بقلم غالب قنديل

انكشاف النوايا الأميركية

 

غالب قنديل

شكلت جلسة مجلس الأمن الدولي حول سورية ليل الأربعاء مجالا لمواجهة حامية بين روسيا والولايات المتحدة وبعد ثلاثمئة خرق عسكري لهدنة الأسبوع التجريبية حمل الوزير لافروف مسؤوليتها للجماعات المسلحة المرتبطة بالولايات المتحدة وحلفائها المشاركين في العدوان على سورية وحيث التزمت روسيا وسورية وحلفاؤهما بدقة عالية بينما جاء الخرق الأخطر والأكبر في الغارة الأميركية على دير الزور التي فضحت التنسيق الأميركي مع داعش كما جاء في البيانات والتعليقات الروسية حول الحدث الذي كشفت القيادة العسكرية السورية تفاصيله.

السفير بشار الجعفري كان واضحا وحاسما في تسمية الأمور بأسمائها وتحميل الولايات المتحدة وحلفها التركي الصهيوني السعودي القطري مسؤولية ما يجري على الأرض من غير ان يذكر التقرير الإعلامي الروسي حول ضرب غرفة عمليات تضم ثلاثين ضابطا كبيرا من جنسيات التحالف الدولي الإقليمي الذي يحرك عصابات الإرهاب في سورية بمن فيهم قادة من الموساد .

تبدو الأمور وقد عادت لنقطة الصفر مع كلام جون كيري الذي استحدث شروطا جديدة تطيح بقواعد ما تفاهم عليه مع نظيره الروسي وحيث استخدم وزير الخارجية الأميركي ضربة لقافة المساعدات تحوم شبهات كثيرة حول هوية منفذيها ليطمس النجدة الأميركية المفضوحة لداعش بالغارة التي شنها البنتاغون وتحالفه الدولي على الجيش العربي السوري في دير الزور وحيث يمكن الاستنتاج من اللهجة الميركية ان حادث القافة قد دبر للتغطية على أصداء الغارة التي سهلت عمليات داعش في دير الزور.

نقطتان تركزت حولهما مداخلة جون كيري في مجلس الأمن تكشفان حقيقة النوايا :

         استحالة الفرز بين فصائل جبهة النصرة ومن تدعوهم واشنطن بمسلحي المعارضة المعتدلة وهو ملف شغل حلقات تفاوض ممتدة بين روسيا والولايات المتحدة طوال الأشهر الماضية والحقيقة ان هذه الاستحالة تعود إلى ان فصائل القاعدة والأخوان هي جيش الحرب الأميركية بالوكالة في سورية وما تريده واشنطن المؤسسة الحاكمة هو حماية هذا الاحتياط الإرهابي والاحتفاظ بالقدرة على إعادة توجيهه إلى ساحات اخرى ومن هنا كانت وظيفة التفاوض مع موسكو هي قطع الطريق على أي تحركات محتملة للحسم في الميدان .

         بذريعة تمكين واشنطن من هذا الفرز الافتراضي طرح كيري شرطا جديدا هو حظر أي نشاط لسلاح الجو السوري في سماء بلاده ويعلم كيري ان ذلك يعتبر في دمشق وموسكو وطهران وبكين كذلك مسا بالسيادة الوطنية السورية وقد سبق لواشنطن ان تبلغت رفض كل ما يمس بتلك السيادة عندما طرحت شروطا معينة كرفض تفتيش قوافل المساعدات او تبنت الطلبات الإسرائيلية المتعلقة بحظر تواجد حزب الله على مقربة من الجولان المحتل .

تأكيد التمسك بالاتصالات والمساعي المستمرة لا يعني في ضوء المواقف المعلنة العودة إلى الاتفاق فالولايات المتحدة تخشى من تحرير قدرات الجيش العربي السوري بنتيجة اي تهدئة وهي تخشى الآن ظهور مبادرات هجومية جديدة قد تهدد معاقل عصابات الإرهاب التي ربتها مع شركائها لتدمير الدولة السورية وهذا سر الارتباك الأميركي.

يحق لمن تابعوا فصول التفاوض الروسي الأميركي حول سورية ان ينظروا بإعجاب شديد لبرودة اعصاب الوزير سيرغي لافروف وطول باله ومثابرته على الحفر حول مواقع الخصوم بحثا عما يريد كشفه من النوايا وتسجيله للأهداف تباعا في لعبة شد حبال صعبة يتوقف عليها الكثير .

نقاط الضعف الأميركية الصارخة التي فضحها الصبر التفاوضي الروسي والسوري منذ هدنة شباط الماضي باتت واضحة وقد أظهرت روسيا وحلفاؤها تماسكا وقوة في تطبيق اتفاق الأسبوع الذي يسعى الأميركيون لتعديله قبل ان يجف حبره والمراهنون على استعجال اوباما لإنجاز مفترض عليهم الالتفات إلى ان الرئيس اوباما بات مؤخرا وكيلا انتخابيا لمرشحة حزب الحرب الأميركي هيلاري كلينتون التي تتبنى مع فريقها بعضا مما تحدث عنه كيري في مجلس الأمن.

في الخلاصة تهاوت اوهام التسويات الافتراضية ويبدو ان الولايات المتحدة وحلفاءها لايريدون حلا في سورية بل حرب استنزاف طويلة ما امكن لمنع نهوض الدولة السورية التي تسعى الولايات المتحدة لمحاصرتها بالفكين التركي والصهيوني من الشمال والجنوب وبمواصلة دعم الإرهابيين الذي سيلجاون إذا تقدم الجيش السوري إلى معاقلهم نحو حزامي أردوغان ونتنياهو وبعض الأوكار الطرفية الأخرى.

الصراع في سورية متعدد الأبعاد وهو عقدة ترتبط بها معادلات دولية كبرى متحولة لكن الأكيد ان موسكو التي اختارت نهجا واضحا لتظهير قدراتها وخياراتها تجد في الميدان السوري مجالا واسعا للتأثير في التوازنات العالمية المتغيرة ولاستعادة دورها الندي في وجه القوة العظمى المتغطرسة في العالم ولردع هذه القوة التي لا توفر فرصة لإهانة روسيا وشيطنة رئيسها ومطاردتها بالعقوبات كما لو كانت دولة صغيرة لا شأن لها في الحساب العالمي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى