مصالح واشنطن «وداعش» والخليج وتركيا تتلاقى في دير الزور على الغاز: رضوان الذيب
كل محافظة في سوريا مشروع حرب دولية كبرى، وكل معارك الحدود مع سوريا لم تحسم باستثناء لبنان نتيجة قيام حزب الله والجيش السوري بعملية تطهير من القصير الى الحدود بين الشمال وحمص وصولاً الى القلمون والزبداني باستثناء بعض العقد التي لا تقدم او تؤخر، لكن المشاكل السياسية الداخلية لم تستثمر هذا الانجاز.
واذا كانت حلب الواجهة الان حسب مصادر متابعة للوضع في سوريا، نتيجة المأزق التركي وعدم القدرة على الحسم وموضوع الاكراد ومياه الفرات. فان دير الزور لا تقل اهمية عن حلب بل تفوقها من الناحية الاستراتيجية.
وتضيف المصادر «الولايات المتحدة الاميركية» لن تتخلى عن دير الزور مطلقاً، وهذه سياسة «الصقور والحمائم». اذا كانت موجودة. لان ما يجري في سوريا فيلم اميركي طويل، انتاجا واخراجاً وقتلا ودماراً و«داعشاً» و«نصرة» ومتطرفون ومعتدلون، لكن النتائج جاءت معاكسة لما تشتهيه السفن الاميركية، جراء ضعف السياسات الاميركية وعدم قدرتها ان تكون حكما نزيهاً للعالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فصورة اميركا اليوم «باهتة» ومترهلة، وتشبه الرجل المريض، ولم تعد تقدم العظماء لا داخلياً ولا على مستوى العالم. وهل يعقل ان تقدم اميركا للعالم مرشحين رئاسيين على مستوى ترامب «غير المتوازن»، وكلينتون غير الناضجة. فيما يقود روسيا مارد جبار يضاهي لينين وستالين ووزير خارجية يضاهي اندريه غروميكو في الحقبة السوفياتية، فيما المرشحان الاميركيان للرئاسة غير قادرين على حكم اميركا فكيف على مستوى العالم؟
وتتابع المصادر «الوهن الاميركي» ضرب حلفاء واشنطن كما ضرب حلفاء روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفايتي، لكن حلفاء روسيا يستعيدون عافيتهم مع بوتين. فيما حلفاء واشنطن ينتقلون من هزيمة الى هزيمة، ومن الطبيعي ان يستثمر الروس والايرانيون والصينيون على «الوهن» الاميركي، وهل يجرؤ الكوريون الشماليون على هذه التجارب النووية لو كان الاميركيون في صحتهم وعافيتهم؟
ولكن السؤال الاساسي، لماذا بادر الاميركيون في دير الزور للهجوم رغم انهم يحاذرون في مناطق أخرى، والجواب حسب المصادر ان لدير الزور اهمية استراتيجية تتعلق بالجغرافيا والموارد الطبيعية وتحديداً الغاز، فدير الزور تحتوي على اكبر مخزون للغاز في العالم، وكلفة انتاجه بسيطة ويشكل المورد الاول لاستمرار تنظيم «داعش» مالياً، وهذا الغاز مشروع خلاف كبير بين واشنطن وتركيا وقطر وروسيا. فروسيا لا يمكن ان تقبل بجر غاز دير الزور عبر المتوسط الى اوروبا «المشروع القطري» والاستغناء عن الغاز الروسي محاصرة الدولة العظيمة اقتصادياً، وكان التهديد الروسي في مجلس الامن وامام الجميع، «سنمحي قطر عن الخريطة خلال ساعات»، وعندها باشرت تركيا بجر الغاز السوري الى اراضيها والاستغناء عن الغاز الروسي تبدلت الاحوال في انقرة وتوالت الرسائل الروسية تجاهها احياناً بهز العصا، واحياناً «بالجزرة» وهذا التوجه ايضا قطري – تركي. كما ان لواشنطن اطماعاً كبرى في الغاز ومن خلاله الضغط على الجميع وتحديداً على ايران وروسيا.
وحسب المصادر «من هنا تكمن اهمية دير الزور للجميع، والطيران الروسي منع سقوطها بدعم من الفرقة السورية النخبوية، بقيادة اللواء عصام زهر الدين».
وتتابع المصادر «لكن الاهمية الاستراتيجية الكبرى لدير الزور تكمن في موقعها الذي يشكل العنصر الاساس للمواجهة الاميركية مع ايران، وسقوط دير الزور وتحديداً البوكمال بيد الجيش السوري يعني عملياً فتح طريق طهران بغداد دمشق بيروت البري، ومن يتحكم في هذه الطريق يحكم المنطقة، ولذلك تلاقت المصالح الاميركية مع مصالح داعش لمنع هذا «الخيار» واسقاطه، والضربة الاميركية كانت بقرار من اوباما وليس من البنتاغون لانه لا وجود لمعتدلين ومتطرفين في البيت الابيض، وتم الاسراع بالغارة بعد رصد الاميركيين لحشود سورية مدعومة من الحلفاء للتقدم نحو «البو كمال» على الحدود السورية العراقية وهذا يعني فتح الطريق، خصوصاً ان واشنطن فشلت منذ شهرين بالسيطرة على مدينة البو كمال عبر قوات «سوريا الحرة» بقيادة جمال معروف وبغطاء جوي وكل القوات ابادتها «داعش»، بعد التوقف المفاجىء للطيران الاميركي والحديث عن ترتيب «صفقة» بين «واشنطن وداعش» سمح بسحق قوات «سوريا الجديدة» «ما طلع منهن مخبر».
ومن هنا، تؤكد المصادر الحاجة الاميركية لـ«داعش» في دير الزور. وجاءت الغارة منسقة وتقدمت «داعش» نحو الاهداف المقصوفة للسيطرة عليها مباشرة بعد الغارة، لكن روسيا اعتبرت الغارة رسالة لها، فردت بأعنف قصف بري وبحري وجوي على جبل «ترده» في دير الزور، حتى ان الناس اعتقدوا وقوع هزة ارضية مع بداية القصف الذي اباد جميع عناصر «داعش» عبر صواريخ من البحر لا تخطىء اهدافها ونسبة الخطأ بين مترين وثلاثة امتار فقط.
ومن هنا، تؤكد المصادر ان المصالح الروسية ـ الايرانية ـ السورية واحدة في دير الزور وكل سوريا، والتنسيق تطور وعالج قضية الاتصالات واللغة، فيما المصلحة الاميركية واضحة في منع سيطرة الجيش السوري على الغاز، وايران على طريق طهران بغداد دمشق بيروت والوصول الى القنيطرة وجنوب لبنان، وهذا الامر يشكل ايضاً مصلحة سعودية ـ خليجية ـ تركية ـ اردنية ـ اسرائيلية «داعشية» باحباط هذا المسار.
ولا تستبعد المصادر حصول مواجهات كبرى، وجوية تحديداً في ظل استمرار الخشية الاميركية من النزول الى الارض وتحويل سوريا الى فيتنام ثانية، وهذا ما سيسمح بالسيطرة الميدانية للجيش السوري وحلفائه لان «الجو» لا يحسم أي معارك ميدانية، وطالما الارض للجيش السوري فان مسار المعارك سيبقى لصالحه مع اعتماد «الصبر والنفس الطويل» وهذه المعادلة بدلت المشهد السوري كليا ولم تعد المشكلة سورية فقط بل اصبحت تركية وقطرية وسعودية، ولم يعد امام السوريين اي شيء يخسروه بعدما تدمرت سوريا، والدمار الآن بدأ ينتقل الى الطرف الآخر مع تراجع ادوار تركيا والسعودية وقطر في سوريا لصالح الروس والايرانيين وحزب الله وسلطنة عمان الذي تقدم دورها وباتت ساحتها ملتقى الجميع لحل ازماتهم وتحديداً الازمة اليمنية وهذا يعود للنهج السياسي للسلطان قابوس.
(الديار)