مؤشرات حاسمة حول سورية
غالب قنديل
بات من الضروري بعد ما جرى خلال الأسابيع الأخيرة تثبيت بعض المؤشرات والقواعد المنهجية المتعلقة بالوضع في سورية انطلاقا من انكشاف كمية كبيرة من الأوهام والرهانات التي بنيت على الألاعيب الكلامية الأميركية المكرسة للتحايل على العجز والفشل الذي منيت به الحرب الاستعمارية على سورية .
أولا الهدف الأميركي المباشر ليس الوصول إلى تسوية بل إدامة الاستنزاف وإطالة عمر الحرب ولذلك فقد برهنت الأحداث على ان اولوية واشنطن هي عرقلة أي اندفاع هجومي قد تقوم به الدولة السورية وحلفاؤها الكبار نحو الحسم الميداني في حلب او دير الزور ام الجولان وسواها .
لهذه الغاية اخترعت إدارة اوباما الكثير من الأكاذيب خلال الأشهر الماضية لتمييع الموقف وكانت اخطرها حيلة التعهد بفرز معتدليها غير الموجودين أصلا عن جبهة النصرة وبلغت تلك الكذبة المدبرة فضيحتها في بيان مجموعة دعم سورية الصادر من نيويورك الذي اكد استحالة الفك بين فلول القاعدة وعملاء واشنطن المتحدرين أصلا من تركيبة تنظيم الأخوان وبعض جماعات المرتزقة من اللصوص وقطاع الطرق الذين جندتهم ومن زمر التكفير متعددة الجنسيات.
ثانيا الصاروخ الروسي الذي اطلق من بحر قزوين في الساعات الماضية كما افادت وكالة سبوتنيك وأصاب غرفة عمليات عسكرية في دارة عزة بالريف الحلبي قدم الدليل على مواصلة حلف العدوان دوره المباشر بجميع اطرافه وبقيادة اميركية وقد أفادت الوكالة عن مقتل ضباط اميركيين وبريطانيين سعوديين وإسرائيليين واتراك وقطريين وهذا الحشد من الضباط غربي حلب يكشف حقيقة القرار الأميركي بمواصلة الحرب على سورية ومع هذا الحلف الدولي الإقليمي الذي تضاف إليه فرنسا وأستراليا ودول غربية وإقليمية كما تبين من غارة دير الزور ومن معارك الجولان التي تم تحضيرها بعمل مشترك سعودي أردني صهيوني قطري .
ثالثا تفيد بعض المعلومات الخاصة عن معارك الريف الحلبي ان الطيران الأميركي نفذ العديد من العمليات التي مهدت لتحركات عصابات القاعدة وشركائها على الأرض وحيث استعملت قاذفات استراتيجية اميركية قادمة من تركيا صواريخ موجهة بعيدة المدى لضرب أهداف للجيش العربي السوري ومواقع يتواجد فيها خبراء روس وبالتالي ينبغي التعامل مع ما يجري في الميدان وعدم الانصراف الأحادي إلى المظاهر والتعبيرات السياسية المخادعة فالمواجهة مستمرة بين سورية حلفائها والولايات المتحدة بالمقابل تقود حلفا دوليا إقليميا مساندا لعصابات الإرهاب .
رابعا تراجع الخطاب الدبلوماسي نحو فكرة البحث عن هدنة وحيث تدس الإدارة الأميركية بالمناسبة موضوع المساعدات لمحاولة استمالة التعاطف الإنساني بينما هي من أشعل الحرب وأرسل السلاح وحشد الإرهابيين من العالم ومن الواضح انها تخطط لإطالة امدها بقصد عرقلة نهوض الدولة السورية مجددا كلاعب إقليمي فاعل ومنع تبلور وقائع جديدة في الشرق لمصلحة المحور الروسي الصيني الإيراني انطلاقا من سورية .
خامسا إن إدارة اوباما هي من افشل المحاولة الروسية للتفاهم وتكفي للبيان حقيقة ان الهدنة التي سقطت شهدت التزاما سوريا احاديا مقابل مئات الخروق التي نفذتها جماعات الإرهاب التي تدعمها الولايات المتحدة جملة وتفصيلا وعلى رأسها جبهة النصرة وما قامت به القيادة الروسية لتنسيق التهدئة من فضح لهوية الخروقات كان عملا سياسيا ذكيا كاشفا بامتياز.
سادسا بلغ التحالف بين سورية وروسيا وكل من إيران وحزب الله مرحلة جديدة من النضج والتطور وقد حققت التجربة الأخيرة درجة عالية من الثقة والتناغم والفهم المشترك في أسلوب إدارة الصراع السياسي والعسكري بعد تجاوز الفجوات السابقة .
سابعا إن ما تقوم به كل من تركيا وإسرائيل وما يوصف بحزامي الشمال والجنوب هو جزء من تخطيط اميركي لاستنزاف طويل الأمد ولمحاصرة القوة السورية وبما يعيد الذاكرة إلى نظرية فكي الكماشة الشمالي والجنوبي التي طبقتها الولايات المتحدة وحلف الناتو ضد سورية طول عقود من القرن العشرين .