مقالات مختارة

أوروبا وسوريا: الحرب طويلة! وسيم ابراهيم

 

لم يحتج مسؤولون أوروبيون لانتظار خواتيم اجتماعات نيويورك ليُعلنوا أن لحظةَ الحلّ السوري لم تَحُن، خصوصاً أن ميزان صياغة التسوية لا يميلُ إلى الكفّة التي يضع فيها الحلفاء الغربيون ثِقلهُم. هذه مفارقةٌ بالطبع، فالأحاديث العلنية للمسؤولين الغربيين تُصوّب على موسكو ودمشق، مع تحميلهما المسؤولية المباشرة عن فشل المساعي الديبلوماسية.

فما الذي يجب انتظارُه؟ مستوى جديد من التنافس، الدولي والإقليمي والمحلي، بدماء السوريين، ما لم تحصل معجزةٌ سياسية.

تلك الخُلاصات سَبَقت الترقب المحيط باجتماعات نيويورك. قال مسؤول أوروبي يعمل على الملف السوري لـ «السفير» إنه لم يكن من شيء يدعو للتفاؤل رغم أن ماكينة الديبلوماسية الدولية أوحت بغير ذلك: «نحن لا نرى لا رغبة ولا إرادة لإنهاء الأمر، هذه حرب طويلة، والجميعُ فيها يرون إمكانية للحسم العسكري»، قبل أن يوضح «هذه الحرب لا أحد في وسعه خسارتُها، والتسوية الآن تعني أنه سيكون هنالك خاسر».

إنها من المرّات النادرة التي تموتُ فيها خطةٌ أميركية ـ روسية في مهدها، رغم كل الاستثمار للديبلوماسية الذي وضعه الجانبان فيها، موحيين أن هناك انعطافة قادمة في مسار الحرب. سابقاً، كانت الاتفاقات الثنائية تلاقيها، كما الآن، انتقاداتُ المتحاربين المحليين والإقليميين، لكنها تجد لنفسها، بالفرض وبالضغط، طريقاً ما للتنفيذ في السماء المُطبِقة بالتشكيك.

لا يساور ديبلوماسيين أوروبيين أي شكوك في أسباب عدم إعلان تلك الصفقة. من دون الدخول في التفاصيل، يقولون إنه كان اتفاقاً يُمثل تنازلاتٍ أميركية لمصلحة الروس، لا يرضى بها اللاعبون الإقليميون. إصرار واشنطن على إبقائه سرياً، وفّر على من يتكهنون حول فحواه. يقول ديبلوماسي معلقاً على ذلك إن «الصراع ليس فقط بين أميركا وروسيا، الأصعب من دون شك هو الذهاب إلى الدائرة الأصغر، وإيجاد تفاهمات على أسس التسوية بين السعودية وإيران».

مسؤولٌ آخر مطلع على تلك المداولات، يلفتُ إلى أن هناك معطىً جديداً دخل بفعالية على آلية صناعة القرار في الحرب السورية. من هنا يفسّر إصرار واشنطن على عدم كشف تفاصيل اتفاقها مع موسكو: «سابقاً كانت لواشنطن تلك السلطة الكافية لفرض بعض النقاط التي يُعارضُها الحلفاء الإقليميون، أما بالنسبة لإدارة أميركية راحلة، فهي تعرف أنها لا تملك السلطة الكافية لضبط حلفائها وإلزامهم»، قبل أن يشدد على أن «الجميع يحاول الآن تحقيق مكاسب تحكُم عمل الادارة الاميركية القادمة حينما تُحدد مسار استراتيجيتها في سوريا».

لم يكن الأميركيون والروس هم وحدهم من صدّروا إشارات التفاؤل. الأوروبيون فعلوا ذلك على طريقتهم. خرجت تصريحات بروكسل توحي أن هناك صفقة كبيرة قادمة، ويجب على الاوروبيين توحيد قدراتهم للعب دورٍ وازن في مرحلة التسوية السياسية. تلك الرسالة بدت مفاجئة، خصوصاً أنها جاءت بلسان رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر.

في ورقته الاستراتيجية «حال الاتحاد»، أعلن يونكر تزكيته وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني «كي تجمع من خلالها كل الخدمات الديبلوماسية، للدول الكبيرة والصغيرة، من أجل تحقيق النفوذ في مفاوضات دولية»، قبل أن يضيف «لهذا أدعو اليوم إلى استراتيجية أوروبية لسوريا، فيديريكا يجب أن يكون لها مقعدٌ على الطاولة حينما يجري تقرير مستقبل سوريا، بحيث يمكن لأوروبا المساعدة في إعادة بناء دولة سورية مسالمة وتعددية».

موغيريني نفسها لم تقصّر في الإيحاء بقرب المنعطف، والترويج للدور الاوروبي فيه. قبيل انضمامها لاجتماع «المجموعة الدولية لدعم سوريا» في نيويورك، قالت إنه «حان الوقت» لمرحلة انتقالية يُقرّر فيها السوريون. تحدثت عن القيمة المضافة التي تجلبها أوروبا للحل السوري: «الاتحاد الاوروبي لديه علاقات جيدة مع جميع الفاعلين في المنطقة، ولدينا قنوات مفتوحة مع مختلف الأطراف في سوريا، لذا نحن جاهزون ومصممون على توفير كل دعمنا الفعال للوساطة الأممية»، قبل أن تأمل بتفاهمات عسكرية تفسح للمسار السياسي، لأنه «في تلك اللحظة سيلعب الاتحاد الأوروبي بالتأكيد دوراً رئيسياً».

ديبلوماسي رفيع المستوى في بروكسل يقول لـ «السفير» إن الإعداد للعب دورٍ أوروبي أساسي «ممكن إذا حصل تكامل في الأدوار». يشرح أن لموغيريني «علاقات جيدة مع إيران، لكن سيئة مع السعودية»، لافتاً إلى رفض طلبِها ترتيبَ اجتماعٍ مع ولي العهد السعودي محمد بن نايف، أو ولي ولي العهد محمد بن سلمان، خلال آخر زيارةٍ لها إلى الرياض. انحصر سقف الاستضافة بوزير الخارجية عادل الجبير، بخلاف الترحاب المتزامن الذي حظي به نظيرها البريطاني السابق فيليب هاموند (بات الآن وزيراً للمالية).

من هنا، يرى المصدر أن «الدور الأوروبي يحتاج تكاملاً مع جهود موغيريني، ففرنسا هي أفضل من يدير العلاقات اليوم مع الخليج العربي»، قبل أن يُشدد على ضيق الأوروبيين من تهميش دورهم «حتى الآن، لم يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً مهماً مع أنه يتعرض للآثار المباشرة، فتدفقات اللاجئين لا تذهب إلى إيران أو روسيا أو أميركا، كما أنه أكبر الجهات المانحة في الأزمة السورية».

مع ذلك، ثمّة إدراك عام، ينقله المسؤولون الأوروبيون، بأن لا مستقبل لأي مقاربةٍ للتسوية تستهدف إخراج موسكو خاسرة. يقول ديبلوماسي أوروبي حول ذلك «روسيا لها اليد العليا في سوريا، ليس هناك لاعب دولي وضع على الأرض الاستثمار العسكري الكبير الذي وضعته، هذه معطيات لا يمكن القفز عنها، وإلا نكون أمام محاولات عبثية لن تؤدي إلا لإطالة الحرب».

لكن المحاولات «العبثية» لا تبدو كذلك لمن يعوّل عليها. أروقة الديبلوماسية الأوروبية تعرف تماماً مُقدّمات ونتائج محاولات تبييض مجموعات متطرفة سورية، سواء بالنسبة لـ «جبهة النصرة» مؤخراً، أو قبلها لحركة «أحرار الشام» التي تحاشى المكتب الأوروبي لمكافحة الإرهاب تصنيفها، حينما احتاج ذلك لدواع قضائية تتعلق بمحاكمة «الجهاديين الأوروبيين». منذ أشهر، تُسمع همساً خلاصة: إذا استهدفت «النصرة»، من سيبقى؟ حتى لو أقرّ الاتفاق الأميركي – الروسي ذلك، فكيف سيساعده من عارض سابقاً استهداف «داعش» إذا كان النظام السوري هو المستفيد من ذلك؟

سابقاً، كان الكلام الأوروبي همساً، لكن لم يعد الآن بعيداً إعادة إنتاج ماركة «النصرة» بما يساعد تركيا والسعودية على تسويق دورها، أو على الأقل حمايته من استهداف صفقة أميركية – روسية. فتح ثغرة ديبلوماسية لذلك، على ضيقها، كان واضحاً في بيان الإدانة لروسيا بتوقيع مجموعة الحلفاء الغربيين: فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا وأميركا والاتحاد الأوروبي. أكدوا «الالتزام المتجدد» لتدمير «داعش» (فقط)، داعين روسيا للتركيز على هذه المجموعة (فقط).

«النصرة» وفقهم، تابعة لتنظيم «القاعدة»، بما يعني أنها «منظمة إرهابية وعدو للمجتمع الدولي». لكنّ هناك مجالا للمناورة وفق صياغة البيان، فهو يقترح ضمناً على «النصرة» طريقاً ممكنة لتبييض دورها. يقول البيان إن «النصرة ترفض الانتقال السياسي التفاوضي والمستقبل الشامل التمثيل في سوريا»، ليلحق بتلك الرسالة نداءً مفتوحاً لتطبيقها بدعوة «كل المجموعات المسلحة التي تقاتل في سوريا إلى إيقاف أي تعاون مع النصرة».

سواء كانت تلك الرسائل مقصودة بالفعل، أم أنها مجرد مناكفةٍ لنزع أي أعذار تشوش على إدانة خالصة لروسيا، كل هذا لا يغيّر أن ما يجري لا يبدو تكتيكات اقتراب التسوية. هذا ما يؤكده ديبلوماسي أوروبي يعمل على الملف، ليقول حينما سألناه عن الأفق إن «الحرب اللبنانية استمرت 15 سنة»، قبل أن يضيف «لا أريد أن أكون متشائماً، لذلك سننتظر المسار الذي ستختاره الإدارة الأميركية القادمة، طبعاً إلا إذا حصل اختراقٌ سياسي لا يمكن استبعاده تماماً».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى