يا مصيبة الوطن ! ثريا عاصي
أعود إلى «داعش». من يتصدى لجماعات «داعش» في لبنان؟ بكلام أكثر وضوحا، ماذا نعرف عن مشروع «داعش» في لبنان؟ في المقابل ما هي مواقف الأفرقاء اللبنانيين حيال هذا المشروع؟ تحديدا، هل توجد مقاومة وطنية ضد «داعش». إذا سلّمنا طبعا، أن هذه الأخيرة تمثل خطورة على الكينونة اللبنانية. بمعنى آخر من يجرؤ على المقاومة دفاعا عن لبنان ضد «داعش»؟
من البديهي لكل ذي عين ترى وأذن تسمع، أنه ليس لدى جماعات «داعش» مشروع وطني أو غير وطني. من المرجح أن هذه الأخيرة هي في الحقيقة أدوات يستخدمها الجميع ضد الجميع، بدرجات متفاوته بحسب القدرة على التمويل والتسليح والتجنيد من جهة، وبحسب السيطرة العسكرية على الأرض من جهة ثانية. فلقد كشفت الحروب اللبنانية المتتالية، أن الحروب الداخلية هي بامتياز لا أخلاقية، بل هي دليل انحطاط إنساني إلى حد التوحش والانقياد إلى سلوك غريزي. بعكس حرب التحرير الوطنية، حيث يتصف المستعمر وحده بالهمجية والتغول وغريزية السباع.
إذا كان الجيش في لبنان مقيدا، أو ممنوعا من أداء دوره في حماية المشروع الوطني، على افتراض أن مثل هذا المشروع موجود، كانت الجهة التي تٌعوّقة عن عمله، معترضة على المشروع الوطني ومتواطئة مع الذين يتطاولون على ترابه وعلى سيادته.
تجدر الملاحظة في هذا السياق أن لبنان يكاد أن يكون خاليا من حركات وأحزاب وطنية، حتى تكون وطنيا يتوجب عليك أن تكون علمانيا، قياسا بتلك الحركات والأحزاب التي نهضت غداة هزيمة الناصرية في حزيران 1967، وحاولت أن تختلط بفصائل المقاومة الفلسطسينية، ثم تبنتها عندما طـُردت هذه الأخيرة من الأردن بعد أيلول الأسود سنة 1970. ما أود قوله هنا، هو أنه لا توجد مقاومة وطنية، علمانية، حيث تتواجد «داعش» على التراب الوطني.
عندما تتقاعس الدولة اللبنانية عن القيام بواجب الدفاع عن الوطن، تنتهك كما أظن دستور البلاد . ينجم عنه أنها تشرع البحث عن الأمن الذاتي (وهذا ما بدأنا نسمع به في نداءات وتعليقات..). أو بتعبير أدق وأكثر ملاءمة في الحالة اللبنانية، عن الأمن المذهبي . إذ ليس أمام الناس، الذين يتعرضون للعدوان أو الذين يغزوهم مستعمر في عقر دارهم ويحتل أرضهم، خيار سوى الدفاع عن أنفسهم والاستنصار بحلفاء يسلكون نهجا مناهضا للمعتدين والمستعمرين والرجعيين.
يذكرنا مسلسل «داعش» في عرسال وجرودها بمسلسل المستعمرين الإسرائيليين في جنوب لبنان، و«بالحركيين» اللبنانيين (هؤلاء كانوا من جميع المذاهب) الذين دخلوا في خدمتهم وتجندوا في «جيش لبنان الحر» و«جيش لبنان الجنوبي». ظلت الدولة تتفرّج على فصول الفاجعة. سكان الجنوب يطردون من ديارهم فيلقاهم معتمدو خادم الحرمين بالسلاّت الغذائية وبفرش أسفنجية. يأخذونها ثم يعودون إلى الجنوب. كان فصل الغزوالإسرائيلي في حزيران 1982 حافلاً بالوقائع الفاضحة. يمكننا أن نقول الشيء نفسه عن فصل حرب تموز 2006. لم تتأثر الدولة، والمذهبيون والطائفيون بما جرى في الجنوب. ولكن هاج هائجهم، وجن جنونهم عندما نهضت المقاومة، فنعتوها بالشيعية والفارسية والعلوية! أنكروا جميل المحررين، أنكروا الشهداء. كفّروا المقاومة واستغاثوا بالأميركي والفرنسي والتركي. ويل لمن يقاوم «داعش». يا مصيبة الدين!
(الديار)