أليست دمشق أقرب ؟
غالب قنديل
ثمة العديد من الاعتبارات الأخلاقية والسياسية التي تستدعي رفض أي تعبيرات عنصرية في التعامل مع الأشقاء السوريين الذين هجرتهم الحرب الأميركية على سورية نحو دول الجوار ومنها لبنان ولا شك بالمقابل ان من الضروري النظر بواقعية إلى المشكلة التي ولدتها هذه الأزمة نتيجة اعباء كبيرة ألقت بثقلها على البنية التحتية وشبكة الخدمات العامة بتواجد ما يعادل اكثر من ثلث سكان لبنان وفي رواية الحكومة أكثر من نصفهم بما يضاعف أعباء الدولة اللبنانية المأزومة والمديونة أصلا هذا مع الاستدراك أن الكثير منهم هم قوة منتجة مضافة اقتصاديا وماليا وأن مبالغات كثيرة تعتور الأرقام الرسمية اللبنانية على هذا الصعيد.
اولا يقع جذر الانحراف اللبناني في التعامل مع تداعيات الحرب على سورية ومنها قضية النزوح السوري في الخيار الخاطيء الذي سمي رسميا بالنأي منذ بداية العدوان على سورية وقد استخدم غطاء لعدم اتخاذ أي موقف واضح ومسؤول من تورط جهات لبنانية في دعم قوى العدوان وجماعات الإرهاب التي استهدفت سورية وانخراطها في المخطط الأميركي السعودي التركي القطري ومعروف كل ما قامت به تلك الجهات اللبنانية من جهود وما قدمته من مساهمات في مؤامرة تدمير سورية وهي اليوم تفصح عن خيبتها من النتيجة وتصب لعانتها دون أي مراجعة جدية لمواقفها البائسة التي ادخلت الإرهابيين إلى لبنان وسورية ووضعت البلاد على حافة الكارثة وأقل ما يقال في تلك الزعامات التي فاضت حماسة في خطبها عن الثورة السورية البائسة انها غير مسؤولة وكانت لعبة بيد الأميركي وأعوانه من حكومات المنطقة التي شاركت في حلف العدوان على سورية وهي تعاملت مع الأمور بخفة ورعونة وعجز عن الفهم وبدافع الأحقاد احيانا كثيرة وتمثل تصريحات الخيبة الصادرة مؤخرا عن جنبلاط وجعجع والحريري بخصوص سورية مثالا للعبثية السياسية وللامسؤولية وللخلل الخطير الناتج عن غياب المحاسبة السياسية التي منعوها مجتمعين بتعطيل الانتخابات النيابية وباستنفار العصبيات الطائفية والحزبية.
ثانيا برهنت الأحداث على ان مصلحة لبنان كانت ولا تزال تفرض التصرف بمنطق شراكة المصير مع الدولة السورية في التصدي لعصابات الإرهاب والتكفير وفي مساندة الصمود السوري بوجه العدوان الأميركي الصهيوني لصد هذا الخطر عن لبنان وقد نفذ حزب الله هذا الخيار بشجاعة وقدم التضحيات المشتركة مع الجيش العربي السوري ونجح في إقامة طوق حماية للبنان في حين منع المتواطئون ضد سورية الجيش اللبناني بقرار سياسي مقصود من تخطي حدود الدفاع الموضعي فلم يؤذن له بالعمل وفق اتفاقات التعاون بين الدولتين في مجالي الدفاع والأمن ويمكن القول انه لو توافر الحد الأدنى من العقلانية لدى هؤلاء السياسيين التابعين للخارج الذين تصرفوا بجنون وعبث شديدين لأمكن صياغة نهج حكومي منذ المراحل الأولى للعدوان على سورية يوفر سدا منيعا لحماية لبنان ولمؤازرة سورية في صد الجماعات التكفيرية بدلا من انصراف ثلاثي جنبلاط جعجع الحريري لاجترار وعود فيلتمان بقرب الإطاحة بالرئيس الأسد ومن إهدار أرواح من غرروا بهم من اللبنانيين والسوريين في اتون الحملة التكفيرية العالمية لتدمير سورية والتي تبين بالوقائع انها لم توفر لبنان من اجندتها كما وعد المدبرون الدوليون والإقليميون وقد فشل هذا الفريق السياسي البائس في تعبئة وتجنيد النازحين السوريين واستخدامهم في الحرب على سورية ولا تمحى من ذاكرة الأحداث ردة الفعل العنصرية ضدهم من جانب قوى 14 آذار بعد مشهد السفارة السورية خلال الانتخابات الرئاسية.
ثالثا منذ البداية حول المسؤولون والزعماء اللبنانيون قضية النزوح إلى مادة للاستثمار والتلاعب والتسول سياسيا وماليا واقاموا شبكات خاصة بهم تحت عنوان المساعدات كانت امتدادا لجمعيات الإغاثة الخليجية التي اعتمدت منذ حرب أفغانستان كأحد أذرعة حروب التكفير المتنقلة في العالم واليوم يواجه الحكومة اللبنانية واقع العقم الذي يحيط بجميع رهانات المساعدة الدولية الموعودة ورغم ذلك ينقل المسؤولون هذا الملف بين عواصم العالم ويشاركون في المؤتمرات واللقاءات ويتبرعون بالاقتراحات والخطط عن عودة النازحين إلى بلدهم وهم يتحاشون الحديث عن العاصمة الأولى التي ينبغي ان يقصدوها لبحث الملف وهي دمشق حيث توجد دولة وطنية أثبتت جدارتها في الدفاع عن بلادها وفي التصدي لأخطر عدوان عالمي وحيث يتلقى المسؤولون السوريون يوميا اتصالات من مختلف انحاء العالم لطلب التعاون في محاربة الإرهاب إلا من الحكومة اللبنانية التي يخشى بعض اطرافها من التأنيب الأميركي والسعودي على أي لفتة او مبادرة تفرضها المصلحة اللبنانية نحو دمشق وبكل بساطة ما تريده الرياض وواشنطن هو ان تحتكرا السيطرة على القرار السياسي اللبناني في موضوع العلاقة مع سورية لما يمثله اي إحياء للعلاقات من متنفس جدي في اعتقادهم يمكن ان يخفف الأعباء على البلدين ولكن الحقيقة التي يجري تغييبها هو ان مسالة عودة السوريين من لبنان إلى بلدهم مرتبطة أولا وأساسا بالتنسيق الضروري مع الدولة السورية .
جميع المؤتمرات والمبادرات والاقتراحات لا جدوى عملية منها ما لم تنطلق من دمشق وبالشراكة معها وعبثا يتهرب المسؤولون اللبنانيون من هذه الحقيقة.