عام على «عاصفة السوخوي»: احتدام الصراع على النفوذ وتغيّر في الأدوار علاء حلبي
تغيّرات كبيرة طرأت على المشهد السوري منذ التدخّل الروسي في سوريا قبل عام من الآن. انقلب الوضع الميداني بشكل كبير لمصلحة الجيش السوري، تمكّن من فرض حصار مُطبق على مدينة حلب، واستعاد مُعظم ريف اللاذقية الحدودي مع تركيا على الرغم من وعورة المنطقة الجبلية وقربها من الجار – العدو. كما تمكّن من استعادة معظم ريف دمشق وحصر بؤر المسلحين في مناطق معزولة.
التقدّم الكبير للجيش السوري قُوبل بردّة فعل عنيفة من القوى الداعمة للفصائل المُسلّحة وعلى رأسها السعودية وقطر، وسط ضخّ إعلامي مُتزايد ضدّ التواجد الايراني وإظهار التقدّم العسكري السوري على أنه تقدّم للمشروع الايراني في سوريا.
السعودية وقطر:
إعادة ترتيب الأوراق
بخطى سريعة ومُتواصلة، تعمل كل من السعودية وقطر على إعادة ترتيب أوراقها في سوريا. أول التحرّكات الخليجية لمواجهة التدخّل الروسي في سوريا جاء عبر إعلان المملكة تشكيل «التحالف الإسلامي العربي لمُحاربة الإرهاب» الذي يضمّ أكثر من 30 دولة، إلا أن هذا التحالف لم يُحقّق أي اختراق فعلي للمشهد السوري ليقتصر تأثيره على التصريحات السعودية بـ «مناقشة التدخّل العسكري في سوريا ضدّ داعش»، الأمر الذي رفضته موسكو واعتبرته «مخالفة للقوانين الدولية». وفي شهر شباط الماضي، أعلنت الرياض نيّتها التدخّل في سوريا بمشاركة مع أنقرة، وأرسلت بالفعل طائرات حربية إلى تركيا، إلا أنها لم تبدأ أي مُشاركة على الرغم من وجود طائراتها في المطارات التركية حتى الآن.
بالتزامن مع ذلك، كثّفت السعودية وقطر جهودها لفرز الفصائل، وإعادة تشكيلها من جديد ضمن كيانات مُوحّدة تُلبي احتياجات المرحلة الحالية. أبرز هذه التغيرات، جاءت بإعلان «جبهة النصرة» تنصلّها من تنظيم «القاعدة» وتغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام» في شهر تموز الماضي، وما تلاه من عمليات إعادة ترميم للفصائل وجولات توحيد «ماراتونية» للفصائل المتشرذمة، لضمان استمرار التواجد على الأرض السورية وسط احتدام تنافس القوى الدولية. وعلى الرغم من إعلان الدولتين رفضهما التدخّل الروسي، إلا أنهما تركتا الباب مفتوحاً أمام التواصل المُستمر مع موسكو.
وفي وقت تُحاول فيه كل من السعودية وقطر توحيد عمليات الدعم للفصائل المُسلّحة، إلا أن صراعاً داخلياً مُوازياً ما زال مستعراً، بدا جلياً في خلال المعارك المندلعة في ريف حماه في الوقت الحالي والذي يقوده تنظيم «جند الأقصى» وتُحاول فصائل «جيش الفتح» المزاحمة عليه.
الأكراد ومشروع «الفدرلة»
استفاد الأكراد بشكل كبير من الدعم الذي تلقوه من الولايات المتحدة، التي كانت تبحث عن قوات لمواجهة التحدّي الروسي في سوريا، فتمكّنوا من التمدّد على الشريط الحدودي مع تركيا في أقصى الشمال الشرقي، وتجاوزوا نهر الفرات إلى الضفة الغربية الذي كان يُمثّل «خطاً تركياً أحمر» بدعم من الولايات المتحدة، قبل أن يبدأوا الانسحاب بشكل تدريجي من مدينة منبج تحت ضغوط تركية. كما تمكّنوا من انتزاع مناطق واسعة في ريف حلب، تُحاذي مناطق سيطرتهم في عفرين، بالإضافة إلى التمدّد الأخير في مدينة الحسكة.
وأمام الدعم الأميركي ـ الفرنسي والغطاء الجوي الذي تُقدّمه قوات «التحالف الدولي»، وتعمّد الولايات المتحدة استعمال الأكراد كورقة ضغط على تركيا، بدأ مشروع «الفدرالية الكردية» يتبلور في مناطق سيطرتهم، وتمّ الإعلان عنه في شهر آذار من العام الحالي. وقُوبل، بداية برفض روسي ـ أميركي ـ تركي، وسوري بطبيعة الحال، إلا أن هذا الرفض لم يمنع الأكراد من استكمال عمليات سنّ القوانين اللازمة في مناطق سيطرتهم، وإجراء المسوحات السكانية تمهيداً لهذه الخطوة.
تركيا: تغيّر الأولويات
مرّت العلاقة الروسية – التركية بمنعطفات عديدة منذ التدخّل الروسي العسكري في سوريا. رفضت تركيا بداية هذا التدخّل، ورفعت من حدّة التصريحات السياسية، ووضعت نفسها في موقف الصدام المُباشر مع موسكو بعد إسقاطها مُقاتلة روسية في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني من العام الماضي، ليصل الأمر إلى حدّ القطيعة بين البلدين، قبل أن تُغيّر موقفها، وتُعيد بناء علاقات «طيّبة» مع روسيا، تبعتها بتدخّل عسكري مُباشر في الحرب السورية، بعدما كانت، طيلة السنوات السابقة، تلعب دور «المُتحكّم عن بعد»، مُفسحة المجال لتدفّق آلاف «الجهاديين» إلى الداخل السوري.
رأى الصحافي السوري المُتابع للشأن التركي سركيس قصارجيان، خلال حديثه لـ «السفير»، أن «الدخول الروسي بثقل أكبر في سوريا أدى بطبيعة الأحوال إلى تراجع حدّة التهديدات التركية، كما أنه غيّر طبيعة الحدود التركية – السورية، لتتحوّل هذه الحدود إلى حدود لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مع الاتحاد الروسي حسب المنظور السياسي والعسكري الروسي. وبالتالي، فإن أي خطوة مُتسرّعة من قبل تركيا قد تؤدي إلى إشعال مواجهة مباشرة مع الحلف المعادي ما أدى إلى تغيير قواعد اللعبة».
وأضاف أن «أحد هذه القواعد، هي الموقف الروسي من الأكراد أو العلاقات الروسية – الكردية. فبعدما كانت الولايات المتحدة هي الداعم والحليف الوحيد للأكراد في الشمال السوري، ظهر الطرح الروسي كبديل سياسي وعسكري للمُكوّن الكردي من خلال استقبالها (موسكو) زعيم حزب الشعوب الديموقراطي صلاح الدين ديميرطاش، الحزب الموالي للأكراد داخل البرلمان التركي، وصالح مسلم وعددا من السياسيين الأكراد، ما زاد من قلق أنقرة التي أدركت حجم الخطأ الذي ارتكبته، وهو ما دفعها إلى استدراك الموقف عبر انعطافة سياسية».
بعد إصلاح تركيا علاقتها مع روسيا، وأمام استمرار التقدّم الكردي، واستمرار اتهام واشنطن لأنقرة بـ «العجز»، قرّرت تركيا، أخيراً، التدخّل العسكري المُباشر في سوريا. في البداية، حرّكت الفصائل المُسلّحة التابعة لها بشكل مباشر، وقامت بحشدهم إلى جانب قوات الجيش التركي، فاخترقت مدينة جرابلس الحدودية وسيطرت عليها من دون أي قتال فعلي مع تنظيم «داعش»، وقطعت بذلك الطريق على الأكراد الذين كانوا يستعدّون للانتقال إلى جرابلس بعد سيطرتهم على مدينة منبج، الأمر الذي كان سيعني وصل مناطق سيطرة الأكراد في الشرق السوري بالمناطق الواقعة في الشمال الشرقي، ما هدّد تركيا بإنشاء كانتون كردي فعلي على حدودها المباشرة.
وفي وقت يجري فيه الحديث عن استعداد بدء تركيا توغّلها إلى الداخل السوري بشكل أكبر، وإلى مدينة الباب شرق مدينة حلب ومدينة الرقة الواقعة شمال سوريا، أوضح قصارجيان أن «نتائج هذا التوغّل، لن تكون كحال التدخّل في جرابلس الحدودية. جرابلس مدينة قريبة من الحدود وبالتالي الخطوط الخلفية للجيش التركي بقيت ضمن الأراضي التركية. أما بالنسبة لمدينة الباب، فنحن نتحدّث عن اضطرار الجيش التركي لقطع مسافات طويلة داخل الأراضي السورية، ما يعني أن خطوط الإمداد والصفوف الخلفية، ستكون عرضة للهجمات من قبل الأكراد وداعش على حد سواء. لذلك لا أعتقد أن تركيا جاهزة للمضي قدماً في التوغّل داخل الأراضي السورية».
فرنسا وبريطانيا:
نحن موجودون أيضاً
بعد التدخّل العسكري الروسي في سوريا، كشفت كل من فرنسا وبريطانيا عن تواجدهما الفعلي في سوريا، حيث أنشأت فرنسا قاعدة عسكرية لها في مدينة عين العرب شمال شرق مدينة حلب والخاضعة لسيطرة الأكراد، في حين اختارت بريطانيا منطقة التنف الحدودية مع العراق قاعدة لقواتها التي تُشرف بالتعاون مع الولايات المتحدة على تدريب فصيل «جيش سوريا الجديد»، والذي فشل حتى الآن في تحقيق أي تقدّم ملموس على الأرض حيث يسيطر على مساحة صحراوية واسعة غير مسكونة، بعدما أباد تنظيم «داعش» مجموعة كاملة منه إثر عمليات إنزال جوية استهدفت السيطرة على مدينة البوكمال في ريف دير الزور.
وعلى الرغم من الوجود الفعلي للقوات الفرنسية والبريطانية في سوريا، إلا أن البلدين يلعبان دوراً إشرافياً وتدريبياً سواء للقوات الكردية في الشمال السوري، أو تلك القوات «الجديدة» الناتجة من تجميع مقاتلي «جبهة الأصالة والتنمية» وتدريبهم لمواجهة «داعش» قرب الحدود العراقية.
إسرائيل والأردن:
دعم لوجستي
نجحت روسيا، منذ دخولها الصراع بشكل مباشر، في تحييد الجبهة الجنوبية لسوريا المتّصلة بالأردن والأراضي السورية المحتلة، حيث هدأت وتيرة المعارك في محيط درعا، وتعرّضت غرفة «ألموك» لجمود أو تجميد. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، يجري الحديث بين حين وآخر عن إعادة إحياء، مشروع الملك عبدالله الثاني بضمّ العشائر العربية في المثلث السوري العراقي الأردني إلى سلطته. كذلك تُشارك الأردن مع الولايات المتّحدة وبريطانيا في تقديم الدعم لـ «جيش سوريا الجديد».
بدورها، كثّفت إسرائيل نشاطاتها الداعمة للفصائل المُسلّحة وعلى رأسها «جبهة النصرة»، حيث فتحت مستشفياتها لاستقبال جرحى الفصيل «القاعدي»، كما مهّدت الطريق وقدّمت دعماً لوجستياً لهجمات نفّذتها هذه الفصائل مطلع الشهر الحالي، بهدف اختراق المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في القنيطرة. وتمكّن الجيش السوري من التصدّي لها وإفشالها.
(السفير)