسوخوي – 34 الى قاعدة حميميم السورية غداة ارتفاع لهجة التهديدات الأميركية؟ ألم تلوّح الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بردة الفعل المتوقعة من روسيا، اذا ما شنّت الولايات المتحدة عدواناً مباشراً على دمشق والجيش السوري بقولها: «إن تغييرات مزلزلة ستشمل الشرق الأوسط»؟
ثم هناك حلفاء روسيا الإقليميون وفي مقدمهم ايران. هؤلاء يستطيعون، بطلب من موسكو أو من تلقاء أنفسهم، القيام بتحركات وعمليات شتى من شأنها التأثير في مصالح اميركا وحلفائها. ايران، مثلاً، تستطيع توسيع مشاركتها القتالية ضد التنظيمات الإرهابية وحلفائها في العراق وسوريا واليمن. هذا الاحتمال يقلق الولايات المتحدة و «اسرائيل» والسعودية، فكيف إذا امتدت مفاعيله الى رفع تسليح حزب الله ووحداته المقاتلة في سوريا، ولا سيما في الجولان السوري المحرر؟
غير ان السؤال الأهم هو: هل يتجاوز التصدي الاميركي لروسيا مسرح العمليات السوري الى مسارح أخرى في اوكرانيا وبحر البلطيق؟ وهل يقتصر التصدي الاميركي على النواحي السياسية والعسكرية ام يمتد الى النواحي الاقتصادية ايضاً؟ ثم، ماذا سيكون موقف واشنطن اذا ما لجأ «داعش»، وربما «النصرة» ايضاً، الى استعمال السلاح الكيماوي في المسرحين العراقي والسوري؟
هذا السؤال لا يشكّل تحدياً مقلقاً للولايات المتحدة وحدها، بل لكل المجتمع الدولي، وفي مقدمها روسيا وايران. ذلك ان القوى المناهضة للإرهاب ستكون مضطرة، في هذه الحالة، الى اللجوء لخيارات مغايرة وأسلحة أكثر تطوراً للردع والرد الهجومي الساحق، وهذا الاحتمال له بالضرورة تداعيات بالغة الخطورة.
الصراع في سوريا وعليها جدّي وشامل ومفتوح على شتى الاحتمالات.
(البناء)