الأطماع التركية في سورية: حميدي العبدالله
معروف أنّ لتركيا أطماعاً في سورية والعراق، تتجاوز السعي لنفوذ تقليدي في محيطها. وإذا كان هناك من يجادل بشأن رغبة تركيا بإلحاق أجزاء من سورية بالدولة التركية على غرار إلحاق لواء اسكندرون، فإنّ من الصعب على هذا البعض نفي أطماع تركيا في سورية التي تتجسّد في أمرين أساسيين، الأول، خلق منطقة نفوذ لتركيا داخل الأراضي السورية وقرب الحدود بين البلدين، والثاني، وقد برز مع وصول حزب العدالة والتنمية ذي الأصول الإخوانية إلى الحكم في تركيا، حيث يتطلع إلى أن يكون نظام الحكم في سورية خاضعاً لحكم الإخوان، وهي رغبة عبّر عنها المسؤولون الأتراك بصراحة منذ بدء الأزمة في سورية، وسعوا جاهدين في النصف الأول من عام 2011 إلى إقناع الدولة السورية بالانفتاح على الإخوان واقتسام السلطة معهم تجنّباً للحرب التي شنّت لاحقاً على سورية.
الغزو التركي لأراضي سورية قرب الحدود التركية في محافظة حلب جاء في سياق العمل للوصول إلى هذه الأهداف. وإذا كان هدف إيصال «الإخوان المسلمين» إلى السلطة قد سقط لأسباب تتعلق بصمود الدولة السورية، وسقوط حكم «الإخوان» في مصر، إلا أنّ الرهان التركي على إقامة منطقة نفوذ تركية قرب الحدود لم يسقط، وهدف الغزو التركي منعه من السقوط، فهل ينجح النظام التركي الحالي في تحقيق هذا الهدف؟
مجرد الغزو العسكري التركي وتوغل قوات تركية داخل الأراضي السورية، لا يعني أنّ هذا الهدف قد تحقق، كي يتحقق، يجب أن تسيطر تركيا على كلّ المناطق السورية المحاذية لحدودها، هذا أولاً، وثانياً يجب أن تستتبّ الأوضاع لمصلحتها ويحدث استقرار نهائي. لكن دون تحقيق هذين الهدفين ثلاثة عوائق يصعب على تركيا تجاوزها في نهاية المطاف. العائق الأول، أنّ الدولة السورية لم تسقط، أيّ أنّ الوضع يختلف عن الوضع في ليبيا مثلاً، والدولة السورية معترف بها شرعياً ولها مقعد في الأمم المتحدة، وطالما أن الدولة السورية موجودة والصراع مستمرّ لن يستتبّ الأمر للأتراك. العائق الثاني المسألة الكردية، بمعنى أنّ تركيا تواجه هذه المسألة داخل أراضيها، ولا سيما مقطع الحدود الذي تتطلع أنقرة لأن يكون مساحة النفوذ التركي داخل سورية، وبعد غزوها لبعض المناطق في ريف حلب الشمالي باتت تواجه الأكراد في سورية وفي داخل تركيا، ومن شأن ذلك أن يحول دون استتباب الأوضاع لتركيا في المناطق التي غزتها، إضافة إلى تصاعد المقاومة الكردية في سورية وتركيا وتحوّلها إلى حرب استنزاف لا طاقة لمصلحة تركيا على تحمّلها على المدى البعيد. العائق الثالث، صراعات ومصالح الأطراف المسلحة في سورية التي تسيطر على المناطق الواقعة خارج سلطة الدولة السورية، حيث تواجه ما يشبه الرمال المتحركة.
في ضوء كلّ ما تقدّم، نعم هناك توسع تركي وسعي لخلق منطقة نفوذ، ولكن مع وقف التنفيذ، وتحوّل الغزو إلى ورطة.
(البناء)